الكرادة او كلواذا ..تحديد موضعها وتاريخها القديم



ماعلاقتها بقرية كرارة؟




كانت الكرادة الشرقية تسمى في الأزمنة القديمة باسم كلواذا (بفتح الكاف والواو وتسكين اللام والألف وذال معجمة مفتوحة) وهو الاسم القديم للكرادة الشرقية الحالية. وقد اختلف المؤرخون في سبب التسمية.

وكلواذا بالأصل قرية قديمة منعزلة ثم عمت تسميتها فأصبحت تشمل القسم الجنوبي من بغداد في شرق دجلة. والباحثون يختلفون في تعيين موضعها على وجه الدقة. فالباحث الإنكليزي (جيمس فيلكس جونس) يقول: (ان موقع كرارة هو عين موقع كلواذا الوارد ذكرها في كتب جغرافيي العرب، فإن المكان المفترض لهذه المدينة القديمة ينطبق كل الانطباق على موقع القرية الحالية). ويؤيده في ذلك المستشرق الإنكليزي (كي لسترانج) وانستاس الكرملي والشالجي. والمقصود بقرية كرارة هنا هو موضع قرية (سعيدة) الحالية التي يسميها خطأ فليكس جونس ولسترانج والكرملي ومن يؤيدهم في ذلك بقرية كرارة. إذ أن القرية الأخيرة تقابل قرية سعيدة في الضفة الغربية لنهر دجلة على بعد قريب من مصافي نفط الدورة.

أما الصنف الآخر من الباحثين فيرجحون موضعها في الايشان (إيشان حاج عبد) الواقع في منطقة البو شجاع في الجهة المحاذية لساحة الحرية. فالدكتور مصطفى جواد والدكتور احمد سوسة يرجحان موضعها في (الايشان). وينحو الدكتور سوسة هذا النحو في معظم كتبه وأطالسه. غير أنه في كتابه (ري سامراء في عهد الخلافة العباسية) يضعها في موضع قرية سعيدة الحالية التي يسميها خطأ بقرية كرارة. وربما كان ذلك يمثل رأيه القديم أما رأيه الحديث فهو المثبت في دليل خارطة بغداد والدليل الجغرافي العراقي وأطلس بغداد. وجاء في مجلة العراق الجديد أن قرية كلواذا تقع على وجه التحقيق في تلول حاج عبد المعروفة عند أهل الكرادة باسم الايشان. ويؤيد هذا الرأي أيضاً الأستاذ سليم طه التكريتي عندما أشار الى أن قرية كلواذا كانت تقع في موضع تلول حاج عبد (الايشان).

وهكذا فالآراء مختلفة بشأن تعيين موضع قرية كلواذا بدقة، والراجح عندنا هو ان موضعها عند الايشان وليس في موضع قرية سعيدة وذلك للأسباب الآتية: ان الايشان منطقة أثرية اكتشفت فيها آثار كلدانية وساسانية وإسلامية تدل على وجود قرية (مثل قرية كلواذا). وان موضع قرية سعيدة الحالية ليس غنياً بآثاره القديمة بالمقارنة مع موضع كلواذا، لهذا يستبعد وجود قرية قديمة فيه.

وما يؤيد قولنا هو ان المسافة بين بغداد وكلواذا تبلغ فرسخاً واحداً للمنحدر حسب تقدير ياقوت الحموي. ويؤيده في ذلك كي لسترانج والدكتور مصطفى جواد والدكتور احمد سوسة. وهي تقارب المسافة الحالية نفسها بين الباب الشرقي والايشان بمنطقة البو شجاع حيث تبلغ نحو ستة كيلومترات.

