الأهمية الاستثنائية للعامل الأخلاقي
بقلم: حسين الصدر
- 1 -
لانذيع سراً إذا قلنا :
ان هناك ثلاث ركائز أساسية يقوم عليها الإسلام :
1 – العقيدة (أصول الدين)
2 – الشريعة (فروع الدين)
3 – الأخلاق
ويكفينا ان نُذّكر ان الرسول الاعظم (ص) قال :
"إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق"
يقول الشاعر :
امتدح الله رسول الهدى
وخَصَّ بالذكر عظيم خُلْقِهِ
وانما الأخلاقُ ميزانُه
فَقِسْ به مَنْ شئتَ من خَلْقِهِ
- 2 -
وللاخلاق ثقلُها الكبير في الميزان، وأهميتُها البالغة في إشاعة الأمن والاستقرار والثقة والطمأنينة في حياة الناس.
ان هذا هو الذي دعا الشاعر الى ان يقول:
واذا أُصِيبَ القومُ في أخلاقِهِمِ
فَأَقِمْ عليهم مَأْتَماً وعويلا
وقال أيضاً :
وإنما الأمم الأخلاق ما بَقيتْ
فانْ همُ ذهبتْ أخلاقُهم ذَهَبوا
ان الحياة تغدو غابةً مرعبة حين تغيب عنها القيم الأخلاقية: من حُبٍّ وايثار، وتسامح وتعاون، ونكران للذات، وتضحية بالنفس والمال وبكل ما يملكه الانسان من أجل الصالح العام.
- 3 -
ولا نبتعد كثيراً عن الحقيقة اذا قلنا:
ان الجذر الحقيقي لمعظم المشاكل والأزمات التي تعيشها المجتمعات اليوم هو التدني الاخلاقي، فقد تدنّى المنسوب الأخلاقي الى حد كبير، فطفحت على السطح تلك النتوءات والفقاعات!!.
- 4 -
ومما يُسهم في تحفيز الناس على التمسك بأهداب الأخلاق والفضيلة، تداول القصص والحكايات النابضة بِعَبقِ الاخلاق.
انها تُثير فيهم روح التطلع الى محاكاتها والنسج على منوالها.
- 5 -
ومن روائع القصص في هذا الباب، نسوق القصة التالية:
" حُكي :
ان شابين جاءا الى عمر بن الخطاب – وهو جالس في المسجد مع أصحابه – وهما يمسكان بشاب جميل الطلعة، مشرق الوجه، تلوح عليه مخايل العفة والنجابة،
فقال عمر :
ما شأنكما معه؟
قالا: ان هذا الشاب قَتَلَ أبانا وهو شيخ كبير، فجئنا به اليك لتقتص منه بالحق وتحكم فيه بحكم الله .
فقال عمر للشاب :
أسمعتَ ما قالا، فماذا تقول ؟
قال: أنا شاب إعرابي، دخلتُ المدينة ومعي نياق عزيزات وبينهن فحل كريم الاصل كثير النسل، فمررنا على حديقة فأرادت النياق ان تتناول منها شيئاً فَرددتُها عنها، فما شعرتُ الاَّ رجل قد أقبل علينا من الحديقة وهو يرعد وَيزبدُ وبيده حَجَر كبير فضرب به الفحل فأرداه قتلا، فشقّ عليّ مصرعه بغير ذنب جناه، فما ملكتُ نفسي حتى تناولت ذلك الحجر فضربته به، فَوَقَعَ على الارض ميّتاً، فلذت بالفرار، غير ان هذين الشابين أدركاني وأمسكاني وأتيا بي اليك .
فقال له عمر :
أنت قد اعترفتَ على نفسك بالجرم، فوجب عليك القصاص، ولات حين مناص .
فقال الشاب :
أنا راضِ بما تحكمون به عليّ، غير ان لي أخا صغيراً أَوْدَعَ عندي مبلغاً كبيرا من المال قد ورثه من أبي، وقد دفنتُه له في موضع لايعلم به أحد غيري، فلو قتلتني الآن ذهب هذا المال ضياعاً وحُرم منه أخي، وكنتُ السببَ في ذلك ، فانظرني ثلاثة أيام، لأذهب بها الى أهلي وأوصي بمالي ومال أخي لرجل ثقة أمين، ثم أعود اليك .
ولك عليّ عهُد الله وميثاقهُ.
فقال عمر :
ومَنْ يضمنك حتى تعود؟
فنظر الشاب في وجوه الحاضرين فوقعت عينُه على أبي ذر، فقال :
يضمنني هذا الشيخ.
فقال أبو ذر: نعم أضمنه حتى يعود.
فرضي عمر والشابان بضمان أبي ذر فذهب الغلام لقصده،
وبعد اليوم الثالث تطاولت الأعناق عن نتيجة هذا الشاب، ومصير أبي ذر وعلت الزفرات والحسرات.
فعرض الصحابة على الشابيْن قبول الدّية فأبيا الاّ القصاص.
فبينما هم كذلك، واذا بالشاب قد أقبل يتصبب عرقاً من التعب،
فتعجب الناس من صدقه ووفائه.
فقال الشاب: لقد عدتُ وفاءً بالوعد، ووعد الحرّ دَين ، حتى لايقال :
(ذهب الوفاء من الناس)