بمناسبة يوم الهلاك
كتب على صفحته فجر هذا اليوم، المناسبات التي وردت في أحد الأشهر القمرية، وقد ذكره بالاسم. ويتعمّد صاحب الأسطر عدم ذكره، حتى يتعدى النقاش الشهر بذاته إلى ماجاء فيه. ومن بين المناسبات المذكورة في الجدول الخاص بكافة أيام الشهر ..
إن الأشهر القمرية، يتقرب بها المرء إلى الله تعالى، ففيها .. الصلاة، والصوم بأنواعه، والحج ، والزكاة، وعِدَّة المرأة بمختلف أنواعها.
والمرء يسعى لجعل أيام الأشهر القمرية، أياما سعيدة يدخل بها السعادة على غيره، ويحي منها مايحيي العزائم والهمم، ويبقي ذاكرة الأمة حية بتلك الأيام الخالدة، وكل يختار أيامه السعيدة التي تجعل من إحياء تلك الأيام، ذكرى لتلك الأيام.
إن المسلمين يحتفلون في 17 من رمضان بغزوة بدر، وفي 27 من رمضان يحتفلون بفتح مكة، لأنها أيام نصر وفتح مبين، لكنهم لايحتفلون بغزوة أحد، لأنها كانت أقل نصرا من غزوة بدر، وشهد منحنى المعركة فيها بعض الانكسار، ثم مالبث أن استقام.
وأيام الطفولة، سمع الطفل من الكبار، أن الصهاينة يُدَرِّسون أبناءهم غزوة أحد، ليغرسوا فيهم أن الهزيمة من طبع المسلمين !، وأنهم لم يعرفوا النصر منذ القدم !، فوجب على الأحفاد إلحاق الهزيمة بالمسلمين.
دول العالم بشرقها وغربها، تحتفل بالأيام الوطنية، التي تراها مناسبة لإحياء القيم النبيلة في أبناءها، ولا توجد دولة تحتفل بهلاك فلان أو فلان، إنما تحتفل بطرد المستدمر، وتأميم خيرات العباد والبلاد، واسترجاع الميناء الفلاني والقاعدة الفلانية، وإعادة القطعة الأرضية الفلانية التي كانت تحت يد المستدمر.
وفي نفس الوقت، لاتحتفل بهلاك القائد الذي استدمرها، أو الجنرال الذي غزا أرضها، أو الملك الذي استضعف شعبها، رغم الجرائم التي ارتكبوها في حق البشر والحجر.
المتتبع لاحتفالات أوربا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية، بفوزهم بالحرب العالمية الثانية، يرى أنهم يحتفلون بانتهاء الحرب، وتوقيع المعاهدة. وعلى سبيل التوضيح ..
احتفلت روسيا منذ يومين، بذكرى تعاون الحلفاء فيما بينهم للظفر بالحرب على الألمان.
لكنهم ، لم يحتفلوا بهلاك هتلر، بغض النظر عن الطريقة التي كانت نهايته عليها، رغم مافعله في أوربا، والدمار الذي خلّفه، والجراح التي مازالت تنزف.
وانظر إلى الجزائر في علياءها، فهي تحتفل بأيامها الوطنية، لكنها لم تحتفل يوما، بهلاك أعداءها الذين استدمروها، ونهبوا خيراتها.
المناسبة أعزّ من أن تحي من خلالها، هلاك من تراه عدوا لك، فإن ذلك يرفع شأنه، ويطيل في حياته. وإنما جعلت المناسبات للمّ الشمل، وتقريب البعيد، وإزالة الغشاوة عن القلوب، والصفح عن المسىء، والرفع من ذكر المحسن، ونشر فضائله بين الناس، لتكون مناسبة للقدوة الحسنة.
إن احتفال المسلم، بهلاك أخيه المسلم، لهو الهلاك بعينه، الذي يأتي على الأمم، فيرديها سوء الدار، وإنه يحتاج إلى إحياء مناسبة، لعدم الاحتفال بهلاك الأخ والعدو في آن واحد.
جامعة حسيبة بن بوعلي
الشلف - الجزائر
معمر حبار