TODAY- Friday, 14 October, 2011
شعراء عراقيون يتهكمون بمرارة في حضرة الجواهري
صرخوا: الثقافة ليست سكر وعربدة وسوء أخلاق



في حضرة الجواهري.. وجد شعراء عراقيون فرصة للتنفس العميق والانطلاق بالافكار التي استمدوها من واقعهم المعاش، عانقوا التهكم بشكل لافت وتغنوا بالسخرية التي منحتهم الظروف مداراتها، فداروا حول المجتمع دورة كاملةوعاينوا الاحوال وجاءوا وتكلموا بجرأة وشجاعة بين يدي الجواهري، رئيس وزراء

جمهورية الشعر، صرخوا بهدوء تام، بالعباراتالمبنية بالوجع المكثف وانشدوا بأيقاعات وصلت اصداؤها الى ابعد من القاعة التي تكاد تمتليء بالحضور الذين كان اهل السياسة بينهم قلة قليلة، فيما اهل الشعر والادب كثرة لافتة تطرزت بأهل الصحافة والاعلام والفن،بينما اللافت كان حضور السفير التشيكي في بغداد وكأنه يستحضر تلك السنوات التي عاشها الجواهري في براغ بين مواطني تشيكيا وكتب هناك قصائده، وقد دعته الى الحضور السيدة خيال الجواهري ابنة الشاعر التي اعربت عن سرورها بالمهرجان وسعادتها بحضور السفير التشيكي الذي رحب بالدعوة تعبيرا عن وفاء اسرة الشاعر للدولة التي احتضنت الجواهري وعائلته وكتب عن براغ قصيدة جميلة. كان افتتاح مهرجان الجواهري مناسبة وجدها شعراء عراقيون سانحة للتهكم بمرارة، والسخرية من العناءات التي يشاهدونها بضمائرهم، والاوجاع التي يعايشون مع مجتمعهم وقد اصبحت المتغيرات كثيرة، حضر الجواهري بترحيب قاله شعار المهرجان (.. أبدا تجوب مشارقا ومغاربا)، في قاعة المسرح الوطني، ومنه استمد الشعراء انطلاقة البوح بلا تردد،فكانت كلماتهم تنهمر امطارا ملونة تهتز لها أكف الحضور بتصفيق حار وبروق من الاعجاب

ابتدأ رئيس الادباء سرد المعاناة، التي احاطها فيما بعد ثلاثة من كبار شعراء العراق، فغمس موفق محمد قلمه بقارورة الالم لينشر على الخشبة بيارق من ترجيعات قلب اثقلته النكبات، فيما كان كاظم الحجاج يتغنى ساخرا مما جرى كأنه مع كل جملة يقول (شر البلية ما يضحك)، اما محمد علي الخفاجي فقد رسم صورا كانت عبارة عن رسائل عديدة لمن يهمهم الامر من السياسيين واصحاب المسؤولية، رسمها بألوان رومانسية جذابة، فكان مثلث موفق وكاظم ومحمد صورة معبرة عن الالتزام الادبي والتطور الشعري.
ابتدأ الافتتاح الشاعر عمر السراي الذي رحب بمن جاوا ومن حضروا ومن ثم راح يثني على الشاعر الجواهري مخاطبا اياه: سنحاول ان نزيد طولنا مئات الكيلومترات لنصبح اقصر منك بقليل ونرتفع كثيرا فتنوشنا عصاك حين تطرق الارض ايها الجواهري المشيد بالخطوط البيض والسود، ايها الراقد يفوق الصاحين،ايها الساكت يفوق المتكلمين، ايها الهاديء يفوق الهائجين، ايها المتحدث وحدك.. وحدك.. وحدك حين وحدك يعني كل العراق،يا من نسجت وطنا طويلا يرتدي سعفة ويعتمر سمار (عرقجينة) نقلبها فتتجذر اغصانك نحو نجمة تمطرنا بالسماوات.
