12/10/2011
امستردام ـ الصباح
في لقاء ثقافيّ حضر الشاعر أحمد عبد الحسين بين جمهور انتظر تلك الساعات منذ وقت طويل، الأمسية افتتحها الشاعر شعلان شريف بكلمات جاء فيها:
"مرحباً بكم في هذه الأمسية التي أعدّت على عجل لكن الشعر لحسن الحظ لايحتاج إلى كثير من التحضير.. لا يحتاج سوى أن نفتح له نوافذنا ليدخل إلى القلوب والعقول.
هذه الأمسية هي مناسبة للاحتفاء.. الاحتفاء بشاعر عراقي جاء ليحل بيننا ضيفاً، قبل أيام كان أحمد عبد الحسين مدعواً في باريس من قبل مؤسسة ثقافية فرنسية، حيث أحيا بصحبة شعراء وفنانين من عدة ثقافات وبلدان سلسلة نشاطات أدبية وفنية، كان آخرها أمسية للشعر والموسيقى في مسرح أوديون العريق، أحد أكبر مسارح العاصمة الفرنسية. ونحن سعداء أن نستغل وجوده قريباً منا لنستضيفه في هولندا شاعراً وصديقاً وصوتاً عراقياً حقيقياً قادماً من الوطن البعيد الذي يصارع مع ذاته لاكتشاف ذاته.
الاحتفاء بأحمد عبد الحسين هو بالنسبة لي مناسبة شخصية أيضاً، فأحمد لا يمثل لي فقط الشاعر المتميز والمبدع، ولا العراقي المهموم بهموم وطنه والمناضل الصلب من أجل التنوير والحرية، بل هو قبل كل شيء صديق استثنائي، وجوده هنا يحملني إلى سنوات التكوين القاسية، ولكن أيضاً الحميمية الصادقة، أتحدث هنا عن سنوات الثمانينيات من القرن الماضي، التي تعرفت فيها إلى أحمد، سنوات كنا فيها نملك أحلاماً أوسع من السماء ونعيش واقعا أضيق من القبر... واقعاً مطحونا بين قطبي الحرب والدكتاتورية.
في تلك السنوات كان الشعر خلاصنا الوحيد، كان الشعر طريقة للاحتفاظ بإنسانيتنا، ولا أبالغ إن قلت أنه لم يكن في حياتنا آنذاك شيء حي غير الشعر؛ نكتبه، نحلم به، نتناقش حوله طويلاً وحتى نتشاجر باسمه، أما الحياة نفسها فكانت مؤجلة، بانتظار زمان آخر أو مكان آخر، لم يأت الزمان الآخر، فهرب كل منا نحو مكان آخر ما، كان أحمد أو من غادر منا عابرا حقول الألغام، وبعده بعام غادرت أنا برفقة كثيرين، عابرين مفازات الصحراء. ومثلما كان أحمد أسبقنا في الهروب من الوطن، كان أيضا أسبقنا في الهروب إليه، عائداً من برودة المنفى الهادئ المريح، إلى الوطن الساخن سخونة دم القتيل.
لا أريد الإطالة في سرد مشاعري وأنا في هذه اللحظة، وأكتفي بالقول أني سعيد ومحظوظ بأن تتاح لي فرصة تقديم صديقي الشاعر أحمد عبد الحسين لكم في هولندا".
بعدها قرأ الشاعر أحمد عبد الحسين نصوصا مختارة، منها قصائده القصار التي كتبها مؤخراً، قصيدة خلاصةُ العالم التي جاء فيها:
خلاصةُ العالمِ أنَّ يداً قويّةً تمسكُ العالمَ
تجرجرهُ على الإسفلتِ
تركبه سيّارة مفخخةً وتدور به في الأسواقِ
تطلقُ النارَ عليه من بعيدِ ومن قريبٍ
تُضحِكهُ وتُبْكيهِ
تزنّرهُ بحزام ناسفٍ وترسلهُ إلى نفسه؛
تطعنهُ وتُشفيهِ،
ثمّ إذْ تتعبُ
تصنعُ له تمثالاً شبيهاً بهيئاتِنا
تمثالاً للضحك.
قصائد تفاعل الحضور معها كما يليق بشاعر قال عنه أول المتداخلين الدكتور خزعل الماجدي "إنه شاعر يعمل في منطقة خاصة به" وهو "يعمل في منطقة الخطر حيث الموروث الديني مصدر ضمني لبعض ما يشتغل عليه"، أضاف الماجدي: إن شعر أحمد كان ولم يزل متفرداً عن شعر أبناء جيله، واشتغاله في هذا الحقل الخاص ضروريّ لتنشيط المشهد الشعري بعامة.
أعقبه الشاعر علي شايع الذي قال في مداخلته: لعلّ أجمل ما يحقّقه الشعر تلك اللحظة التي تشعر أنك عشتها من قبل، لكنها في واقعها لحظة مستجدّة ولا تتكرّر..الآن أشعر أن هذه اللحظات مرّت بي من قبل، وعشتها تماماً، ولكني لا أضع تفسيراً حتى لا يفسد الشعر..الجميل والغريب أن نعيش الآن واقعاً أجمل من الشعر نفسه بحضور المبدع الفذّ، فاسمحوا لي بلحظات تشبه الصلاة المعلنة، فيها عرفان وشكر لإله أو قدر.. فأقول لأحمد: لقد نجوتَ لنحيا بكَ..ولتحيا تذكيراً لنا بنجاتنا - مصادفة- من الطوفان. اليوم ونحن نجالسك أيها الشاعر أحييك من هذه الأرض مستذكرا الراحل كمال سبتي وهو يثني على منجزك، أحييك مضاعفا وأنت تحقق آمالنا بمعجزة العيش هناك.
فتح بعدها باب الأسئلة التي وجهها الحضور للشاعر والتي أجاب عنها في الأمسية التي استمرت لساعتين اختتمها الشاعر بقصيدة "بسم الله".