يخطئ من يقدر المسافة بأكثر من فرسخ واحد كابن خرداذبه وابن حوقل والاصطخري وأبي الفدا وقدامة، حيث أن كلاً من هؤلاء يقدرها بفرسخين. بل ان ابن رستة ذهب أبعد من ذلك حين ذكر أن المسافة تبلغ ثلاثة فراسخ. والظاهر أن هؤلاء الجغرافيين يعتمدون على الرواة دون تحقيق الرواية. اذ ان مسافة فرسخين تقارب المسافة بين الباب الشرقي والزعفرانية، ومسافة ثلاثة فراسخ تصل الى جنوب جسر ديالى بكيلومتر ونصف تقريباً.

والمعروف ان الزعفرانية تقع جنوب كلواذا، ويؤكد ذلك الخطيب البغدادي وياقوت الحموي مضافاً الى ابن رستة نفسه حين يصف طريق بغداد- المدائن بقوله: (الطريق منحدر مع دجلة، فتسير حتى تنتهي الى كلواذا... ومن كلواذا الى الزعفرانية...) فالطريق يسير بمحاذاة نهر دجلة حتى كلواذا. وبعد اجتياز المزارع والبساتين يصل الى الزعفرانية. وهذا الوصف ينطبق على ما ذهبنا اليه من أن مركز كلواذا هو الايشان. والزعفرانية لا تبعد أكثر من فرسخين عن جنوبي بغداد، وكلواذا لا تبعد أكثر من فرسخ واحد عن جنوبي بغداد، أي ان كلواذا أقرب من الزعفرانية الى بغداد بنحو من الفرسخ فكيف إذن يسوغ لابن رستة بجعل المسافة بين بغداد وكلواذا ثلاثة فراسخ؟

يذكر ابن قدامة ان كلواذا تبعد خمسة فراسخ شمال المدائن. واذا أضفنا الى هذه المسافة فرسخاً واحداً بين كلواذا وبغداد، فتصبح نحو من ستة فراسخ وهي تقريباً المسافة الحالية نفسها بين الباب الشرقي وسلمان باك البالغة نحو 31كم. وإن كانت المسافة سبعة فراسخ (أي نحو من 35كم) فهي صحيحة أيضاً بالنسبة الى طريق بغداد- المدائن القديم.

يقول ياقوت الحموي عن قرية بنّا. أنها تقع (على شاطئ دجلة من نواحي بغداد، بينهما نحو فرسخين، وهي تحت كلواذا، رأيتها) فاذا كانت بنّا تحت كلواذا والمسافة بينها وبين بغداد تقارب الفرسخين، إذن المسافة بين بغداد وكلواذا أقل من فرسخين أي تقرب من فرسخ

واحد.

قد يدعي بعض الكتاب أنه لابد وأن تقع قرية كلواذا عند مصب نهر بين حتى ترتوي منه. ولما كان نهر بين يصب في نهر دجلة عند الموضع الذي تقع فيه قرية سعيدة الحالية (مقابل كرارة) كما يدعون، إذن لابد من وقوع كلواذا عند مصب نهر بين أي في موضع قرية سعيدة.

وهكذا فالآراء متضاربة بين الباحثين المعاصرين والكتاب القدماء، فيعتقد بعضهم أن كلواذا كانت عاصمة الكلدانيين ودار مملكتهم العظمى، في حين ينفي الآخرون، وخاصة المحدثين، ذلك. ولكن يبدو مما تبين أنه لما عثر في (الايشان) على آجر بابلي مختوم باسم الملك نبوخذ نصر يرتقي الى الدور البابلي الحديث، فإنه يمكن القول ان كلواذا كانت أحد مخلفات الكلدانيين والآثار التي وجدت في هذه التلال تدل على

ذلك.

هذا وتضم الكرادة الشرقية، ضمن حدودها الإدارية (قبل عام 1976) ، تلالاً أثرية قديمة جداً مثل تل حرمل الذي يرجع تاريخه الى عهد مملكة أشنونا التي تعود الى أواخر الألف الثالث قبل الميلاد.

موضع الايشان(مركز قرية كلواذا القديمة)

أ.د.عباس فاضل السعدي
منقول