TODAY - Friday, 14 October, 2011
المرجع الشيعي العراقي حسين الصدر: من يُسيّس الدين فقد أهانه
الخلل في الوطنيّة قاد الربيع العربي الى صراعات طائفيّة
السيد حسين اسماعيل الصدر
عزا المرجع الشيعي العراقي السيد حسين اسماعيل الصدر تحول الربيع العربي في بعض بلدانه لصراع طائفي وديني الى خلل في الوطنية، وشددد على ضرورة احترام الرأي والمعتقد الاخر في رده على موقفه من رفض شيخ الأزهر لحملة التشيع في مصر... وقال الفقيه الصدر إنه من المفروض أن "اعتز بمذهبي وأعتز بالمذهب الاخر ايضا".
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
أشار المرجع الشيعي العراقي السيد حسين اسماعيل الصدر في حوار أجرته معه "إيلاف" في لندن التي يزورها لمناسبة الاحتفال بالذكرى السنوية الاولى لانشاء مؤسسة الحوار الانساني التي يرعاها في العاصمة البريطانية أن الحملة التي يتعرض لها الاسلام سببها هو وجود من يطرح الاسلام من منظور متطرف او ضيق ينطلق من ثقافة محدودة وبشكل يسئ الى الرموز والمذاهب والمدارس الاسلامية.
وعن مواقف المرجعية الشيعية في العراق الغاضبة من الاداء السيء للمسؤولين قال الصدر إن المرجعية نصح وأبوة وإرشاد وتوجيه وشدد على أن من يسيس الدين فقد أهانه ومن سيس المذهب فقد أساء اليه وهذا ما حصل في العراق... وفيما يلي نص الحوار :
** ماهي برأيكم أسباب تحول الربيع العربي في عدد من البلدان الى صراع طائفي وديني بين مواطني هذه الدول؟
ان الصراع الطائفي دليل عدم وجود ثقافة وطنية لدى الشعوب لان هذه الثقافة ترسخ وطنية المواطن وتؤكد اهمية وقدسية الوطن... فعندما يعيش الانسان هذه القدسية فأنه سيعمل من أجل الوطن كله ومن أجل كل شبر من ترابه وكل فرد من أبناء بلده... فالنداءات الطائفية تعني محدودية الثقافة الوطنية وتعني وطنية مجتزأة وهذا امر مؤسف ان نراه بين شعوبنا.
فالمطلوب في هذه الحالة تأكيد الثقافة الوطنية والشعور بالمسؤولية لان الوطن لا يتجزأ فالانسان الوطني لا يمكن ان يكون مواليا لجزء من وطنه او لمذهب او لقومية خاصة به فقط وهنا نعني ان هناك خلل في الوطنية والانتماء.
وعندما تغيب الثقافة الوطنية تطفو الثقافات التجزيئية اي الثقافة المذهبية او العرقية او الدين الاخر او الحزب الاخر... ولكن كلما نعمل للتثقيف الوطني سيكون الوطن بخير. ان الانسان يمكن ان يعتز بأنتمائه سواء كان هذا مذهبيا أو قوميا او دينيا او حزبيا ولكن يجب ان يعتز بها من خلال وطنه ولمصلحة الشعب العامة وتقديم مصلحة الوطن على المذهب والطائفة والعرق والحزب والمنطقة.
**كيف تنظرون الى المعارضة الشديدة لشيخ الازهر لحركة التشيع في مصر وتأكيده على وقوفه ضد محاولات تشييع المصريين؟
أنا مع احترام الرأي الاخر وليس العمل على تغييره والرأي الذي أتبناه يؤكد ان الطوائف رحمة والطائفية نقمة وان المذاهب والطوائف جاءت للتيسير وليس للتعسير وهي طرق الى الله وان الانسان حر فيما يختار ولهذا اعطينا أسم الحوار لمؤسستنا الانسانية في لندن من اجل معرفة الاخر وليس تغييره ثم الالتفات الى المشتركات وهي كثيرة والعمل ضمن هذه المشتركات... ولذلك من المفروض ان نحترم الرأي الاخر والمذهب الاخر والدين الاخر ما يعني احترام فكرها وتوجهاتها لانه لايمكن ان نفرض عليها اراء اخرى والمدارس الاسلامية هي من اسباب نمو وتطوير الفكر الاسلامي والديني الوطني الانساني... ولهذا فأنا لست مع مصادرة الرأي الاخر.
