زينب (عليها السلام) بطلة كربلاء
[IMG]file:///C:\Users\user\AppData\Local\Temp\msohtmlclip1\01\c lip_image001.gif[/IMG]
ولدت الحوراء زينب في بيت جمع بين النبوة والإمامة، هذا البيت الذي كان مفعماً بالطهارة والصلاح، ولقد تربت هذه اللبوة الحيدرية في هذا البيت الطاهر فأكتسبت من طهارة سيد النبيين وشجاعة أمير المؤمنين وظلامة سيدة نساء العالمين وريحانتي رسول رب العالمين.
نشأت في هذه الأجواء الإيمانية، ونهلت في هذا البيت مراحل الهدى والنور والعفاف، ولقد تغذت العقيلة زينب من كف أبيها النشأة القدسية والنشأة الروحية فلبست أعظم جلابيب الجلال والسؤدد وكفى بها شرفا أنها رضعت من ثدي الطهر فاطمة وأخذت العلم من أبيها علي (عليه السلام).
وكانت ولادتها في الخامس من جمادي الأول في العام الخامس للهجرة، فجاءت أمها إلى أبيها قائلة: سم هذه المولودة، فقال علي: ما كنت لأسبق رسول الله (ص) فلما جاء النبي من سفره، سأله عن اسمها، قال: ما كنت لأسبق ربي بذلك.
فهبط جبريل يقرأ على النبي السلام من الله الجليل وقال له: العلي الأعلى يقرئك السلام ويقول: سم هذه المولودة (زينب) فقد اختار الله لها هذا الاسم.
وللسيدة زينب مواقف منذ نعومة أظفارها تجعل المرء يشعر بعِظم هذه السيدة الجليلة.
فقد حدث أنها كانت جالسة في حجر أبيها، فقال لها: قولي واحد، قالت واحد، قولي اثنين، فسكتت، فقال علي: تكلمي يا قرة عيني، فقالت: يا أبتاه ما أطيق أن أقول اثنين بلسان قال واحد.
وسألت أباها يوماً: أتحبنا يا أبتاه، فأجاب الإمام:
وكيف لا أحبكم وانتم ثمرة فؤادي، فقالت: يا أبتاه إن الحب لله تعالى والشفقة لنا.
وفي صغرها روت ونقلت خطبة أمها الزهراء بما فيها من فخامة الكلمة وعمق المعنى، وفي رواية إنها حفظتها أثناء استماعها حتى أن عبد الله بن عباس يقول: حدثتنا عقيلة الطالبين زينب... وكانت (عليها السلام) تقضي لياليها متهجدة عابدة وتالية للقرآن فلم تترك كل ذلك حتى في أحلك الاوقات وأصعب الظروف كالتي مرت عليها في ليالي كربلاء، فكانت مع أخيها الحسين وأهل بيته يقضون ليلهم في تلاوة القرآن والعبادة، فما كانت تغفل عيونهم ولا هم يهجعون، ومما يدل على قدسية زينب عند أهل البيت عليهم السلام أن الإمام الحسين وهو حجة الله في الارض وامام مفترض الطاعة كان يطلب من الحوراء أن تذكره في دعاءها حينما تقف بين يدي ربها في صلاة الليل وقد قال لها: أخيَّ زينب اذكريني في صلاتك بالليل.
وكان لعبادتها وخشوعها لله أكبر الأثر في سمو روحها إلى حيث لا يهتز كيان المرء عنده من أثر المكاره والمصائب والمحن، فإن ما تعرضت له السيدة زينب من مصائب الدهر ومكارهه لم يكن بالأمر السهل عليها، فلقد فقدت جدها الاعظم، وهي لا تزال بنت السنين الخمس، وفقدت أمها فاطمة بعده بفترة وجيزة ورأت بأم عينها هجوم القوم على دار أمها وشهدت بذلك أول الظلامات على أهل البيت عليهم السلام وظلت سلام الله عليها على منوال المصائب حتى فقدت أباها أمير المؤمنين علياً عليه السلام وسرعان ما وجدت نفسها تفقد أخاها الحسن فازدادت جروح قلبها وظلت سلام الله عليها تجابه هذه المحن بصبرها، حتى كانت كربلاء الدامية والتي جرَّت عليها ألوان المصائب والمحن، ولو كانت هناك أمراة اخرى في موقع زينب لما صبرت كما صبرت (عليه السلام) لأنَّها شخصيةٌ قد تمّ إعدادها لهذا اليوم، وهي الوحيدة التي شهدت مصائب اهلها وما جرى عليهم من ظلم يهدّ الجبال الرواسي تربّت لكنها (عليه السلام) لتتماشى مع إرادة الله وقضائه وقدره.
إن الذي شهدته زينب في كربلاء لم يكن مجرد فقد أخوةٍ وتشريد أطفال، وإنما رويتها الناس وهم يذودون عن الحق بل أخذوا يحاربونه بأبشع الصور والطرق، وعلى عادتها زينب واجهت هذا المصاب بصبرها وجلدها حتى قال الشاعر عنها:
بأبي التي ورثت مصائب أمها***فغدت تقابلها بصبر أبيها
فهي رأت بأم عينها صعود الشمر اللعين على صدر أخيها الحسين (عليه السلام)، هذا الصدر الذي طالما وُضع على صدر النبي صلى الله عليه واله وسلم وهي التي رأت مقتل إخوتها وأبناها، وهي التي شهدت حرق الخيام، وهي التي ترى أمامها الإمام زين العابدين مقيدا بحلق القيود ومع كل هذا وذاك فهي كانت المسؤولة عن تخفيف الآلام عن البقية المتبقية من هذه المجزرة.
وقد تجسدت بطولتها بوقوفها أمام الطاغية يزيد وواليه بالكوفة عبيد الله ابن زياد، حيث جعلت من خطبها تتمة لخط الثورة الحسينية فلولاها لما تمت المسيرة ولولاها لخمدت حرارة ثورة الطف.
وحينما قال لها ابن زياد: (كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك ؟ قالت: ما رأيت إلا جميلا، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم، فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلج، ثكلتك أمك يابن مرجانة).
نزل جواب زينب على ابن زياد كالصاعقة فأخرس نطقه وشلّت شجاعة زينب قوى ابن زياد فحقرته حيث مركز قوته، وكيف لاتكون كذلك وهي بنت علي ؟ كانت عليها السلام قد اكتسبت شجاعة المواجهة من أمها فاطمة عندما دخلت على القوم في مسجد أبيها وخطبت خطبتها المعروفة التي كشفت حقيقة المتآمرين وزيفهم.
وما اكتفت زينب بتقريع ابن زياد بل استمرت ثورتها عليها السلام حتى أمام الطاغية يزيد بن معاوية الذي كان في أوج نشوته بهذا النصر المزيف فدخلت عليه وخاطبته بلسان حق حيدري فقالت له: (أظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض، وآفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الأسرى أنّ بنا على الله هواناً وبك عليه كرامة، فَشَمَخْتَ بأنفك ونظرت في عطفك جذلان مسروراً أنسيتَ قول الله تعالى: ولا يحسبنّ الذين كفروا إنما نُملي لهم خيراً لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين.
يا يزيد فكد كيدك واسع سعيك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا، فهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين).
إن لذكر زينب سلام الله عليها عبق خاص يذوب فيه طلاب الحق، ولذكر مصائبها أثر عظيم على صاحب كل مصيبة.
فسلام الله عليك يا سيدتي ومولاتي.
منقول عن السيد جواد القزويني