لا بالوثائق والفرمانات تصان الاديان والحريات
لا شك أن ما أُشيع وأُذيع من مشاهد مسيئة لنبى المسلمين سقطة خلقية ونزعة شريرة لم يقصد بها فقط الإساءة إلى ملايين المسلمين حول العالم مع حقيقة أن المسىء يسىء إلى نفسه فى أخلاقه وتربيته وسلوكه مع إدراكنا أن الرسل والأنبياء لاقوا من الإيذاء فى حياتهم ما لا تتحمله الجبال إلا أنهم قدموا المثل والعبرة والقيم والخلق لعل من اتبعوهم وآمنوا برسالتهم يحذون حذوهم ويسيرون على خطاهم ويهتدون بهداهم إلى أن يلحقوا بهم فى آخرتهم.
ومهما قلنا أو كتبنا وهددنا وتوعدنا فسيبقى هناك دائمًا من يخالف ظنًا منه أنه سيُعرف ويشتهر حتى ولو عُرف بعبارة قليل لا بل عديم الأدب وفاقد القيم والأخلاق.
وبالقدر الذى يؤلمنا ويفزعنا أولئك المتطاولون، فإننا ندرك أن المنحدرين خلقًا لا يبالون بما يفعلون بل يزدادون انحدارًا لتحقيق ذواتهم الناقصة والعلاج لا يتحقق بالقوانين مهما بلغت شدتها، فغالبًا ما يحتمى أولئك إما خلف قوانين أخرى
تحميهم كالذين يعيشون فى بلاد لا تقيم لمثل هذه الأفعال وزنا.
كما أن من بيننا من يحتمى بالمنابر ودور العبادة ويعتقد أن حصانتهم فى حناجرهم يساندهم من يصفقون لهم كأنهم أبطال فى ميدان القتال وقد عادوا ليحكوا لنا بطولاتهم ومعاركهم والمحيطون بهم يصفقون ويهللون دون ضابط أو رابط.
إذاً ما هو العلاج؟ يرى البعض ضرورة إصدار قوانين حازمة ورادعة تعاقب مزدرى بالديانات والقيم والعقائد والعبادات أو إصدار الوثائق الداعية إلى الفضائل والأخلاق ورفض التراشق وإساءة استخدام الأبواق فى دور العبادة وعبر وسائل الإعلام وفى المسلسلات والأفلام التى تزدرى الأديان ورموزها ودعاتها.
لكننى أرى أن العلاج لن يأتى بالوثائق الملتهبة ولا بالقوانين والعقوبات المشددة إذ غالبًا ما يحتمى المسىء بوجوده خارج البلاد وقوانينهم لا تجرم مثل هذه الأفعال فالزائر للحديقة الشهيرة بلندن يومى السبت والأحد (العطلة الأسبوعية) يسمع بأذنيه ويرى بعينيه المتناقضات والعجائب فهذا داعية مسيحى يعظ الناس وبيده الإنجيل وعلى مسافة ليست ببعيدة يقف داعية إسلامى يعظ وبيده القرآن وما بين الأول والثانى يقف شخص آخر يحذر الناس من الإصغاء إلى هذا أو ذاك ويلعن الواعظين معًا ويحض على الكفر والإلحاد بإعلانه إنكار كل الديانات ويقف رجل الأمن على مسافة واحدة من الثلاثة لا يتدخل إلا إذا تحولت الكلمات إلى تشابك بالأيدى. فهناك لا تستطيع أن تفرض قوانين تمنع هذا أو تردع ذاك.
أما العلاج الحقيقى لمثل هذه الاعتداءات فأراه فى تربية أبنائنا فى البيت والمدرسة ونشأتهم على احترام الآخر وقبول التعددية ولا أقول الاختلافات كذلك بمراجعة مناهجنا التعليمية التى لا تحترم الآخر ولا تقبله كمتغير أو كلون آخر من الثقافة والعقيدة.
وفى نفس النهج فعلى دعاتنا وقساوستنا أن يراعوا الله الذى نفتخر أننا له متعبدون ولا نعبد غيره الإله الواحد الذى لا شريك له به وله وحده القدرة والجلال هو المعلن لذاته وبذاته والذى يدعونا إلى نشر مبادىء الحب والعدل والسلام ونبذ الأحقاد والكراهية والعدوان فهو الذى يرى خفياتنا ويجازينا علانية خيراً كان أم شراً.
ليتنا نراجع نفوسنا ومناهجنا التعليمية والخطب والمواعظ والمؤتمرات ودوائر الحوارات مدركين جميعًا أن الله يعلم ما بالقلب وما فى الغيب ولا يحتاج إلى من يحمى رسله أو خليقته فهو قادر وكفيل وحليم وغفور وصبور ويوم الحساب آت فهو قريب فى الدنيا والآخرة
القس
صفوت البياضي