**ما زالت بعض مراجع الدين الشيعية متأخرة في خطابها الديني عن مواكبة التطورات السريعة الحاصلة في المنطقة واصبح قسما منها غريبا ومتخلفا وخاصة بين أوساط الشباب... ماهي اسباب ذلك ومعالجاتها؟
نحتاج في هذا الامر الى تطوير وتثقيف كل القطاعات ومنها رجال الدين فالحضارة الان تخطو خطوات واسعة ولذلك فأن على كل حامل رسالة دينية ان يواكب هذا النمو والتطور لكي يكون قادرا على حمل رسالته الدينية والانسانية ليوصلها الى شعبه وخاصة الى فئة الشباب... لذا فأن الحاجة ملحة الى تطوير كل المختصين لامكاناتهم وكفاءاتهم ومنهم من يتصدون للعمل الديني.
**الى اي مدى تعتقدون ان مراجع الدين تقوم بواجبها في مواجهة الهجمة الشرية ضد الاسلام والمسلمين وخاصة بعد ظهور الحركات اليمينية المتطرفة في بعض الدول الأوروبية ؟
ليست هناك هجمة ضد الاسلام وأنما بعض الاطروحات الاسلامية المتطرفة التي تحمل العنف للاسلام وهي اطروحات بعيدة عن القيم السماوية والاخلاقية... اذا لابد ان نعمل جميعا من اجل طرح واقعي لاسلامنا وايماننا ولمفهوم الانسانية القائم على الاخوة الايمانية... وعندما يقول القرأن "أنما المؤمنون أخوة" لابد ان نلتفت الى آية أخرى تعطينا معنى المؤمنون من هم حين تقول "أن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فأولئك لاخوف عليهم ولا هم يحزنون" وعندما نطرح هذا الفهم الاسلامي الى المجتمعات والاديان الاخرى سيتعرفوا على حقيقة الاسلام ويقدرونه ويحترمونه.
للاسف هناك من يطرح الاسلام بمقدار ما يحمل من ثقافة ضيقة فيقدم بذلك الاسلام الضيق سواء على صعيد المدارس او المذاهب الاسلامية او على صعيد ابناء الديانات ولهذا نرى ان البعض ممن يملك ثقافة محدودة فأنه يعكس هذه الثقافة في احاديثه وسلوكياته ويسئ الى الرموز الاسلامية والمذاهب والمدارس الاسلامية. فمثلا هناك من يسبون الصحابة وزوجات النبي محمد وهذا محرم وغير جائز مطلقا وهناك الكثير من الايات القرآنية التي تحرم السب حتى لاعداء الاسلام... وضمن مدرسة آل البيت يقول الامام جعفر الصادق لمواليه "لا تكونوا سبابين ولا تكونوا شتامين حتى يقال رحم الله جعفر بن محمد قد ادب مواليه... وفي مرة كان الامام علي بن ابي طالب قد سمع احد اصحابه وهو يسب معاوية بن ابي سفيان وكان بينهما قتال فالتفت اليه وقال لا تسبوه ولا تشتموه وأذا اردتم فقولوا هذه اعمالنا وهذه اعماله... فالسب والشتم مرفوض اسلاميا لانه يثير الفتنة بين المسلمين... ولو كان حملة الاسلام بثقافة موسوعية وفهم سليم للاسلام لعرضوه بالشكل الذي يجمع كلمة المسلمين من ناحية ويجمع المؤمنين من اتباع الديانات الاخرى من جهة اخرى.
**هل تؤيدون قرار المراجع الشيعية العليا في العراق بمقاطعة السياسيين ورفض استقبالهم احتجاجا على سوء ادائهم ؟ وكيف تردون على من يقول ان المرجعيات الشيعية لا تنتقد المسؤولين المسيئين بشكل كاف ولم تسحب ثقتها منهم أو تمارس ضغوطا اكبر عليهم؟
السكوت في بعض الاوقات يكون كله كلام وهذا السكوت والرفض من قبل المرجعيات كله شجب واستياء لمن يعمل من دون اخلاص لوطنه ولمن هم قريب من الفساد المالي والاداري... فنصيحة المراجع للمسؤولين كانت موجودة ولكن لم يكن لها آذان صاغية... ومعالجة سوء اداء المسؤولين يجب ان يكون من خلال الشعب للمطالبة بحقوقه بشكل قانوني ولا يضر بالمصلحة العامة.
