بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل ِ على محمد وآل محمد وعجل فرج وليك
واشفي صدره بظهوره يارحيم
(( تعلّم من الحسين كيف تهتم بالعبادة))
لعل من أعظم وأروع الدروس الكربلائية
التي يقدمها لنا الحسين (ع) بسخاء ضمن عطائه الثر المنبثق من ثورته الخالدة ، هو درس الاهتمام بالعبادة والمحافظة عليها .
لقد كان الإمام الحسين (ع) شغوفاً متيماً بحب الله جل وعلا ، وقد دفعه الحب الإلهي والعشق الرباني إلى تعاهد العبادة والمحافظة عليها والاستكثار منها والتقرب بها ... وكانت أسعد الساعات وأحبها إلى قلبه النقي الطاهر وروحه الصافية الزكية ، هي تلك الساعات المباركة التي يختلي فيها بربه ويقبل عليه بالعبادة،فيسأله ويدعوه ويتضرع إليه ويصلي له ويقرأ القرآن ويسبح الله ويمجده ويثني عليه كما هو أهله .... في انقطاع كامل عن الدنيا ، وتعلق أكمل بالملكوت الأعلى حيث الله والدار الآخرة والنعيم المقيم.
وفي واقعة الطف الرهيبة يعطينا الإمام أبو عبدالله الحسين (ع) مثلاً حياًعلى حبه للعبادة وشغفه بها وإقباله عليها
وانقطاعه إليها.
فقد ذكر المؤرخون أنه في عصر يوم الخميس التاسع من المحرم أراد عمر بن سعد الهجوم على الحسين وأصحابه بقصد الحرب والقتال،فأرسل الحسين(ع) إليه أخاه العباس ليطلب منه تأجيل الحرب إلى اليوم العاشر
قائلاً (ع) :
(يا أخي،ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخرهم إلى غدوة لعلنا نصلي لربنا هذه الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أني كنت أحب الصلاة له ، وتلاوة كتابه ، وكثرة الدعاء والاستغفار).
لا حظوا
ـ أيها الأعزاء ـ
إن الإمام الحسينيطلب من ابن سعد أن يمهله سواد ليلة واحدة ، فلماذا ؟!!! هل كان الحسينخائفاً من الموت ويطمع في
الحياة ؟!!وهل ليلة واحدة ستؤثر في عمر الحسين أو ستضيف إليه جديداً ؟!!!!.
كلا!!!
فإن الإمام الحسين (ع) كان على علم مسبق بأن نهايته هي الموت قتلاً ، وقد صرح بذلك في أكثر من موطن وموطن ، ولم يكن(ع) خائفاً من هذه النهاية بل كان راغباً فيها ساعياً بكل جد نحوها، وهو القائل (ع) :
( والله لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما).
وهو القائل (ع) في اليوم العاشر من المحرم :
( ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين :
بين السلة والذلة.
وهيهات منا الذلة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون
و حجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبية ، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ... ).
إذن لم تكن المسألة عند أبي عبدالله (ع) مسألة خوف من الموت ، ولم يطلب المهلة سواد ليلة واحدة حباً في الحياة ، وإنما كان ذلك لغاية نبيلةوهدف شريف هو:
الانقطاع إلى الله،والإقبال عليه،والتزود من العبادة ما استطاع.
الله أكبر!!!!!
إنسان تتجمع عليه الصفوف،وتتزاحم عليه الألوف ، وتشهر السيوف في وجه ، ويرى الموت أمام ناظريه محدقاً به من كل مكان ، فلا يكترث بذلك ،ولا يأبه به ، وإنما يكون كل همه اقتناص شيئاً من الوقت ولو ليلة واحدة ليلتقي فيها بمعشوقه الحقيقي ويتفرغ لعبادته!!!!! ، فيحيي تلك الليلة مع أهل بيته وأصحابه بالصلاة والاستغفار والدعاء والتضرع ، ولهم دوي كدوي النحل ما بين قائم وقاعد وراكع وساجد ، وتالٍ لأجزاء القرآن،ورافع يديه بالمسألة والدعاء في ذلة وانكسار وبكاء، كما وصفهم السيد حيدر الحلي بقوله في رائعته العصماء :
سمة العبيد من الخشوع عليهم
لله إن ضمّتهم الأسحار
وإذا ترجلت الضحى شهدت لهم
بيض القواضب انهم أحرار
ضع نفسك
قارئي الكريم
مكان الإمام الحسين!!! ، تخيل السيوف مشهورة في وجهك ، وشبح الموت يهددك بقبض روحك!!!،تصور السيوف ستقطعك إرباً إرباً!!!،وستجعلك أشلاء موزعة على الأرض
ملطخة بالدماء!!!!!!!.
