بعض العلماء من اهل السنة القائلين بإيمان ابا طالب
"قال المؤلف": هل تصدره هذه المواعظ و النصائح القيمة من المؤمن؟ و هل الايمان ما ذكره أبو طالب عليه السلام؟ و هل يأمر الناس باتباع من في اتباعه رشد و سعادة و هو يترك ذلك؟ و هل يأمر عشيرته باتباع ابن اخيه صلى الله عليه و آله و يقول: لا يأخذ احد بهدية إلا سعد، و هو يترك ذلك و يكون من الاشقياء؟ فهل من يعلم هذه المغيبات و يعلم ذلك علم اليقين و هو لا يقبل ذلك؟ "إن هو الا بهتان عظيم" صلى الله عليك يا أول مؤمن بمحمد صلى الله عليه و آله و أول مصدق به، و أول ناصر و حام لرسول الله صلى الله عليه و آله و هل الايمان إلا التصديق بالجنان، و الاعتراف باللسان، و العمل بالاركان؟ فاما الاعتراف و التصديق بالجنان فقد صرح به عليه السلام، و اما الاعتراف باللسان فقد اعترف به أيضا بتعبيرات مختلفة في موارد عديدة، تقدم جيمع ذلك فيما ذكرنا من اشعاره و أقواله، و اما العمل بالاركان فلم يتظاهر به لمصلحة الوقت، و لاجل أن يتمكن من حفظ النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و حفظ أتباعه، فلو تظاهر بالاعمال سقط عن الانظار، و لم يقبل قوله، و لم يتمكن من الدفاع عن سيد المرسلين صلى الله عليه و آله فوافق عليه السلام قربشا في عدم الاخذ بأقوال ابن اخيه في الظاهر خدعة و سياسة لكي يتمكن من الدفاع عنه بتمام قواه، و بهذا القول صرح جمع من علماء أهل السنة الذين تركوا التعصب، و صرحوا بالحق و الصواب قال ابن دحلان في السيرة النبوية المطبوعة بهامش السيرة الحلبية "ج 1 ص 100": قالت الشيعة بإسلامه تمسكا بذلك الحديث "أي حديث شهادة العباس بانه عليه السلام أتى بالشهادتين و تلكم بما أراد منه النبي صلى الله عليه و آله كما في تاريخ الخميس "ج 1 ص 338 و غيره" و بكثير من اشعاره، لكن مذهب أهل السنة على خلافه، ثم قال ابن دحلان: و قد صرح إمام الاشاعرة الشعراني و جماعة آخرون من علماء أهل السنة بإسلام أبي طالب عليه السلام، و ذكره في السيرة النبوية بهامش السيرة الحلبية "ج 1 ص 100" و قال نقل الشيخ السحيمي في شرحه على شرح جوهرة التوحيد عن الامام الشعراني، و السبكي و جماعة: أن ذلك الحديث أعني حديث العباس ثبت عند بعض أهل الكشف و صح عندهم إسلامه "أي إسلام أبي طالب عليه السلام" و إن الله تعالى أبهم أمره بحسب ظاهر الشريعة تطييبا لقلوب الصحابة الذين كان أباؤهم كفارا، لانه لو صرح لهم "النبي صلى الله عليه و آله" بنجاته مع كفر آبائهم و تعذيبهم لنفرت قلوبهم، و توغرت و صدورهم، كما تقدم نظيره في الحديث الذي قال لا بن أبي قال "الشعراني و السبكي و من وافقهما": و أيضا لو ظهر لهم إسلامه لعادوه و قاتلوه مع النبي صلى الله عليه و آله، و لما تمكن من حمايته و الدفع عنه، فجعل الله ظاهر حاله كحال آبائهم و أنجاه في باطن الامر لكثرة نصرته للنبي صلى الله عليه و آله و حمايته له و مدافعته عنه "ثم قال": و لكن هذا القول اعني القول بإسلامه عند بعض أهل الحقيقة مخالف لظاهر الشريعة فلا ينبغي التكلم به بين العوام.