واضاف: اسمح لنا يا دولة رئيس الشعراء ان نبتديء كل هذا الفرح باسمك ووجودك وبهائك وعمقك وغزارتك وحماسك وسخطك ونداك، اسمح لنا ان نكون مثلك جواهريين طوال، سدادا، هادرين، معمرين وخالدين، اسمح لنرجسنا ان يتورد بين يديك ولسيارات انفسنا ان تتجول في شرايينك، اسمح لنا لنجوب مثلك ابدا مشارقا ومغاربا رغم الخطوب، انهض لتمسح فوق رؤوس هذا المهرجان فقد حضرت فأذن لنا لنحضر بين يديك ونبتديء رحلة هذا المهرجان الثامن، فأهلا وسهلا بنا عندك نيابة عنك، واهلا وسهلا بك نيابة عنك، فقل يا سيدي بصوتك العراق مرحبا بكم سادتي الشعراء والادباء في ارض الجواهري، اهلا وسهلا بكم، ابدأوا كل هذا الوطن.

اما فاضل ثامر رئيس الادباء والكتاب في العراق فبعد ان اثنى على اهل الشعر والجواهري المحتفى بذكراه، وجد نفسه ملزما ان يعلن عن آهاته التي اكتسبها فقال: نحن نعتقد ان الفعل الثقافي فعل استراتيجي اساسي في بناء اي دولة عصرية حديثة، العالم عندما تسافر لا يسألك عن الجنرالات ولا عن الوزراء، بل يسألك عن المبدعين والفنانين، لكننا للاسف نحس احيانا بغصة لان رجل السياسة في العراق لا يريد ان يدرك هذه الحقيقة، فآثر ان يضع المثقف في منطقة الظل، لا يوجد دعم لاتحاد الادباء ولا لنقابة الفنانين ولا لكل المنظمات الثقافية، تركنا هكذا ويريدون ان يظهروننا بمظهر المتسولين ونحن نرفض ذلك، نحن نتملك اقلامنا الشريفة، اقلامنا التي ليست معروضة للبيع وضمائرنا التي ستظل نقية، نكتب وتقول الحقيقة حتى وان جعنا، تكفينا اقلامنا وكلماتنا وليعرف الاخرون اننا لن نبيع اتحادنا ولا ضمائرنا ولا افكارنا لاي كان، نحن نكتب من اجل مصلحة الثقافة العراقية، من اجل الانسان العراقي، من اجل بناء مجتمع ديمقراطي حقيقي كنا دائما نحلم به وها نحن نناضل من اجل تحقيقه لكننا للاسف نصطدم بأجندات ومخططات غريبة مع هذه التغييرات الاجتماعية التي شهدها المجتمع ونقول بأسف ان هذه المناورات السياسية تعرض امن الوطن ومستقبله الى الخطر والى الضياع.
واضاف: نطالب بالاعتراف بالثقافة العراقية باعتبارها عمق المكونات الاساسية للمشروع الديمقراطي، لا ديمقراطية بدون ثقافة، الديمقراطية التي تخلو من الثقافة ستتحول ربما الى نظام عسكرتاري وربما اقطاعي او رجعي اوما شابه لكنه لن يكون نظاما ديمقراطيا حديثا، نريد بصراحة دعما ماديا صريحا وفق تشريعات يحددها مجلس النواب وتحددها الدولة العراقية وبشكل دائم، نحن نريد ميزانية ثابتة لهذه المهرجانات الكبيرة، نطمح الى ان نستضيف كتابا من كل انحاء العالم والعالم العربي لكننا نعجز حتى الان عن اقامة هذه الفعالية، لماذا يبخل علينا رجل السياسة، عندما نطالبهم يقولون لاتوجد تشريعات، نحن نريد ان نكون مثل زملائنا في المجال الرياضي، حيث نسمع باستمرار ان الدولة اطلقت المنحة الثالثة للاندية الرياضية وللاتحادات وللجنة الاولمبية، حسنا.. الا تفكرون بوجود لجنة اولمبية ثقافية في العراق ؟ لقد تحدثنا عن تأسيس مجلس اعلى للثقافة وتبنى رئيس الوزراء مشكورا هذا المشروع ولكنه ظل مجمدا وكأنما هناك قوى خفية لا تريد ان تدعم الثقافة، هل هي عملية انشغال فعلا بالملفات الامنية والاقتصادية والسياسية الساخنة ام انها عدم ثقة بالثقافة العراقية ؟ يخيل الينا في بعض الاحيان ان هنالك مثل هذه الخشية من الثقافة العراقية، وهناك لون من الكراهية.