هل ستفكر في تلك الساعة في شيء اسمه العبادة؟!!!!
هل ستقول للموت:
أمهلني قليلاً حتى أصلي لله ركعتين؟!!!!!.
أم أن رهبة الموقف ستنسيك كل شيء ، وتجعلك لا تفكر في
أي شيء إلا في إنقاذ نفسك وتخليصها من الموت؟!!!!!.
إنه درس عظيم من دروس كربلاء الدامية في وجوب الاهتمام بالعبادة والحرص عليها .
ودرس آخر في العبادة نستلهمه من اليوم العاشر حيث كان الحسينوأصحابه يعيشون أحرج الساعات وأصعب المواقف ، فالحرب قائمة ، وبعض أصحاب الإمام صرعى على البوغاء ، والأعداء قد أحاطوا بالطاهرين من كل مكان يضربونهم بالسيوف،ويطعنونهم بالرماح ، ويرمونهم بالحجارة ....
ورغم صعوبة ذلك الموقف إلا أنه حين دخل وقت الصلاة التفت أحد الصحب الأخيار وهو أبو ثمامة الصائدي إلى الإمام
الحسين (ع) قائلاً :
نفسي لنفسك الفداء ،أرى هؤلاء قد اقتربوا منك ، والله لا تُقتل حتى أُقتل دونك ، وأحب أن ألقى ربي وقد صليت هذه الصلاة التي قد دنا وقتها .
فرفع الحسين(ع) رأسه وقال :
ذكرت الصلاة،جعلك الله من المصلين الذاكرين،نعم،هذا
أول وقتها.
ثم قال (ع):
سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي.
والتفت (ع) إلى زهير بن القين وسعيد بن عبدالله الحنفي
وقال (ع) :
تقدما أمامي حتى أصلي الظهر .
فتقدما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتى صلى بهم صلاة الخوف ،فوصل إلى الحسين (ع) سهم فتقدم سعيد بن عبدالله الحنفي ووقف يقيه من النبال بنفسه ما زال ولا تخطى ، فما زال يُرمى بالنبل حتى سقط إلىالأرض وهويقول:
( اللهم العنهم لعن عاد وثمود ، اللهم ابلغ نبيك عني السلام ، وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح ، فإني أردت ثوابك في نصر ذرية نبيك ، اللهم لا يعجزك شيء تريده ، فأبلغ محمداً (ص) نصرتي ودفعي عن الحسين (ع) وارزقني مرافقته فـي دار الخلود).
والتفت إلى الإمام أبي عبدالله (ع) قائلاً :
أوفيت يا بن رسول؟!!! .
فقال (ع) :
نعم أنت أمامي في الجنة .
فقضى نحبه قرير العين ، مطمئن النفس ، وقد أصيب بثلاثة عشر سهماً عدا الضرب والطعن.
قل لـي بربك :
ألم يأخذ هذا الموقف الكربلائي الرائع بمجامع قلبك ، ويملك عليك روحك ووجدانك ، ويسيطر على مشاعرك وأحاسيسك ، ويجعلك تعيش أمام صورة روحانية وبطوليةعجيبة،ربما كنت لا تتصور حدوثها حتى في عالم الخيال والأحلام ؟!!!! .
إنه الإيمان ، صانع الرجال ، ومطهر النفوس ، وباني الأرواح ، وقاهر الموت ، ومحدث المعجزات!!!!.