**تتكئ معظم الاحزاب والقوى الحاكمة في العراق على تأييد المرجعيات الشيعية لها في خطابها الجماهيري وبرامجها الانتخابية لكسب اصوات المواطنين... فهل ترى ان موقف المراجع ازاءهم كافيا لارغامهم على اداء يخدم شعبهم؟
ان المرجعية نصح وابوة وارشاد وتوجيه وهي تمثل الجانب الديني والدين هو فوق السياسة ولايمكن ان يكون مفردة سياسية... ومن يسيس الدين فقد اهانه ومن سيس المذهب فقد اساء اليه وهذا ما حصل في العراق.
**هل تعتقدون ان المساعي المبذولة للتقرب بين المذاهب الاسلامية قد حققت اهدافها خاصة وان هناك من يقول انها لم تنجز أمرا مهما على هذا الطريق؟ فماهو المطلوب لانجاز أهدافها؟
ان التقريب بين المذاهب غير واضح وعير سليم لانه كان مبنيا على محاولات التغيير لكن التقريب ليس التغيير وانما هو الحوار لان هذا يستهدف معرفة الاخر وليس تغييره وما يحصل حاليا من مشاكل بين المذاهب هو نتيجة لعدم معرفة الاخر ولكن عندما يتم التعرف ستذوب الكثير من المشاكل ويتم الالتفات الى المشتركات وهي اكثر من الاختلافات... مثلا هناك اختلافات بين المذاهب السنية فيما بينها اكثر مما بين الشيعة والسنة ولو اني اكره هذه المصطلحات لانها تجزئ الامة... اذا فأن وجود آراء مختلفة امر طبيعي ولكن المطلوب من اجل التقريب بين المذاهب ان نعمل جميعا ليعرف احدنا الاخر... اي نعرف عن الاخر منه وليس عنه.
** هل ترون أن مؤسسة الحوار الانساني في لندن وتحتفل هذه الايام بالذكرى السنوية الاولى لتأسيسها قد حققت أهدافها؟ وهل هناك خطط لتأسيس فروع للمؤسسة في عواصم أوروبية أخرى؟
عندما أنشأنا مؤسسة الحوار الانساني كنا ندرك ان الطريق طويل وان الاهداف كبيرة والطموحات اكبر لان توجه المؤسسة هو الانسان الذي هو أعظم شئ في هذا الكون... وفي تقديري ان المؤسسة قدمت بعض الشيء خلال العام الاول من تأسيسها وخطت خطوات موفقة وعملت من اجل لم ما يمكن لمه من ابناءنا العراقيين والعرب وحتى من الأوروبيين من اتباع الديانات الاخرى وظلت ابوابها مفتوحة بشكل اثرت معه المسيرة الانسانية... فنحن دائما مع حوار الثقافات والحضارات وكل ما من شأنه دفع المسيرة الانسانية الى امام ويدعم مستقبل الانسان.
وفي النية توسيع مهمات مؤسسة الحوار الانساني الى بلدان اخرى كما نستعد لاصدار مجلة عنها... ونحن بهذه المناسبة ندعو حملة الرسالة الدينية الى تطوير قابلياتهم والتحلي بسعة الصدر والانفتاح على الاخر والقبول به والايمان بفكرة التعددية في المذاهب والاديان وان يتعاملوا معها وفيما بينها بأيجابية كما ندعو شعوبنا لان تعمل من اجل تنقيح مسيرتها وتوضيح اهدافها متمنيا ان تكون كل هذه الاهداف وطنية وان تكون هذه الوطنية هي الاساس والمنطلق وعند ذلك سنتمكن من خدمة الدين الاسلامي وبقية الديانات والمذاهب.
وكان الفقيه السيد حسين اسماعيل الصدر قد رعى مساء الاربعاء الماضي ندوة حوارية في لندن بمقر مؤسسة الحوار الانساني شارك فيها جمع من المفكرين والمثقفين والسياسيين لمناسبة الذكرى السنوية الاولى لتأسيس المؤسسة ادارها المفكر العراقي غانم جواد.
