معركة و أقلام ، حرية الفكر و حرية الكفر
بانواما الشرق الاوسط
أحمد الحباسى تونس
كلمة ” معركة ” مفردة مستهلكة كثيرا في كل المنابر و وسائل الإعلام العربية بالتحديد ، و معركة الضمير أو المهنية هي أم المعارك مع أن هذه الكلمة مستهلكة كسابقتها ، و إذا كانت أسلحة المعارك في القديم تقوم على السيوف و النبال ، فقد تحولت منذ اختراع البارود إلى معارك بالسلاح المتطور تختبر فيها أكثر أنواع الأسلحة الحديثة فتكا ، غير أن معارك الإعلام بصورة عامة لا تحتاج في غالب الأحيان إلا إلى مجرد قلم جاف و بعض الأوراق البيضاء تتحول بعد لحظات إلى مواد “سامة” تصيب بالعدوى و الأنفلونزا كل الذين يتناولون هذه الوجبات ، فيما يعبر عنه بحمى المتابعة الإعلامية .
معركة القلم معركة تستدعى كثيرا من القدرات الجدلية و المعرفية أو ما يسمى اصطلاحا بالمكنوز المعرفي ، و في حين يسخر البعض قلمه و مخزونه المعرفي لصالح البطانة الحاكمة فيصبح المرآة العاكسة المزورة للحقيقة يختار البعض الأخر الطريق الصعب و هو طريق كشف الحقيقة و تعرية الواقع المؤلم بكل تضاريسه و تشوهاته ، بالنتيجة يصبح كاتب البطانة أو قلمها الناطق الرسمي باسمها من أغنى الأغنياء الذين تفتح أمامهم كل مصاعد الشهرة و تفرش إليهم بيوت الدعارة السياسية ليمارسوا فيها خدعهم البصرية و ألاعيب أقلامهم القذرة المتلونة ، في حين تطبق أدوات القمع البوليسية للحاكم العربي على هذا اللسان السليط الذي يمارس حرية التعبير بمجرد قلم جاف لا يمكنه أن يقف أمام سوط البوليس و وحشة الزنزانة .
يقول البعض أنه يمارس حرية الفكر ، و المتابع يعلم في كثير من الأحيان كيفية التفريق بين القلم النزيه و القلم الملوث ، و بين قلم يمارس حرية التعبير بكثير من الأناقة و النزاهة المهنية و قلم يمارس حرية الكفر المهني تحت شعار أن السلطة لا يأتيها الباطل لا من أمامها و لا من خلفها ، تحدث معركة ساخنة مدارها انتصار خطين غير متوازيين في معركة غير متكافئة أحيانا لولا وجود قناعة لدى القلم المهني النزيه بكون القارئ هو الذي سيحدد مصير هذا الطرح الفكري سواء بالقبول و الاقتناع أو باللفظ الصريح ، و لكن طالما أن هناك نزاهة قيد التفعيل فالقارئ لن يقف صامتا دون رد أو تعقيب على ما يقرأ ، و طالما أن سلاح النزاهة متوفر و موجود فلن يفلح أصحاب أقلام و أراء المغالطة و التضليل ، و إن أفلحوا فان ذلك لوقت قصير ينتهون بعده في سلة المهملات .
يكتب كتاب البلاط و الدولار دون قناعة ، هذا مؤكد ، فالأبيض أبيض مهما لون لونه الرياء و النفاق ، و الأسود أسود مهما تفنن القلم المنافق في “تبييضه” ، و مقاولات الدهن و التبييض الإعلامي ليس بمقدرتها على كل حال أن تصنع من بياض الحقيقة سوادا يؤدى إلى الباطل مهما طال الزمن ، فبالآخر ، قلم الرياء و العار له حدود معينة لا يمكن أن يجتازها مهما قفز على التاريخ و الجغرافيا ، و مهما انحاز إلى العدو الصهيوني أو جلس على مقاعد خيانة الهوية العربية ، خذ مثلا ، ما “صنعته” محطة الجزيرة القطرية و مثيلاتها في الخليج ( هناك من يطالب بالتحليل ” الجيني” لمعرفة هوية المحطة ) من كذب على ” المباشر ” ، لكن الخيبة و السقوط في نسبة المشاهدة و المتابعة كانا بحجم ” الاجتهاد ” المسخر لنقل الخبر و التحليل الكاذب ، و بقدر الصعود كان الانحدار مدويا معبرا لكل الخائبين من أقلام السفاهة المهنية .
سقط إعلام البهلوانات كما يسقط بهلوان السيرك ليس بسبب عدم الانتباه فقط لقدرة المتابع الذهنية ، بل لان الضحك و استدرار الضحك على الذقون لن يستمر طويلا دون أن ترتد المسخرة على مطلقها ، و محطة الجزيرة القطرية لم تسيء للمهنية الإعلامية فقط ، و هي من المقدسات لو تعلمون ، بل أساءت عن قصد للقيادة القطرية بأن وضعتها موضع اتهام و لعنة ، و أصابت الشعب القطري لأنه صمت صمت المتخاذلين على هذه الحرب التضليلية على شعب شقيق مع ما تبع من سفك دماء الأبرياء من الشعب السوري ، و أصابت ما كن نظن من عروبة قطر و انتماءها للعرب بأن حصلت لدى المتابع العربي قناعة راسخة لن تمحى بأن قطر هي فعلا جزء من الأرض العربية المغتصبة يجب تحريرها من الاحتلال الصهيوني الصليبي .
لن أحاول استعمال الأساليب الرخيصة في التجريح في “كوادر” محطة الجزيرة ، و لا في أقلام بطانة الحكام في الخليج ، فلعل ” أكل العيش” هو أحد الأسباب التي دفعت هؤلاء إلى بيع زادهم من الحبر و زادهم من المنطق و زادهم من المهنية الصحفية إلى “العدو” في لحظة سقوط بشرية محتملة ، و لكن دعوني أتساءل ، هل يبرر “الجوع” هذا السقوط ، و هل أن القبول بالاشتغال في مقاولات الدهن و التبييض هو آخر المطاف أم ستعقبه تنازلات مهينة أخرى في مجالات أخرى ، دعوني أتساءل ، هل ينظر بعضهم إلى المرآة ، أشك في ذلك فعلا .