وهل هناك من يملك إيماناً صادقاً كالحسين بن علي (ع) الذي وُلد في بيت النبوة ، ونشأ في حجر الإيمان ، وتربى في حضن القرآن ، فبلغ من اليقينأعلى درجاته حتى لو كشف له الغطاء ما ازداد يقينا؟؟؟؟!!!!.
، فكيف ـ والحال هذا ـ يخيفه السيف؟!!!! أو يرهبه شبح الموت فيمنعه من أداء الصلاة ؟!!!!.
إن السيف لأحقر وأخسأ من أن يُدخل خوفاً إلى قلب آمن بالله ، أو يقهر روحاً تعلّقت بالذات المقدسة.
إذن فليقف الحسينفي ساحة الحرب والقتال،وبين صهيل الخيل ،وصليل السيوف،وزعقات الرجال وليأم أصحابه بالصلاة غير آبه بكل ذلك ، وليكن وفدهم إلى الله ، وسبيلهم إلى رحمته ، وليقف بعض أصحابه
ـ بكل شجاعة وبطولة وصمود ـ
ليقيه بنفسه ، ويفديه بروحه ، ويتلقى عنه ضربات السيوف ، وطعنات الرماح ، ليتم (ع) صلاته بهدوء واطمئنان ، كأنه (ع) في محرابه وليس في ميدان حرابه ، فإن العبادة بصورة عامة والصلاة بصورة خاصة ثمينة جداً ولها قيمة وقدسية خاصة
عند الحسين وأصحابه (ع) .
وما أولانا بأن نستلهم من الحسين هذا الدرس الرائع
في الاهتمام بالعبادة والمحافظة عليها.
إننا بحاجة ماسة إلى الاتصال الروحي بعالم الملكوت والاتصال بخالق السموات والأرض،لنجسد له سبحانه وتعالى العبودية الحقة،التي لم يخلقنا جل وعلا إلاّ من أجل تجسيدها في الحياة.
(وما خلقت الجن والإنس إلاّ ليعبون).
لذا فنحن بحاجة ماسة إلى ممارسة الأمور العبادية بكل أشكالها وأصنافها .
فنحن بحاجة ملحة إلى صلوات خاشعة تسمو بها أنفسنا عن هذا العالم الفاني ، وتعرج بها أرواحنا إلى الملكوت الأعلى ، وتتصل بخالق السموات والأرض وما بينهما .
وإلى حج بيت عظيم يذكرنا بيوم المحشر،ويؤلف قلوبنا ويجمعنا على كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة .
وإلى صيام شهر يربي فينا ملكة التقوى،ويشعرنا بما يعانيه الفقراء والمساكين من آلام وأسقام .
وإلى تلاوة آيات بينات من كتاب الله العزيز نستمطر بها الرحمة الإلهية الواسعة ، ويشملنا بسببها اللطف الإلهي الكبير.
وإلى قراءة دعاء حزين نجأر فيه إلى الله في عتق رقابنا من النار وإدخالنا الجنة ، ونسأله قضاء حوائجنا للدنيا والآخرة
وإلى دمعة حارة تذرفها العين من خشية الله فتطهر أنفسنا الملوثة،وتغسل ماران على قلوبنا القاسية من الذنوب والمعاصي والآثام .
وإلى نوافل مستحبة من صوم وصلاة وتسبيح واستغفار ، وتكبير وتهليل وتمجيد ... يقربنا إلى الله زلفى وينفعنا :
{ يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم }.
نعم وربك ، إننا بحاجة ماسة إلى كل ذلك وليس الله سبحانه، فإنه تبارك وتعالى غني عن العالمين،وقد قال عز اسمه الجليل :
{ يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد }
{ إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإن الله لغني حميد } فهل تدفعنا هذه الآثار الكثيرة للعبادة ، وهذا الافتقار الشديد إلى الله، إلى أن نأخذ منموقف الحسين العبادي في ليلة العاشر ويومها درساً مهماً في العبادة، نتزود به لفقرنا وفاقتنا ، ونخلّص به أنفسنا من أهوال ذلك اليوم العظيم الذي
{ تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد }.
___________
السلام على الحسين
وعلى علي بن الحين
وعلى اولاد الحسين
وعلى اصحاب الحسين
_____________
أسال الله لي ولكم حسن العاقبة