ذهبت وصاحبي إلى زيارة أرض النجف المشرفة، فلما دخلنا المرقد الطاهر لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه، خاطبت الإمام بعبارة: السلام عليك يا سيد الأنبياء والأوصياء، فأحسست بصاحبي قد توقف عن الكلام وهو متفاجئ بما سمع، وأراد أن يسأل عن صحة ما سمع ولكن الزحام قد منعه.
فلما أتممنا مراسيم الزيارة وخرجنا من المشهد المقدس رأيته مستعجلا يريد أن يجلس في مكان منعزل عن الناس، فوجدنا المكان المناسب وجلسنا.
فقال صاحبي: ما هذا الكلام الذي سمعته منك؟ ومن أين لك هذا؟
فقلت لصاحبي: وماذا قلت ليجعلك تغضب إلى هذا الحد؟.
فقال صاحبي: قلتَ وأنت تخاطب الإمام أمير المؤمنين: السلام عليك يا سيد الأوصياء والأنبياء. وهل الإمام علي عليه السلام أفضل من الأنبياء عليهم السلام، وهل هذا السلام ورد في الزيارات والأدعية؟.
فقلت لصاحبي: سؤالك هذا يحتوي على فرعين، الفرع الأول هو:أسلامي هذا مأخوذ من نصوص الزيارات والأدعية أم لا؟ وأنا أقول لك: لا، فهذا لم آخذه من الزيارات بل هو من إنشائي وخرج من قلبي وجرى على لساني؛ لأني اعتقد ذلك، وليس كل ما يخاطب به الإمام لابد أن يكون مأخوذا من نصوص الزيارات والأدعية، لان باب المخاطبة مع الإمام عليه السلام مفتوح وبإمكانك أن تقول له أي شيء وتبوح له بأي سر، بشرط أن لا يكون ذلك الخطاب محرما او فيه مخالفة عقائدية.
والفرع الثاني هو: هل ان الإمام أمير المؤمنين أفضل من الأنبياء والأوصياء؟ فأقول لك: نعم هو أفضل من جميع الأنبياء والأوصياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
فقال صاحبي: وآثار الذهول والحيرة مرتسمة على وجهه: وكيف يكون ذلك وهو ليس بنبي؟ وما هو دليلك على ذلك؟.
فقلت لصاحبي: هدّئ من روعك يا أخي وتعامل مع الأمر بهدوء وتعقل، واستمع إلى الدليل قبل أن تتعجب أو تنكر.
فقال صاحبي: حسنا سأهدأ ولكن أرجو منك الاستعجال وان تخبرني بالدليل بسرعة.
فقلت لصاحبي: هذه الأمور العقائدية المهمة وان كانت لا ينبغي فيها الاستعجال في الاستدلال ولكني مع ذلك سأختصر الأدلة وابسطها لك ليرتاح قلبك وتطمئن نفسك.
فقال صاحبي: تفضل وهات ما عندك.
فقلت لصاحبي: توجد أدلة كثيرة على أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أفضل من الأنبياء والأوصياء عليهم السلام، ويمكن لنا أن نقسمها إلى قسمين:
القسم الأول: هي تلك الأدلة التي تتوافق وما يعتقده الشيعة الاثنا عشرية من الأحاديث والمباني العقلية والرجالية.
والقسم الثاني من الأدلة: هي ما يتوافق وينسجم مع متبنيات أهل السنة والشيعة وقواعدهم. فبأي قسم من الأقسام تريدنا أن نبدأ؟
فقال صاحبي: بما ينسجم مع أقوال الشيعة الإمامية وقواعدهم ومتبنياتهم طبعا.
فقلت لصاحبي: حسنا، ولنبدأ من قوله تعالى في (سورة آل عمران الآية رقم 110): {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ...}، وهذه الآية كما هو واضح لا تريد تفضيل كل أفراد الأمة الإسلامية بما يشمل فُساقها ورعاعها على جميع أفراد الأمم الأخرى، بل التفضيل كما لا يخفى هو للأفراد المتصفين بصفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله سبحانه، فهؤلاء هم المفضلون على من يؤمن بالله ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من باقي الأمم الأخرى.
ولا يخفى أيضا بان هذا التفضيل يكون كل بحسبه، بمعنى ان مؤمن هذه الأمة المتصف بتلك الشروط أفضل وأكمل من مؤمن تلك الأمم المتصف بنفس هذه الشروط، ووصي هذه الأمة أفضل من جميع أوصياء الأمم السالفة، ونبي هذه الأمة أكمل وأفضل من سائر أنبياء الأمم الغابرة، فيثبت بهذا التوضيح ان الإمام أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه أفضل من سائر الأوصياء؛ لأنه من هذه الأمة الموصوفة بالفضل على سائر الأمم الأخرى.
