مواطن ، مخبر و حرامي
بانواما الشرق الاوسط
أحمد الحباسى تونس
نملك من الخيرات و الثروات و الإمكانيات ما يبعد عنا شبح الجوع و التأخر العلمي ، هذا على المستوى النظري على الأقل ، فالثروات العربية متنوعة و مهمة و تحتاجها الدول الغربية لصناعاتها التحويلية أو الإنتاجية في كل المجالات ، و نسبة الأمية و لئن كانت مرتفعة فان في هذه الدول العربية علماء على مستوى عال ناهيك أن معدل البطالة في تونس على سبيل المثال يملكه أصحاب الشهادات العليا في كل الاختصاصات ، المشكلة إذن ليست في الثروات المادية و البشرية بل في القرار السياسي أو في حالة الفساد السياسي و ما تعانيه الأمة العربية من ابتلاء بطغمة من الحكام الفاسدين و ما يتبعهم من بطانة قذرة.
المواطنة أو حق المواطنة ، هذه بدعة و ضلالة كما يراها أهل الحل و الربط ، و المواطن العربي لا يملك حق المواطنة ، بدليل أن كل ما يجرى في بلده يتم دون علمه أو قراره مع أنه أول الدافعين الملزمين بالضرائب و أول المتضررين من السياسات الاقتصادية الخاطئة و أول المتهمين بعدم المشاركة مع أنه لم يتلق يوما بطاقة دعوة يتم بموجبها احترام رغبته و صوته ، الحاكم العربي الفاسد يفهم في كل شيء و هو الذي يسطر كل شيء ، و هو من يمنع و من يبيح ، الرعية بالنسبة لجلالته أو سيادته أو فخامته هي مجرد قطيع من الأغنام لا حول لها و لا قوة و بالكاد فهو يلقى إليها بعض الفاضل العظمى و النباتي حتى تسبح بحمده و تشكر هذه النعمة التي لولاها لما شبعت تلك الليلة .
مواطن مفردة لفظية لا تعنى شيئا ، و الأصح أن يعطى لكل واحد من هؤلاء رقم ينادى به كما يحدث في السجن ، و أن يتم إلغاء الأسماء و الألقاب من باب التغيير ما دامت لفظة التغيير هي موضة هذا العصر و مبتغى الشعوب المتظاهرة في الشوارع ، من الممكن أيضا أن يتم إلغاء أسماء الأبناء و نسبتهم لأوليائهم و تعويض ذلك بحرف من حروف الهجاء ، و لا بأس أن يتم الالتجاء إلى التحليل الجيني عند كل اختلاف على النسب ، الأصلح أيضا أن تنزع عن المواطن العربي جنسيته حتى لا يسعى لاستعادة اسمه و لقبه و تاريخه ، و من الممكن من باب العدالة الاجتماعية أن يسترجع الحاكم العربي المفدى عهود العبودية و سوق العبيد بتخصيص سوق أسبوعية محلية أو دولية للبيع و الشراء و المبادلة يتم فيها عرض ” المواطن” في هذه السوق على الراغبين في “التبضع” و تبديل الطاقم .
أصبح اعتقال العملاء أو ” المخبرين” للعدو خبزا يوميا لأجهزة أمن الدولة في كل البلدان العربية ، و المواطن لا يملك الخيار ، إما أن يكون مخبرا “محليا” للحكومة أو مخبرا”دوليا” للموساد و أجهزة المخابرات الغربية ، المشكلة أنه بسقوط النظام يتحول ” المخبر المحلى” إلى ما يسمى بأزلام النظام البائد و يضطر هذا ” المتعاون ” إما للتقاعد المبكر حتى تتبدل الأجواء أو لنقل المعلومات للنظام الجديد أو ما يسمى من باب الكياسة اللفظية نقل السلاح من هذا الكتف إلى الكتف الآخر ، و في حال سقوط هذا العميل ” الخارجي ” بيد المخابرات فإنه يصبح مجرد رقم في زنزانة عربية بانتظار مقصلة أو رصاصة قصاص تنهى حياته الحافلة بالخيانة .
مع سقوط كل حاكم عربي تسقط بطانته الفاسدة من الحرامية ، فالمواطن الحرامى جزء لا يتجزأ من النظام العربي و الأنظمة العربية لا يمكنها العيش و الاستمرار بعيدا عن السرقة و الرشوة و الفساد بجميع عناوينه ، و لو تحدث أحدكم إلى تلك الخزائن الطويلة العريضة النائمة في البنوك الأجنبية أو ما يسمى من باب الطرافة و اللياقة اللفظية بجنات الأموال ( les paradis fiscaux ) في جزر الكارييب لأمكنه الاطلاع على قصص ألف ليلة و ليلة المتعلقة بالفساد و الاستحواذ المبرمج على المال العام في العالم العربي ، في نهاية الأمر من يسرق المال العام هو حرامي بدرجة مواطن ، في نهاية الأمر هذه الأمة تسجل عجزا في المواطن الثقة ، في المواطن الملتزم ، في المواطن السوي ، بالمقابل هناك فائض في المواطن الخائف المستعبد ( بفتح ب ) ، في المواطن المنافق العميل ، في المواطن الذي يلهف المال العام .
المواطن العربي جائع ، و جوع المواطن العربي يأخذ أشكالا و عناوين متعددة ، و يكفى لكي يصبح مخبرا أو حراميا أن يرفع الحاكم العربي سعر الخبز و الحليب ، و المواطن العربي معتقل بما تعنيه كلمة الاعتقال من اعتقال ” داخلي ” يسمى الخوف و ما يمثله الوطن العربي كمعتقل كبير ، في هذه المسرحية أو لعبة المواطن مع الحاكم لا مكان للخروج عن النص أو التمرد على المخرج و المؤلف و المنتج ، و رغم أن هناك عبارة كلاسيكية تتردد كثيرا تقول ” الضغط يولد الانفجار ” ، لكنها اليوم مجرد تعبير فاقد للمعنى على اعتبار أن المواطن لا يملك حق اختيار “الغد” ، أو حق استعمال ما يسمى اصطلاحا بحرية التعبير ، بالنتيجة ، لن تقع في هذا الوطن العربي الكئيب ثورة بمعنى الثورة السلمية ، لا برتقالية و لا بنفسجية و لا سوداء ، فقط سيكون هناك مجال لثورة الجياع و اللصوص و فاقدي الإنسانية ، سيطلق عليها الغرب ثورة “القرنفل ” بعد ثورة الياسمين ، قرنفل بلا رائحة ، مجرد وردة ذابلة بلا ” طعم ” مثلها مثل هذا “الربيع ” العربي الفاقد للهوية .