وقد اكد الصدر في محاضرة له اهمية الحوار المنفتح بين مختلف الاطياف والتكوينات والاديان واقر بأن الثقافة العراقسة مهمشة الان نظرا لان بعض السياسيين يعتبرون انها تحجم ادوارهم في السلطة من دون الادراك انها تعني احترام الرأي الاخر وترسيخ الفكر الانساني وهذا ما لايناسب هذا البعض لانه يريد ان يكرس عمله لطائفيته او قوميته او لاقاربه.
وحول موقف الدين من الفنون اكد الصدر ان الاسلام يشجع جميع صنوف الفنون من اجل التعبير عن طاقات الانسان مؤكدا انه لامشكلة بين الاسلام والفن مشددا على ان كل فن لايعيق الانسان عن ذكر الله فهو جائز. ثم اشار الى وجود مشكلة في بعض الخطاب الديني لانه ابتعد عن الايمان بالتعددية واحترام الرأي الاخر.
يذكر ان السيد حسين اسماعيل الصدر رجل دين يحظى باحترام السنة والشيعة فهو يشدد دائما على ان وطنيته اكبر من مذهبيته وإنتمائه للعراق أقوى من إنتمائه لطائفته. وهو يعتبر من قلائل علماء الدين ممن يصلي خلفه سنة وشيعة لانفتاحه على الاخر من دون تعصب او تحزب. ويقول العارفون به ان لونه عراقي ومذهبه إسلامي فلم يقتصر دوره على الجانب الوعظي والافتائي فحسب بل تعداه الى الاجتماعي والثقافي أيضا اضافة الى الدور الاسلامي.
وقد انبرى الصدر لمهمة تثقيف شرائح المجتمع وتعويضها عما فقدته من ثقافة وفكر منفتح خلال الحقب الماضية فدأب على تأسيس شبكة من المراكز الثقافية التوعوية في معظم محافظات العراق متيحاً الفرص أمام الشباب والشابات لسدّ عوزهم الثقافي والفكري عن طريق هذه المؤسسات.
وللمرجع الصدر قناة فضائية تحمل اسم "السلام" ومراكز تنتشر حول العالم باسم الحوار إضافة إلى دوريات ومطبوعات منتظمة كما تشرف مؤسساته على عشرات المراكز والمعاهد التعليمية للبنات خاصة ومن ثم الأولاد يتعلمون فيها استخدام الكومبيوتر والرسم وفن الإلقاء والعلوم والخط واللغة الانكليزية والنجارة والخياطة والأداء الصوتي والحدادة والميكانيك... بالإضافة إلى المراكز الصحية وملاجئ الأيتام والكليات ومراكز رعاية النساء والمعاقين انطلاقا من نظرته الى العراقيين التي يقول دائما انهم "متساون في كل الحقوق لا فرق بين مسلم وغير مسلم أو بين سني وشيعي أو بين عربي وغير عربي.
وتتميز مرجعية الصدر بانفتاحها الفكري والاعلامي حيث كان للحرب الاخيرة التي شهدها العراق في نيسان (ابريل) عام 2003 وما تلاها من متاعب فترة عصيبة على الشعب دافعا له للمبادرة بجمع وجهاء وأعيان مدينة الكاظمية "في ضواحي بغداد الشمالية " بالاضافة الى جمع كبير من الشباب الواعي حيث تمت حماية المدينة من أية وغير مسؤولة. كما اصدر الصدر العديد من الفتاوى بتحريم ممارسة القتل أو إيذاء أي شخص كان يعمل مع النظام السابق... وقد تم جمع الكثير من أنواع الأسلحة والأعتدة والاحتفاظ بها لحين استقرار الوضع وتسليمها لأجهزة الدّولة المختصّة... كما تم وضع الحراسات على مرقدي الإمامين موسى بن جعفر ومحمد الجواد في الكاظمية كأجراء احتياطي.
ثم تواصل الصدر مع شيوخ العشائر ومع مختلف أطياف الشعب العراقي الاخرى لغرض تنسيق وتنظيم هذا التواصل فقام بتأسيس مؤسسة الحوار الإنساني في محافظة بغداد وفتح لها فروعا في جميع محافظات العراق حيث تمّ عقد الكثير من المؤتمرات التي ساهمت بشكل فاعل ومؤثر في تقريب وجهات النظر بين الشيعة والسنة والفرقاء السياسيين وتقديم رؤية جديدة لمعالجة الواقع العراقي خلال فترة العنف الطائفي التي تفجرت عام 2006 حيث لا يزال هذا النشاط مستمراً في هذا الاتجاه.
ايلاف