فقال صاحبي: فهمت من هذه الآية أن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أفضل من جميع الأوصياء عليهم السلام، ولكن كيف لنا أن نستدل منها بأنه عليه السلام أفضل من الأنبياء عليهم السلام؟.
فقلت لصاحبي: يصبح هذا واضحا فيما لو عرفنا أن كثيرا من أوصياء الأنبياء كانوا يحملون مرتبة النبوة، فهو وصي وفي نفس الوقت هو نبي أيضا، فإذا كان أمير المؤمنين عليه السلام سيدهم بوصفهم أوصياء فلابد أن يكون سيدهم أيضا وهم أنبياء لان الشخص نفس الشخص.
فقال صاحبي: هل توجد أدلة أخرى غير هذه الآية المباركة؟.
فقلت لصاحبي: ومن الأدلة التي تتوافق مع متبنياتنا كشيعة إمامية الحديث المشهور الذي أخرجه الشيخ المفيد في كتاب (تفضيل أمير المؤمنين للشيخ المفيد ص34): (علي خير البشر فمن أبى فقد كفر)، وإطلاق لفظ البشر في هذه الأحاديث يشمل الأوصياء وغيرهم من أفراد تلك الأمم، بل يشمل حتى الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين لان جميعهم بشر، وإذا كانوا بشرا كان علي أفضل منهم وأكمل بنص الحديث النبوي فيكون سيدهم.
وكذلك هو أفضل أفراد الأمة الإسلامية من بداية الدعوة النبوية إلى آخر يوم من أيام الدنيا، لان جميعهم بشر فيكون علي أفضلهم وخير منهم وأكمل.
فقال صاحبي: هل كلامك هذا يعني ان الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أفضل من النبي الأعظم صلى الله عليه واله؟ لان النبي الأعظم بشر أيضا فهل يشمله الحديث؟ أم أن في الأمر سرا لم افهمه؟.
فقلت لصاحبي: أعوذ بالله من هذا القول، فنحن لا نقول ولا نعتقد بأفضلية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام على النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، وكيف نعتقد بذلك وقد اشتهر عندنا قول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: (إنما أنا عبد لمحمد)، وكيف يكون أفضل ونحن نعتقد بان عليا فرع من فروع نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله ولولاه لم يكن شيئا مذكورا، وعليه فيكون شخص النبي الأعظم مستثنى من هذا الحديث الشريف، فهو صلى الله عليه وآله وان كان داخلا تحت لفظ البشر إلا أن الدليل القطعي قام على أفضليته صلى الله عليه وآله على سائر أبناء آدم ومنهم الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
فقال صاحبي: اعتقد بأَن حديث (علي خير البشر) مروي أيضا عند أهل السنة، فلماذا جعلته من مختصات الشيعة الإمامية؟.
فقلت لصاحبي: نعم هذا الحديث مروي في كتب علماء أهل السنة ولكنهم ــ وللأسف ــ ضعفوا جميع طرق الحديث ورموها بكل عظيمة لذلك لم اجعله دليلا مشتركا كي لا يشكل علينا بان هذا الحديث ضعيف وليس بحجة.
فقال صاحبي: وهل توجد أدلة أخرى لإثبات هذا الأمر؟ وأرجو أن تذكر لي أدلة على قواعد أهل السنة مبانيهم.
فقلت لصاحبي: أوضح دليل لإثبات ذلك على وفق مباني أهل السنة هو قوله تعالى في (سورة آل عمران الآية رقم 61) : {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَة اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}.
فقد أجمع المفسرون على أن المقصود من قوله تعالى في الآية { وَأَنفُسَنَا} هو نفس النبي صلى الله عليه وآله ونفس الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فقد عدّهما القرآن الكريم نفسا واحدة، فتثبت تبعا لذلك المساواة ما بين النفسين في الكمال والصفاء وكل شأن رفيع باستثناء النبوة، والثابت القطعي ان النبي صلى الله عليه وآله أفضل من جميع الأنبياء والأوصياء فيكون علي بن أبي طالب عليه السلام أفضل أيضا، لان المساوي للأفضل أفضل أيضا.
فقال صاحبي: أحسنت الاستدلال، وهل يوجد دليل آخر غير الآية؟.
فقلت لصاحبي: نعم يوجد، فحديث الطائر المشوي الذي دعا فيه النبي الأعظم صلى الله عليه وآله بقوله: (اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطعام) فجاء علي بن أبي طالب عليه السلام فأكل منه فثبت انطباق كونه أحب الخلق إلى الله عليه.