وتابع: البعض يتصور ان الثقافة هي عبارة عن سكر وعربدة وسوء اخلاق،وهذا تصور سطحي مخجل لا يرقى الى مستوى عصور الجاهلية، لا نريد من يقول لنا ان الموسيقى حرام وان الغناء حرام وان الموسيقى مجال الشيطان،وان الرسم والمسرح والسينما حرام، اولئك الذين يفكرون بهذا المنطق ليبقوا خارج العصر، ليبقوا في جحورهم الى الابد وليدعوا المثقف العراقي يسير الى الامام، لن نسمح للقوى الظلامية المتخلفة ان تقضم اي من مكتسبات الشعب العراقي وفي بناء المجتمع المدني، المجتمع العراقي لايمكن ان يعرف الا الفرح، لا يعرف الا السير للامام، بالغناء والموسيقى نستطيع ان نقهر العدو ونستطيع ان نعيد تأهيل الفرد العراقي الذي تعرضت نفسيته الى الكثير من الازمات والامراض، الثقافة هي البلسم الشافي الذي يستطيع ان ينتشل المجتمع العراقي من المشكلات والعوائق التي يخلقها للاسف رجل السياسة في بعض الاحيان، نحن نقول ان الثقافة العراقية ستظل دائما مبرأة من عيوب التكفير والتعصب والطائفية، وستظل دائما الى جانب الشعب العراقي.
ثم تحدث فوزي الاتروشي، وكيل وزارة الثقافة قائلا: بك نحتمي اذ تسكننا عوادي الزمن، واليك ننتمي اذ يفرض علينا التشظي، يا ثامنة المعلقات يا ثالث الرافدين، يا اكبر فصيل للمعارضة العراقية معنا منذ كنا في تلك الايام الصعبة، في اول مؤتمر لنا في بيروت والى اخر مؤتمر كنت معنا سواء جسدا او ذكرى، ومن دواوينك ومن مناخاتها كنا ننسج هويتنا الوطنية، ففي هذا الزمن اذ يتطلب الكثير من التوافق تبقى انت ايها الجواهري العظيم في الداخل والخارج رمزا يجمعنا وجامعا يجمعنا كعراقيين على هوية واحدة.
اما الدكتور كفاح الجواهري، نجل الشاعر الجواهري، فقد تحدث هو الاخر قائلا: المواطنون العراقيون الذين لا تتجاوز اعمارهم الاربعين عاما يجهلون الكثير والكثير عن الجواهري، وانا في كلامي هذا الذي قلته في المهرجان الاول، انا لا استطيع ان اتكلم كأبن الجواهري على الرغم من فخري الكبير واعتزازي بذلك، انا اتكلم كأي مواطن عراقي في حضرة الجواهري، اربعة عقود لا تعرف شيئا عن الجواهري،حيث كان التعتيم عليه والافتراء الكثير ايضا، سواء في حياته او بعد رحيله،لذلك لا اعتقد ان يوما واحدا في كل سنة يكفي لاعادة غرس كل ما حمله الجواهري في قلبه وكيانه لهذا العراق، للشعب، للوطن، لدجلة والفرات.
واضاف:هل يمكن ان تكون بغداد عاصمة الثقافة العربية ولا تكون هناك مساحة واسعة للجواهري فيها ,الجواهري كان كما قال: أنا العراق، لساني قلبه ودمي فراته، وكياني منه أشطار، وان كل ذرة من الجواهري هي تمثل احد المواطنين العراقيين الجواهري كان يشعر ويحس بدقة بمشاعر واحاسيس العراقيين ولذلك بقيت قصائده خالدة هنا وهناك اسمع بان الجواهري تنبأ بذلك او يتساءلون هل تنبأ بذلك عندما تسنذكر قصائده الجواهري ليس نبيا ولا متنبئا الجواهري لانه جزء صميمي وجذري من هذا الشعب والوطن والمجتمع كان يحس بهذا الاحساس ولذلك لانستغرب ان ماقاله قبل ثمانين عاما ينطبق على حالنا اليوم وما قاله قبل 66 عاما من القصائد تنطبق على حالنا اليوم لانه عاش واحس بكل نبضات هذا المجتمع وما يعانيه هو من حكامه ومن سحر كرسي السلطة والصراع حوله في كل مراحل شعر الجواهري نجد ان الشعب منسي وان الهم هو مغانم السلطة وقوة الحكم هذا هو الجواهري.
