ما الذي لم ينقله الإعلام عن مشروع مجلس الأمن الأخير ضد سورية ؟



دام برس:
حاولت الصهيونية أمس أن تمرر مشروع قرار في مجلس الأمن لإحالة سورية إلى محكمة الجنايات الدولية. والهدف الحقيقي من مشروع القرار هو ليس إقامة دعاوى ضد أحد بل إصدار قرار ضد سورية تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة مما يتيح لاحقاً لأي من طغام الصهيونية أن يعتدي على سورية بشكل مباشر وسافر محتجاً بأنه يفعل ذلك لأن سورية خرقت القرار المتخذ تحت الفصل السابع وهو المبدأ الذي أقنعت الصهيونية العالم به في أن الدولة التي تخرق قراراً كهذا تصبح عرضة مشروعة للعدوان، وهو تماماً ماحدث في العراق منذ عام 1990 وحتى 2003.
ولا أريد هنا أن أكتب عن قرارات مجلس الأمن وعلاقتها بالقانون الدولي فهو موضوع معقد بعض الشيء ولا يجدي نفعاً ما دامت القوة هي التي تحكم العالم وتزيح مبادئ القانون جانباً كلما شاءت ذلك.
لكني أود أن أجلب لعناية القارئ العربي من أجل التوضيح حقيقة مهمة عن الدول التي صوتت على مشروع القرار الفرنسي كي يعرف القاصي والداني كيف يمكن أن يصبح القانون الدولي أكذوبة وألعوبة حين يتعامل مجلس الأمن مع أية قضية.
فقد أصبح دستور محكمة الجنايات الدولية فاعلاً في 1 حزيران 2002 وذلك بعد أن صدقت عليه ستون دولة عملا بأحكام المادة (126) من الدستور، فغدا من ذلك التأريخ جزءً من القانون الدولي. ويبلغ اليوم عدد الدول المصدقة على دستور المحكمة والمعترفة بها 122 دولة.
فإذا ألقينا نظرة على الدول الأعضاء في مجلس الأمن اليوم وبحثنا عن موقف كل منها من دستور محكمة الجنايات الدولية، إي إذا كانت تلك الدولة قد صدقت على دستور المحكمة فاعترفت بسلطتها القضائية، وتصويتها على مشروع القرار الفرنسي ضد سورية لتبين لنا ما يلي:

إسم الدولة معترف/غيرمعترف بالمحكمة مع/ ضد مشروع القرار
روسيا غير معترفة ضد
الصين غير معترفة ضد
الولايات المتحدة غير معترفة مع
المملكة المتحدة معترفة مع
فرنسا معترفة مع
الأرجنتين معترفة مع
أستراليا معترفة مع
تشاد معترفة مع
تشيلي معترفة مع
الأردن معترفة مع
لثوانيا معترفة مع
لوكسمبورك معترفة مع
نايجيريا معترفة مع
كوريا الجنوبية معترفة مع
رواندا غير معترفة مع


ولو لم يكن موقف روسيا والصين من مشروع مبدئياً، إذ تؤمن الدولتان أن الهدف من مشروع القرار هو إيجاد العذر القانوي للعدوان على سورية تحت مظلة وهمية من تخويل مجلس الأمن لذلك، أقول حتى لو لم يكن موقف الدولتين مبدئياً لكان رفضهما لمشروع القرار متطابقاً مع كونهما لم يصدقا على دستور المحكمة فلم يعترفا للمحكمة بأية سلطة قضائية في أية قضية. إذ انه من غير المعقول أن يرفض طرف الإعتراف بشرعية محكمة ثم يقاضي طرفاً آخر أمامها!
ثم نرى إحدى عشرة دولة ممن صادق على دستور المحكمة واعترف بسلطتها قد صوت مع مشروع القرار الفرنسي.
لكن الدولتين اللتين ليس هناك من تعليل أو تسبيب لموقفهما هما: الولايات المتحدة ورواندا. ذلك لأن الدولتين لم تصادقا على دتسور المحكمة ولم تعترفا بشرعيتها القضائية لكنهما صوتا على إحالة سورية لتلك المحكمة وهو ما لا يمكن لي عاقل أن يقبله أو يفهمه!

فإذا أهملنا (رواندا) فإن المهم هو سلوك الولايات المتحدة. ذلك لأن الولايات المتحدة كانت وما زالت من أشد المعارضين لمحكمة الجنايات الدولية. بل إنها ذهبت أبعد من مجرد الإمتناع عن التصديق على دستور المحكمة والإعتراف بسلطتها القضائية، فشرعت قانوناً يقضي بمقاطعة كل دولة تساهم أو تدعم محكمة الجنايات الدولية وبمقاضاة أمام القضاء الأمريكي لكل متعاون مع المحكمة.
وبلغ من تحريض الولايات المتحدة ضد المحكمة أن أكثر عملائها من الحكومات العربية وغير العربية إما فهم الأمر الأمريكي بمقاطعة المحكمة أو وجد في موقف سيده ما يمنحه الجرأة على مقاطعة المحكمة.
فهل تمتلك اية دولة وقاحة كوقاحة الولايات المتحدة في أنها تحارب المحكمة الدولية ثم تطالب مجلس الأمن أن يقاضي سورية أمامها؟
أليس القانون الذي شرعته الولايات المتحدة ضد محكمة الجنايات الدولية بمعاقبة كل من يتعاون مع المحكمة يجعل من مجلس الأمن متهماً؟
أما كان القانون الدولي يقتضي أن يقف مندوب سورية في مجلس الأمن ليقول لرئيس المجلس أن مندوب الولايات المتحدة في مجلس الأمن لا يحق له أن يصوت على إحالة قرار أمام محكمة يرفض الإعتراف بها ويعارضها ويشرع ضدها ويعد من يتعاون معها أهلاً للمحاربة؟
قد يكون ذلك، لكن في عالم يكون القانون الدولي فيه ألعوبة بيد الصهيونية ليس مهما ما القانون الدولي وما يمكن أن يحققه من عدل مزعوم وسلام موهوم.



عبد الحق العاني
خبير في القانون الدولي الجنائي