بسم الله الرحمن الرحيم
((سَأَصۡرِفُ عَنۡ آيَاتِىَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِى الأَرۡضِ بِغَيۡرِ الۡحَقِّ وَإِن يَرَوۡا۟ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤۡمِنُوا۟ بِهَا وَإِن يَرَوۡا۟ سَبِيلَ الرُّشۡدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوۡا۟ سَبِيلَ الۡغَىِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَذَّبُوا۟ بِآيَاتِنَا وَكَانُوا۟ عَنۡهَا غَافِلِينَ))
صدق الله العظيم
سورة الأعراف رقم الآية 146
التفسير من كتاب المتشابه من القرآن لمحمد علي حسن الحلي ،(الطبعة اﻷولى – بيروت – لبنان – 1965)
(سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ) أذى فرعون وقومه (الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ) بغير الحقّ ، يعني في أرض مصر ، وآياته هي التوراة والعصا وموسى وهارون ، وذلك لَمّا سار بنو إسرائيل من مصر خافوا من فرعون أن يلحقهم ويضربهم فقالوا {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} أي سيلحق بنا فرعون ويقتلنا ، فطمأنهم الله تعالى وقال (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) أي سأصرفهم عنكم فلا تخافوهم (وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ) من المعجزات التي جاء بِها موسى وعددها تسع آيات (لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ) أي طريق الحقّ (لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) لدينهم (وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ) أي طريق الكفر والضلال (يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) أي يتّخذوه ديناً ومنهجاً (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ) .
آراء المفسّرين
لم يفهم المفسّرون معنى هذه الآية مع بساطتها ووضوح ألفاظها فأخذوا في تفسيرها بعكس ما هي عليه فظنّوا أنّ الله تعالى يريد بذلك صرف الكتابية عن أذهان هؤلاء المتكبّرين لئلاّ يؤمنوا وبذلك يستحقّون العذاب ، ولكن الله تعالى لم يقل : سأصرف آياتي عن الذين يتكبّرون في الأرض ، بل قال تعالى (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ) وإليك ما جاء في تفسير الجلالين :"{ سَأَصْرِفُ عَنْ ءَايَٰتِي } دلائل قدرتي من المصنوعات وغيرها { ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } بأن أخذلهم فلا يتفكرون فيها"
وجاء في تفسير النسفي : "{ سَأَصْرِفُ عَنْ ءَايَٰتِي } عن فهمها. قال ذو النون قدس الله روحه: أبى الله أن يكرم قلوب الباطلين بمكنون حكمة القرآن"
وجاء في تفسير الطبرسي المجلّد الرابع صفحة 477 قال : "{ سأصرف عن آياتي الذين يتكبَّرون في الأرض } ذكر في معناه وجوه:
أحدها: إنه أراد سأصرف عن نيل الكرامة المتعلقة بآياتي والاعتزاز بها كما يناله المؤمنون في الدنيا والآخرة المستكبرين في الأرض بغير الحق عن أبي علي الجبائي: والآيات على هذا التأويل يحتمل أن تكون سائر الأدلة ويحتمل أن تكون معجزات الأنبياء وفي قولـه { ذلك بأنهم كذَّبوا بآياتنا } بيان أن صرفهم عن الآيات مستحقّ بتكذيبهم.
وثانيها: أن معناه سأصرفهم عن زيادة المعجزات التي أظهرها على الأنبياء (ع) بعد قيام الحجة بما تقدَّم من المعجزات التي ثبتت بها النبوة لأن هذا الضرب من المعجزات إنما يظهر إذا كان في المعلوم أنه يؤمن عنده من لا يؤمن بما تقدَّم من المعجزات فيكون الصرف بأن لا يظهرها جملة أو بأن يصرفهم عن مشاهدتها ويظهرها بحيث ينتفع بها غيرهم وهذا الوجه اختاره القاضي لأن ما بعده يليق به من قولـه { وإن يروا سبيل الرشد } إلى آخر الآية.
وثالثها: أن معناه سأمنع الكذابين والمتكبّرين آياتي ومعجزاتي وأصرفهم عنها وأخصُّ بها الأنبياء فلا أظهرها إلا عليهم وإذا صرفهم عنها فقد صرفهم عنهم .
ورابعها: أن يكون الصرف معناه المنع من إبطال الآيات والحجج والقدح فيها بما يخرجها عن كونها أدلة وحججاً ويكون تقدير الآية إني أصرف المبطلين والمكذّبين عن القدح في دلالاتي بما أؤيّدها وأحكمها من الحجج والبينات.
وخامسها: أن المراد سأصرف عن إبطال آياتي والمنع من تبليغها هؤلاء المتكبرين بالإهلاك أو المنع من غير إهلاك فلا يقدرون على القدح فيها ولا على قهر مبلغيها ولا على منع المؤمنين من اتباعها والإيمان بها وهو نظير قولـه{ والله يعصمك من الناس }[المائدة: 67] ويكون الآيات في هذا الوجه القرآن وما جرى مجراه من كتب الله التي تحملتها الأنبياء عليهم السلام .