وبعد ذلك كانت خشبة المسرح واسعة للفنان عبد الستار البصري الذي ادى شخصية الجواهري وقرأ قصيدة شهيرة له هي (المحرّقة) التي يقول مطلعها:
أحاول خرقا في الحياة فما اجرا
وآسف ان امضي ولم ابق لي ذكرا

ثم جاء موعد القراءات الشعرية التي افتتحها الشاعر محمد حسين آل ياسين بقصيدة عمودية حملت عنوانى (الفجر المكتهل) قال فيها:
يا ومضة ولدت يوما على جبل كل النجوم بها حبلى من الازل
فأي ارث من الاضواء منتشر مجمع في وريث الضوء مختزل
كل ابن انثى فمن صلب سوى الق كما اتى مريما عيسى بلا رجل
يا ابن الزمان بطيئات مطالعه انى شببت الذي يسمو على عجل
فكل فجر به، في الافق مشرقة وانت تشرق في الاضلاع والمقل

ثم قرأ الشاعر موفق محمد قصيدته التي حملت عنوان (لا حرية تحت نصب الحرية) جاء فيها:
في الغروب الذي تلون الغربان اصواتها في وحشته/ وتقيم اعراسها/ فالعراق عصائب غربان تهتدي بعصائب/ وقبل ان نفترق/ وأمي حفنة من سواد على العتبة/ قال لي عزرائيل وكانت المدينة خالية الا من وجهه/ اذا كنت راغبا فاصعد معي/ وابتسم/ وهو يشد العلم العراقي على دراجته الهوائية التييسعملها حفاظا على البيئة / ناظرا اليّ بجمرتين لاهثتين تحترقان في جسدي/ شكرا لدعوتك/ ولكني لم انضج بعد/ فلم انل حصتي الكاملة من الجحيم/ فما زلت الهط والطم حاسدا شمهودة لاني لم اجد صغارا ولا عشاء/ وما زلت بين نيوب الكبار/ انصاف الالهة أقتل عضا ودفرا وسلخا وشيا/ ولم اتفحم بسيارة مفخخة او عبوة لاصقة من صنع جيراننا/ولم يتشرف رأسي بعد بتوقيع الاستاذ كاتم/ ولم اكمل اغنيتي عن (عنيد) الذي تمنت زوجته ان يموت بدلا من عجلها الذي داسه الشمندر وتعني القطار النازل الى الجحيم/ او الصاعد الى العالم السفلي/ وهو يعرض الفلم العراقي الرهيب (جئنا لننتقم) منذ سقوط العهد الملكي والى يومنا هذا / وهو يخطف الاوسكار لممثليه الذين يخمطون المليارات من خزائن هذا البلد المحروق/ تاركين الكومبارس في الارض الحرام يعضون اصابعهم ندما/ اذا بقيت لديهم اصابع/ فبأي وجه سأقابل اصدقائي في مقبرة السلام/ نحن نسمي المدن مدن سلام والمقابر مقابر سلام ونفوج في طوفان الحروب عراة حفاة/ وكيف سأعتذر عن هذه الميتة التي نسيها العراقيون/ وكانوا يسمونها ايام الخير بميتة الله/ فلا بد من ميتة تليق بي حيث لا يجدون لي قبرا ولا وذرة اقف بها امام الله/ واعتذر منك سلفا لانك لم تجد عندي روحا تقبضها/ قل لي ايها الموت/ هل تسمع انين الاطفال وهم يرضعون الحليب المعسل بالسرطان من اثداء امهاتهم/ وهل تسمع دموع الاباء وهم يبيعون ابناءهم على الحدود/ وهل انت وحدك من يفعل كل هذا ام ان لك عمالا مهرة/ وهل تسمعني وانا اغني لعنيد الذي (يسوه هلي وكل الكرابه)/ والذي هو نحن، وانا اغنيها على عناد زوجته وشماتة بالمرحوم عجلها / /
(افنيت عمرك لم تقم من وجعة الا وطحت بأخرى سرمهر وانكس
وما تخلصت من بور ٍلطمت به الا تمنيته فالجاي جان انكس
وما تحررت من وغد قتلت به الا وجاءك وغد سريري وانكس
وتظل تقارن عمر ما بين ذا وذا
والصافي الك تصطلي بنيران شره واذا
لو كتله فدوة الشعب محروك كلك واذا
ما طول انا بالحكم حيل وعساه بانكس
)