"قال المؤلف": تأمل في كلام هذا العالم الفاضل كيف خلط الحق بالباطل و تكلم بكلام لا يقبله العاقل المنصف الخالي من التعصب، و تأمل كيف ينسب إلى الله الظلم القبيح و يقول: إن الله تبارك و تعالى رعاية لحال بعض خلقه ظلم أعظم شخصية عند الناس و عند النبي صلى الله عليه و آله و سلم، "إن الله لا يظلم مثقال ذرة و إن تك حسنة يضاعفها و يؤت من لدنه اجرا عطيما "النساء" آية "44" تأمل في كلام هذا العالم الفاضل كيف يقول: إن الله تبارك و تعالى عمل بالتقية لان يحفظ نبيه من شر أشرار البرية "الله اكبر وجل جلاله" إن الله تبارك و تعالى كما أمر الخلق بترك الظلم كذلك لا يظلم أي فرد من افراد خلقه، و لو كان كافرا فكيف بمن كان مسلما و ناصرا لنبيه و محاميا له، آمن برسالة نبيه، و بذل نفسه و أولاده في سبيل إعلاء كلمته و ترك الشرك، و اعترف بوحدانية ربه تأمل في كلام هذا الفاضل كيف يقول: إن كلام أهل الحقيقية لا يؤخذ به لمخالفته لظاهر الشريعة، فيقال له أولا من أين ثبت عندك أنه مخالف لظاهر الشريعة، فهل هذه الشريعة التي تشير إليها توافق الكتاب المنزل على صاحب الشريعة؟ أو توافق ما جاء به من الدين؟ فهل الشريعة الاسلامية، تقول: إن من اعترف بنبوة محمد و رسالته صلى الله عليه و آله و سلم، و اعترف بان دينه خير الاديان لا يكون مسلما؟ فهل الشريعة المحمدية صلى الله عليه و آله، تحكم على من عمل بالتقية و لم يتظاهر بالاعمال المطلوبة في الاسلام لان يتمكن من حفظ محمد صلى الله عليه و آله سيد الخلق و أشرف البرية تحكم بانه لم يؤمن بالله و لم يكن مسلما مع ما ظهر منه من الاقوال و الافعال المثبتة لايمانه و إسلامه؟ تأمل في كلام هذا الفاضل كيف يأمر بان يسكت عن إظهار الحقايق، و تعليم الناس بما يجهلون به، و بما أشكل عليهم معرفته معرفة صحيحة لاختلاف الناس فيه بحيث قدم الباطل و أخذ به و أخفى الحق لدواع زمانية و ملاحظات دنيوية "يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم و الله متم نوره".
"اعتراف سيد قريش العباس بن عبد المطلب عليه السلام بان اخاه ابا طالب أتى بالشهادتين قبل موته و عند ما طلب منه النبي صلى الله عليه و آله ذلك منه" قال السيد زيني دحلان الشافعي في أسنى المطالب "ص 25 طبع طهران" لما تقارب من أبي طالب الموت نظر اليه العباس فرآه يحرك شفتيه فاصغى اليه بأذنه، فسمع منه الشهادة فقال للنبي صلى الله عليه "و آله" و سلم: يا ابن أخي و الله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته بها "قال" و لم يصرح العباس بلفظ لا إله الا الله لكونه لم يكن أسلم حينئذ.
"قال": و بعضهم ضعف هذا الحديث "فقال": فعلى تسليم عدم الاعتداد بنطقه هذا و أن الحديث ضعيف فنقول "إنه عليه السلام مؤمن باعتبار أحكام الدنيا" و أما عند الله فهو مؤمن ناج ممتلئ قلبه ايمانا بدليل ما تقدم "من أفعاله و أقواله في الشعر و النثر".
"ثم قال": و إنه يمكن أن عدم نطقه بحضور أبي جهل و عبد الله ابن أمية، حرصا منه على بقاء الحفظ للنبي صلى الله عليه "و آله" و سلم و صيانته من أذيتهم له بعد وفاته، فلا ينال النبي منهم أذى "قال": و إذا كان هذا قصده كان معذورا، فتكون إجابته لهما بما أجابهم به مداراة لهما لئلا ينفرهما، خشية أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه "و آله" و سلم بعد وفاته.