لو أدركنا فلسفة تنزيه الخالق .. لأدركنا أن الشر هو مقدار الخيرية الغائبة
د. مضر بركات
يتساءل الكثيرون كيف أن الخالق يرى ويسمع كما تقول الأديان.. ثم يتجاهل هذا الإله كل هذا الشر الذي تجري به نفوس البشر في هذه الأزمة التي تعصف بمجتمعنا..!! كيف يكون الله عادلاً ولا يستجيب لدعاء المظلومين..!! وكيف يكون هو الخالق ويخلق كل هذا الشر ويسمح له بالطغيان والتجبّر على الخير الذي اتصف به الله، ويرغب البشر أن يتصفوا به..!! وكيف أن هذا الأمر يعصف بالعقول الضعيفة فيجعل المرء يشك بالخالق ويشك بمن يسمون أنفسهم رجال دين، وما هي حقيقة الدين، وحقيقة الخير والشر، وحقيقة صلة هذا الأمر بالخالق..؟!!
المشكلة المطروحة لها جواب بسيط يعتمد على الرؤيا الشاملة لخارطة المسألة.. وأي نظرة ضيقة ستؤدي إلى مماحكات ونقاشات لا نتيجة لها..
الجواب ببساط شديدة..: الخير من الله والشر من أنفسنا..
وهذه المسألة لا علاقة لها بأي دين أو أي معتقد.. ولا يصح لأي شخص أن يناقش شخصاً آخر من منطلق معتقد ديني معين.. لأن المعتقدات مختلفة في النظرية، لكنها مهما اختلفت في النظرية، فهي تتفق في الغاية.. والغاية من أي معتقد هو التواصل بين المخلوق والخالق..
لذلك فإن الاختلاف في النظرية يكون في طريقة تحقيق الغاية.. وهذه الطريقة تخضع للتوصيف، والتوصيف يظهر نقاط ضعف ونقاط قوة في النظرية لهذه الطريقة أو تلك..
نقاط الضعف ونقاط القوة في نظرية المعتقد لتحقيق الغاية، هي نتيجة طبيعية لمحدودية قدرة العقل.. فمهما اتسعت قدرة العقل لن يستطيع إنتاج نظرية تحيط بالمعرفة الكلية للوجود..
هذا من حيث مبدأ المعتقد الديني.. أما من حيث موضوع الخير والشر والبلوى التي تصيب الإنسان.. فالبعض يقول أن الخير والشر من الله، وأن الله خلق الخير لنتبعه والشر ليختبرنا، وهذا منتهى العبثية واللاعقلانية.. وهنا المصيبة في المعتقدات الدينية..
إن هذا القول ليس سوى إلقاء مسؤولية كافة الأخطاء البشرية على إرادة الخالق، وهذا بالتأكيد غير عقلاني ويتناقض مع تنزيه الخالق عن أهواء النفس التي هي أدنى صفات البشرية نتيجة قربها من غريزة الحيوان..
الصحيح والمنطقي والعقلاني هو أن الخالق يخلق الإنسان مفطوراً على الخيرية المطلقة، ويخلق له العقل، والمخلوق يتطور في نفسه وتفكيره من الفطرة المطلقة على الخير إلى التمييز.. والتمييز له علاقة بمعطيات التربية الحياتية التي تؤدي إلى طرائق التحليل والتفكير ومن ثم طريقة اختيار الطريق بين الخير والشر..
لذا نرى أن الطفل الصغير لا يختار خيارات شريرة وإن اقترف خطأ فيقال عنه (جاهل)، أما الكبير الناضج فيسمى عاقل أو مدرك، لذلك عندما يقترف خطأ أو يتصرف بطريقة شريرة فهو يختار بعقله خياراً لا يتوافق مع الفطرة الخيرية..
والأحجية هنا هي في فهم ماهيّة الخير والشر.. ولن أدخل في شرح هذه المسألة بل سوف أختصرها بوصف بسيط..:
ليس هناك شيء اسمه (شر).. ولو كان هناك (شر) ككيان مستقل عن الخير، لكان هذا منافياً لمنطق الخيرية المطلقة التي هي الخالق.. لأن وجود شر إلى جانب الخير يعني أن الخالق شرير أو عابث لأنه خلق الشر إلى جانب الخير.. وهذا مطلق العبثية..
لذا.. نرى أن الخالق خلق الإنسان مفطوراً على الخير المطلق، لكنه خلق له العقل ليختار نهجه في السلوك الخيريّ.. وهنا التفاوت في الخيرية والشر بين البشر…
وعليه.. فإن الحق والعدل، أن الخالق هو الخيرية المطلقة، والخير هو الفطرة المطلقة.. وأما الشر فهو حالة غياب الخير من النفس البشرية بنسبة معينة تعتبر انعكاساً لخيارات الطبع والتطبّع والسلوك الاحتماعي.. وكلما ساء استخدام العقل كان السلوك الناتج عن الخيارات البشرية هو أقرب إلى السلوك الحيواني الغريزي..
يعني كلما كان الإنسان عقلانياً، كلما كانت خياراته قائمة على الخيرية.. وكلما كانت خياراته بعيدة عن العقل، كلما ازدادت نسبة غياب الخير في خياراته، مما يعني أن نقص الخيرية في هذه الخيارات هو عكس الخير.. يعني الشر.. وبالتالي فإن هذا الشر يعبر عن أهواء النفس التي هي الدوافع الغريزية.. وبالتالي.. تتجلى الحقيقة التي تقول أن الخير من الله والشر من أنفسنا.. وهذه المسألة هي عقل ومنطق علمي وفلسفي، ولا علاقة لها بمفهوم النظريات الدينية والمعتقدات.. والخالق أنزه من فكرة العبثية التي تروج لها النظريات الدينية التي تقول أنه خلق الخير وخلق الشر..
أما علاقة الأديان والمعتقدات بالخير والشر، فهي ناتج طبيعي للقصور العقلي في الضوابط والقوانين التي يضعها الكهنة والشيوخ والحاخامات وكل أصناف رجال الدين، والتي تدفع المجتمعات المؤمنة بهذه المعتقدات إلى مجاهل قلة العقل وضعف الإدراك.. وهذا ما نراه واضحاً جلياً في خرافات الوهابية التكفيرية وسخافة معتقداتها الغريزية.. ولا تخلو جميع المعتقدات الدينية من لوثة من هذا القبيل قد تكون كبيرة وقد تكون صغيرة.. لكن لا فضل ولا تمايز في أي من هذه المعتقدات على غيره من حيث اشتماله على المعرفة المطلقة التي يعجز العقل البشري عن الإحاطة بها، تماماً كما يعجز كوب الماء أن يتسع للبحر الواسع…
بانوراما الشرق الاوسط