ثم قرأ الشاعر كاظم الحجاج قصيدته التي حملت عنوان (من شيخوخة الوطن لا من شيخوختهم ومن تضخم كبده هو)
- اتركت الخمرة ؟
- لا..، لكن لم يبق لديّ نديم في البصرة
مع من اشرب ؟
ولذا ساعود الى الوزن،
انا الموزون طوال النصف الاول من قرن لم اكمله
واصارحكم.. انا صرنا نخشى حتى ان نشرب في عصر ابو نواس
واصارحكم..انا في البصرة صرنا نجبن ان يشتمنا ابن النادل
تسأل كيف: ها.. صار النادل بعد الغلق يؤذن
لا ادري اين ولا ادري كيف،
واولاد النادل شالوا رشاشات،يرحمك الله استاذ، رغم الفتوى منذ العصر العباسي
ناقل الكفر ليس بكافر، ولكن ناقل خمرتنا من بغداد الى البصرة تقتله سيطرة الاحزاب
سألتني اول: هل تكتب الشعر بعد الان ؟
تركت سيجارة والكاس، انا قلت سأترك حتى الحب
فمن شالوا رشاشات في الديوانية، يرحمك الله كزار،
ومن شالوا رشاشات في البصرة، صاروا المتن ونحن الهامش،
نامي ارجوك الان، وهذي اخر ما اكتب،
حتى لو كانت اسوأ ما قلت،
وداعا.. نامي الان

الشاعر محمد علي الخفاجي: في محنة المرض التي مررت بها والتي أمر بها الان تبين لي ان الفقرة التي يضمها القانون والتي تقول (ان الدولة تتكفل المرض والعجز والشيخوخة) فقرة مهملة تماما،ولهذا كان الضحية الشاعر محمد درويش وربما سيكون فهد الاسدي وربما المتحدث ايضا، وان الكثير من الذين يرددون الشعارات والشعائر لا يتجاوزون هذا الفعل رغم امتلاكهم الكثير، على العكس من ذلك هناك بعض القلة الذين يبادرون دائما بتقديم فعل الخير رغم انهم لايمتلكون سوى قوت يومهم، اذن.. هناك الكثير من الشجر لكن القليل من الخضرة، لهذا فقط اسجل شكري وامتناني ويحسب لهم الاجر، القصيدة ستشير الى ذلك.
ثم قرأ قصيدته التي حملت عنوان (لعلي بن يقطين رائحة الطين):
(يتوق الى الحج في كل موسم حج،حين يدعو لذاك المنادي، فيأتي له الناس من كل فج،
يغير احلامه ويبلل اعصابه بالندى، لكنه حين يدرك من انه ليس ذا سعة، يرتد عن ذلك القصد
ويظل من الهم في نومه على مضض يتقلب في صحوه، وفي سنة صاح في دمه هاتف الحج

فايقظ اجراسه النائمة، حيث قام الى نفسه وقد صار في سره بشرا متجدد، اعطى الزكاة ورد المظالم والصدقات، اكرم لحيته وهيأ احرامه وودع اخر جار له، ثم اسلم ناقته للفلاة، لكنه في الطريق وهو يقطع ذاك المدى،رأى حائطا مائلا ليتامى، ودارا من الطين آيلة للسقوط، وأما من الفقر تلهي الصغار بطبخ الحصى، رأى الجوع يورق في القسمات فصاح على الفور: لبيك اللهم لبيك، لبيك.. لبيك.. لبيك، عندها حط عن رحله، شد احرامه وثبت للهدي اقدامه وراح يهرول بين صفا نفسه ومروتها،ثم طوف في ذلك البيت سبعا وهو يردد لبيك اللهم لبيك فتردد من حوله الطرقات.
في المساء.. صعد السطح، كان كمن يصعد العرفات،وفي كفه قطع من حصى، فاستدار الى جهة ورمى الفقر بالجمرات، وهو يردد لبيك اللهم لبيك فتردد من حوله الطرقات، حين انفق ما عنده دون ان يدرك الحج، عاد الى اهله خجلا يتوارى،وقال: احج الى الله في السنة القادمة، لكنه في الطريق، والفجر ما زال لم يرسل الوهج، او توقد الشمس ضوء السراج، توسمه نفر عابر، فدنوا نحو ناقته، القوا عليه تحيتهم قائلين له: مرحبا ايها الحاج.. مرحبا ايها الحاج )