((الديوان الشعري الجيد هو الذي يترك منهكا في نهايته وتشعر في اثناء قراءته بأنك عشت معه اكثر من حياة)) هذا مايقوله الكاتب الامريكي (وليام ستين) وبغض النظر وقت صدوره وحجمه ومكان صدوره.. وهذا ينطبق انطباقا كليا على ديوان الشعر الشعبي للمرحوم مجيد جاسم الخيون والذي صدر في عام ١/٤/١٩٧٠ قام بنشره السيد سالم الدباغ..وقد سعى الشاعر من اجل البلوغ الى المستوى الرفيع من الشفافية الشعرية كأن عليه ان يذلل كل عائق يبرز امامه سواء من ناحية العروض او من ناحية التراكيب اللغوية فقد تمكن الشاعر من خلال مضمون اعماله وبناها العروضية وصورها ولفتة لم يسبق اليها احد..
- في ديوان (يا هور الجبايش) نسيج شعري ممتد يكشف عن التكوين التراثي الراسخ لهذا الشاعر وعن مقدرة فذة لديه جعله يفلت من اسر كلاسيكية كانت تطغي على الشعر الشعبي مطلقا روحه الشعرية العارمة لصنع قصيدة جديدة نابضة بوعي العصر ووعي الشعر معا.. تجاوب مع صدقه الابداعي يصدق مماثل بصدقه يرى فيه فداكا جديدا لم تعد تصادفه الاذن المتلقية المستقبلية واكتما الاشعر يا يختلف بشكل لافت عن الشاسة وما تزدحم به الساحة من كلام اعرج مبتور
- في مقدمة رائعة تصلح ان تكون صورة ناطقة للديوان وللشاعر كتبها فهد الاسدي.. جاء فيها..
هور الجبايش هذا الهور العظيم الزاخر بكثير من الصور وهبه مجيد "مجيد" الشاعر كل روحه وعانق كل صورة.. غناء اعذب مايكون الغناء واحبه في شعر مجيد كثير من المدلولات المحلية وقد لايستمتع البعض بقسم من صوره لو لم يتعرف على هذه المدلولات وعلى منابعها الفولكورية.
- وفي مكان آخر ((وترتفع الصرخة.. صرخة من الاهوار موجعة متلهفة لئلا يسد النهر مجراه ويستغل الشاعر ذلك وينطلق من الجزئي الى الشمولي محذرا سطو الهور من جيموت النهر.. نهر الحياة))
- ويستمر الايمان بتعبير الخير ابداعته (مجيد) يغنيه ابدا فهو يعني انتصار الانسان في داخله هذا الانسان الذي يقف متحديا هزائمه وعثراته.
- وشعر مجيد هو الذي صحى من قوالبه السابقة ينطبق على اصوات التجديد التي حررت الشعر بمجموعة من التزمت الجناسي القديم فأرتاد عوالم جديدة تدافع عن قضية الانسان واطلق اخيله جديدة تراود اماله وامانيه في اشكال انسيابية تسبح في اجواء موسيقية معطاء تعنى بالشفافية اكثر من الديباجة
- في شعر مجيد هذا قدمت صور عدة للعطاء صور الحب وعناه متغزلا ولم يتهافت الحب على يديه فيتحول الى غزل فج رخيص بل فأنه قد قطع الشوط ابعد اذ اسقط الحب الجزئي وضمه في شمولية الانسان لتصبح الحبيبة اوالحبيب رمزا لايستعصى حله من ذاب في صوفية ذاك الحب الكبير
- ويختم الاستاذ فهد الاسدي مقدمته بقوله
ورغم الدوامات النفسية التي تلف شعره احيانا ينغلب عائدا الى حبه الكبير فيتحول الهور الى الوطن الكبير ويتحول ابناؤه الى ابناء القومية والانسانية عامة.
- لقد وهب مجيد روحه للآخرين لنا كلنا لذا كان ديناً في اعناقنا ان نهبه الوفاء.. هل يكفي الوفاء ؟
هور الجبايش
احتوى الديوان على (٢٩) قصيدة كل واحدة منها لايكفي لالقاء الضوء عليها كتاب فكيف بمقالة قصيرة.. على العموم اخترنا مجموعة متنوعة لنلق بعض الضوء عليها وفق اجتهادات متواضعة.
