TODAY- Wednesday, 12 October, 2011
فيلم "إبن بابل"... رحلة مضنية لأم لم تفقد الأمل
نادراً ما تكون السينما هي التي تؤثر في الحياة، وليس، على العكس من ذلك، كما هو معتاد. ففي بداية الإسبوع الماضي، نظّم البرلمان العراقي، وبمبادرة من النائبة صفية السهيل، عرضاً خاصاً للفيلم العراقي "إبن بابل"، الذي يتناول قضية المفقودين ومآسي ذويهم في رحلة البحث المضنية في السجون والمقابر الجماعية، قبل وبعد عام 2003. وكان الفيلم قد مثّل العراق في مهرجان توزيع جوائز الأوسكار للعام الماضي. وفي نهاية العرض قرر أعضاء البرلمان تشكيل لجنة مشتركة بين الوزارات للتحقيق في المقابر الجماعية، ومعرفة السبب في عدم الإستعانة بالحمض النووي لمعرفة هوية أصحاب الجثث. إذ أن هناك الآلاف من الجثث، المجهولة الهوية، من دون عوائل، والعكس صحيح.
يتحدث محمد الدراجي، من مواليد بغداد عام 1978، مخرج فيلم "إبن بابل" عن هذا التحول السياسي، لأنه كان حاضراً هناك. وخلال عودته من بغداد الى لندن حيث يقيم، توقف السينمائي العراقي، يوم الجمعة الماضي، لمدة 24 ساعة في مدريد، ما يكفي لتلبية دعوات بعض وسائل الإعلام، حيث صادف ذلك اليوم مناسبة العرض الأول لفيلمه في إسبانيا.
يتناول فيلم "إبن بابل" رحلة أم كردية لم تفقد الأمل، وحفيدها البالغ 12 عاماً والذي يساعدها في الترجمة، من شمال العراق الى جنوبه في العام 2003، بحثاً عن ولدها، والذي يكون أب الطفل. حيث يقومان بزيارة سجون النظام السابق، لينتهيان عند المقابر الجماعية، والتي دفن فيها، حسب بعض المحللين، حوالي 300.000 ألف جثة مجهولة الهوية.
الجدة في بكاء دائم
يقول مخرج الفيلم: "أنه ليس رواية فيلم عن المعاناة، ولكنه رحلة إكتشاف للعراق. لا أعتقد أن الأمر يتعلق بالمعاناة فقط، إذ هناك أمل أيضاً، وتأمُّل في كيفية التعامل مع ماضينا من أجل مواجهة المستقبل".
منذ البداية، كان المخرج محمد الدراجي قد أدرك أن شريطه الفيلمي هذا كان سينتهي عند تلك المقابر الجماعية. فقد كان هناك عندما تمّ إكتشاف المقابر وسط أنقاض بابل الأثرية. كان الخبربمثابة صدمة قاسية بالنسبة له. أن يكون هناك أموات، بين أنقاض حضارة. يقول الدراجي: "إتصلت، حينها، بعمتي التي كانت قد فقدت، في تلك المقابر، إبن عمي علي، الذي لم نعثر عليه أبداً، وكانت تبكي، كما هو شأنها مذ إختفى علي. وهذا البكاء المتواصل للجدة في الفيلم، ليس سوى تجسيداً لبكاء عمتي. هذه الجدة المسكينة كانت قد أمضت خمس سنوات من عمرها في السجن، حيث فقدت طفلاً هناك، بينما لا يزال زوجها في عداد المفقودين منذ 22 عاماً، وكانت شاهدة، خلف الستار، في محاكمة صدام. وفي لحظات معينة من الفيلم، لم تكن تمثل، بل كانت تعيش الدور".
ولا يزال محمد الدراجي منهمكاً في سفراته ما بين لندن وبلده العراق. وقد جهد كثيراً من أجل تقصي الحقائق والأحداث لفيلمه، وإلتقى العديد من النساء. ولديه الإحساس بالإنتماء الى كلا العالمين، ورغم أنه أكمل دراسته في العراق، وهولندا، ولندن، إلاّ أن أفلامه تتميّز بإيقاعها الأوروبي، وتعد اللوحات الملونة القديمة للكنائس الكاثوليكية الأوروبية مصدر إلهام بالنسبة له.
ويضل التساؤل قائماً عن مدى قدرة العراقيين على تغيير وجهة بلدهم؟
يجيب المخرج محمد الدراجي على ذلك قائلاً: "قبل مشروعي الفيلمي هذا كنت أشك في ذلك. ولكن مع تشكيل لجنة تقصي الحقائق، الأمل يبدو كبيراً. وإذا سألتني متى؟ فأن جوابي سيكون مخت
لفاً. لن يكون على يد هؤلاء السياسيين طبعاً، الذين يخوضون صراعاً مميتاً داخل الحكومة، وإنما الأجيال الجديدة القادمة. وبالتعليم طبعاً. لأن التعليم الجيد هو الذي سينقذنا مما نحن فيه الآن".
مخرج الفيلم محمد الدارجي والطفل الممثل ياسر طالب