فعلي بن أبي طالب عليه السلام وبحسب هذا الحديث الذي صححه جميع علمائنا، وجملة كبيرة من علماء أهل السنة، هو أحب الخلق إلى الله من بعد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، فيكون أفضل من جميع الأنبياء والأوصياء وأممهم لان هؤلاء كلهم يجمعهم لفظ الخلق، وهو عليه السلام أفضل من جميع امة محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى يوم القيامة لان الجميع يدخل تحت عنوان الخلق، وكذلك هو صلوات الله وسلامه عليه أفضل من جميع الملائكة حتى المقربين منهم لأنهم؛ جميعا مشمولون بلفظ الخلق.
فقال صاحبي: زدني من الأدلة إن كان عندك منها شيء؟.
فقلت لصاحبي: هنالك مجموعة من الأحاديث الشريفة التي وصفت كل نبي من أنبياء أولي العزم أو غيرهم بأوصاف امتاز بها عن غيره، وجعلت من أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه جامعا لكل تلك الفضائل، فيكون أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وفقا لهذه الأحاديث أفضل من جميعهم، لبداهة ان الجامع لكل صفات الكمال أفضل من الحائز على بعضها، ومن هذه الأحاديث قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، والى نوح في فهمه، والى إبراهيم في خلقه، والى موسى في مناجاته، والى عيسى في سنته، والى محمد في تمامه وكماله فلينظر إلى هذا الرجل المقبل، فتطاول الناس فإذا هم بعلي بن أبي طالب كأنما ينقلع من صبب وينحط من جبل) وقد استقصى العالم النحرير العلامة الشيخ الأميني في كتابه الغدير (ج3 ص355 تحت عنوان حديث الأشباه في أمير المؤمنين عليه السلام ) جملة من طرق هذا الحديث بألفاظه المختلفة فان أردت فبإمكانك الرجوع إليها.
فقال صاحبي: وهل توجد أدلة أخرى؟
فقلت لصاحبي: قد تعبت وطال بنا المقام وعلينا الرجوع إلى بيتنا قبل أن يدركنا الليل ولكني لن أخيب ظنك، وسأتلو عليك دليلا أخيرا، وإذا أردت المزيد فعليك أن تذكرني حينما نرجع إلى بيتنا ونرتاح.
فقال صاحبي: اتفقنا، والآن هات ما عندك يا أخي.
فقلت لصاحبي: هنالك حديث اتفقت على صحته جميع طوائف المسلمين ومذاهبهم، وهو قوله صلى الله عليه وآله: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما)، وفي هذا الحديث دليل على أفضلية الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام على سائر أهل الجنة وسكانها، لان أهل الجنة وسكانها شباب بأجمعهم ومنهم الأنبياء والمرسلون والأوصياء والشهداء وغيرهم، وليس فيهم كهول ولا عجائز.
وإذا كانوا شبابا بأجمعهم كان الحسن والحسين سادة لهم، لان السيد هنا بمعنى الأفضل، والآن نأتي إلى عبارة وأبوهما خير منهما، ففيها دليل على أفضلية الإمام أمير المؤمنين على ولديه، وإذا كان أفضل منهما فيكون أفضل من سائر أهل الجنة أيضا، لان الأفضل من الأفضل أفضل من الجميع قطعا.
طبعا لا أنسى أن أذكرك مرة أخرى بان النبي الأعظم صلى الله عليه وآله خارج عن هذه القاعدة، لقيام الدليل القطعي على أفضليته صلى الله عليه واله على جميع الخلق بمن فيهم الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابناه الحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
فقال صاحبي: جزيت خيرا والآن فهمت وثبت لدي أن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أفضل من جميع الأنبياء والأوصياء، بل وهذا الحديث الأخير يثبت بأن الحسن والحسين أفضل منهم أيضا.
فقلت لصاحبي: هذا صحيح، وأزيدك علما أن هذه الأفضلية لا تختص بمن ذكرت بل تمتد لتشمل سائر الأئمة التسعة من أولاد الإمام الحسين بل وحتى السيدة الزهراء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، ولعل العمر يمتد بنا أكثر وأزيدك من تلك الأدلة التي تثبت ذلك صريحا.
فقال صاحبي: والآن حان موعد الاعتذار من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.
فقلت لصاحبي: وكيف ذلك؟.
فقال صاحبي: هكذا، والتفت إلى الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام وخاطبه بقوله: السلام عليك يا سيد الأنبياء والأوصياء والمرسلين، ثم التفت إلي وابتسم وقال لي: الآن هيا لنذهب إلى الدار فإني مشتاق لرؤية طفلي الصغير.