- ان الطاقة الشعرية المنبعثة من النصوص كانت حاضرة بقوة وكان العالم يقدمه الشاعر حقيقيا وكأنه منتزع من الحياة تواً
يبدأها بقوله:
يدهله وطين فوك الطين ومسدي
حشيش اخضر على الصوبين والبردي
اشحلات الصيد بيك ودفعة المردي
حلوة شيلة الفاله لبوسراج الشغل لاله
صايود الدست ودراغه يبراله
يطرب لو سمع فحل الجاموس ينحط
ياهو الجبايش لا تشد الشط
- ويسأله عن المضايف والدلال والكرم ولقاء الجمعة ويذكره هل ينسى؟
بأنهم قد ركبوا صدور الماطورات وتقلد والكسرية ((وهي نوع من انواع البنادق)) حيث هي المفضل ببنادق صيد الطيور
يا هور الجبايش هيلك ومنك
تجاوبني الحقيقه من اريد انشدك
وين اهالينه ، ومضايفنه ومبانينه جنك ياهور ناسينه
ولاجنه لعبنه بكصب المخرط
ولاجنه تزاركنه بكصب صورك
ولاجنه ركبنه بصدر ماطورك
ولاتذكر الكسريه ولاتذكر رمي طيورك
نسيت ايام المزين.. نسيت الشص
نسيت اطيور الوريده شحم بالموس امكلص
- ويختم هذه القصيدة الرائعة
ما ننسه رفيف الكصب لمن يدحج المشحوف
روحي اطوف يا هور الجبايش بيك روحي اطوف
بالخريط الاصفر بالكصب مصفوف
برشيح الماي فوك الكصب لو نكط
يا هور الجبايش لاتسد الشط
ملط الروج
- ان دولة الحق والقانون الذي يحمي الحريات ويعطيها مكسبا كبيرا حققته الانسانية في سعيها نحو الترقي والوصول الى ما اسميه بالحرية العليا التي يسيطر فيها البشر جميعا على مصائرهم دون خوف اوحاجة ويذهب كل انسان بارادته الحرة الى اقصى ما يمكن ان تحمله اليه مواهبه.
- في هذه القصيدة يتناول واقعه وحال قلبه
ملط الروج يا روحي تهدم جالي العبره
وشوف الكلب يتلوح بخت ومجلب بشعره
صفه مايج للمفارج نشف زرعج ولا كطره
حافه ماتت الكصبه بلاجع ماشفت عكره
ويتناول تأثير الروح على الهور ومن ثم على الشاطئ وكيف أن الجرفين ينهدمان ويسافر الطير الخضيري الى منطقة أخرى ويتساءل
الدنيا الجانت مفرشه شجاها وجفت بنطه
طمعنه بلحم الخضيري رجعنا نعلس الجفطه
اغط وانبك تاليه وصلنا الجالي الكليكه على الخطه
اشماله الذهب متبدل نزل سعره
عفج توه كبر بخته يزامط زود بالبصره
ملط الروج يا روحي تهدم جالي العبره
عتاب
- يعاني بحرقة والم.. ويشرح حالته لحبيبته ويقول
اتشكك الحاف الشته
وخيال صيفك مايمر روحي غدت بردانه
واحضن خيال الصيف يلكد مهرته حالوب ظل بمجانه
- كل هذه الاوقات مرت عليه وحبيبه لايتذكره.. كيف يكون ذلك وهو الكريم الذي اشبع الجائع واعطى بدون منه
طرادتك بالهور ماخذه الهوه شالت شرع
وتوزع مليس على المعدان وانه اسفح دمع
واعمتلك بطرف الهدم تغرف بغرافة سبع
خليتني براكك الجرف مكسور خاطر منصدع
ورغم كل مامر به فالشاعر يقول
منكاد الك ما تلفت ضيعت وياي العرف
من صوبي سديت النهر خليتني تايه بجرف
خنياب للعادل صرت يرعه وسط نايم طرف
حلمانه
ان هذه الغرض الشعري والمفردة الشعرية يرددها اكثر من شاعر حيث اصبحت القاسم المشترك لجميع قصائد الدواوين
حلمانه لوشوكه يوعيني وافز
لو ماي بارد انكط على الروح وانز
- ان الذي يحب لايمكن ان يستغني عن حبيبته مهما كانت الظروف
مخراز شوك اهواي خارزني خرز
كل ساعه انز
وعضاي صايبه الخدر شوكه يوعيني وافز
- وترد عليه حبيبته
جم دوب اوشل بالدمع نهران بخدودي كره
والروح زيبك ماع بالماعون هيجي مطشره
يا يمه والشمات ياهو الكام يشجخ خنجره
وانا مره ولساني يكصر بالطوايف عيب من تحجي المره
ما اكدر احجي برادتي خليهه يمه مساتره
دوريلي يا يمه درب
-كلك قهر ياليل-
- ان كتابة شعر عملية ابداعية يتدخل فيها العقل.. يفتح الفن جميع نوافذه ويشغل جميع ادواته على الوجود المحض.. الحياة ظلام وآلام والليل طويل
يا ليل طيفك من يمر ضيجة خلك
وشموعنه الجانت ضوه ما تنفلك
وتتصاعد اللوعة والالام ويخاطب الشاعر بلوعته المعروفة
اشما اخيط جروح اشماتي تشكك
يا معزة العشاك يالجدمك خضر
اسحن قهر باليل تاليت الكمر
اهلال بين والوكت راس الشهر
يا ليل جاوين الشدك ضاع الصدك
- ايها الليل.. كافي ظلام وكافي لسكوت المظلوم.. وطبق ضلامك ولابارقه ضياء وبخومك المناضله كلايد للغاويات
ياليل يا هندس ظلام بلا ضوه
وبخومك كلايد غوه لهل الغوه
واحد تريحه واحد اكليبه انجوه
خليته ابطرك الطرك.. واشموعنه الجانت ضوه ما تعتلك