ابن بابويه في أماليه: قال: حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (1) - رحمة الله عليه - قال: حدثنا عمر بن سهل بن إسماعيل الدينوري (2)، قال: حدثنا زيد بن إسماعيل الصائغ (3)، قال: حدثنا معاوية بن هشام (4)، عن سفيان (5)، عن عبد الملك بن عمير (6)، عن خالد بن ربعي (7)، قال: إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه الصلاة السلام - دخل مكة في بعض حوائجه، فوجد أعرابيا متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول: [ يا صاحب البيت (8)، ] البيت بيتك، والضيف ضيفك، ولكل ضيف من ضيفه قرئ، فاجعل قراي منك الليلة المغفرة. فقال أمير المؤمنين - عليه السلام - لاصحابه: أما تسمعون كلام الاعرابي ؟ قالوا: نعم. فقال: الله أكرم [ من ] (9) أن يرد ضيفه.
(قال:) (1) فلما كان الليلة الثانية وجده متعلقا بذلك الركن وهو يقول: يا عزيزا في عزك، فلا أعز منك في عزك، أعزني بعز عزك في عز لا يعلم أحد كيف هو، أتوجه إليك، وأتوسل إليك بحق محمد وآل محمد عليك، أعطني ما لا يعطيني أحد غيرك، واصرف عني مالا يصرفه أحد غيرك. قال: فقال أمير المؤمنين - عليه السلام - [ لاصحابه ] (2): هذا والله الاسم الاكبر بالسريانية، أخبرني [ به ] (3) حبيبي رسول الله - صلى الله عليه وآله - سأله الجنة فأعطاه، وسأله صرف النار وقد صرفها [ عنه ] (4). قال: فلما كان الليلة الثالثة وجده وهو متعلق بذلك الركن وهو يقول: يامن لا يحويه مكان، ولا يخلو منه مكان، بلا كيفية كان، ارزق الاعرابي أربعة آلاف درهم. قال: فتقدم [ إليه ] (5) أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - فقال: يا أعرابي سألت ربك القرى فقراك، وسألته الجنة فأعطاك، وسألت أن يصرف عنك النار وقد صرفها عنك، وفي هذه الليلة تسأله أربعة آلاف درهم ؟ قال الاعرابي: من أنت ؟ قال: أنا علي بن أبي طالب. قال الاعرابي أنت والله بغيتي، وبك أنزلت حاجتي. قال: سل يا أعرابي. قال: أريد ألف درهم للصداق، وألف درهم أقضي به ديني، وألف درهم أشتري [ به ] (6) دارا، وألف درهم أتعيش منه. قال: أنصفت يا أعرابي فإذا خرجت من مكة فسل عن داري بمدينة الرسول - صلى الله عليه وآله -. وأقام الاعرابي بمكة اسبوعا، وخرج في طلب أمير المؤمنين - عليه السلام - إلى مدينة الرسول - صلى الله عليه وآله - ونادى: من يدلني على دار أمير المؤمنين
- عليه السلام -. فقال الحسين بن علي - عليهما السلام - [ من بين الصبيان ] (1): أنا أدلك على دار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - وأنا ابنه الحسين بن علي. فقال الاعرابي: من أبوك ؟ فقال: أمير المومنين علي بن أبي طالب. قال: من أمك ؟ قال: فاطمة الزهراء، (بنت رسول الله - صلى الله عليه وآله -) (2) سيدة نساء العالمين. قال: من جدك ؟ قال: رسول الله - صلى الله عليه وآله - محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. قال من جدتك ؟ قال: خديجة بنت خويلد. قال: من أخوك ؟ قال أبو محمد الحسن بن علي. قال: لقد أخذت الدنيا بطرفيها، امش إلى أمير المؤمنين وقل له: إن الاعرابي صاحب الضمان بمكة على الباب. قال: فدخل الحسين بن علي. فقال له: يا أبة أعرابي بالباب يزعم أنه (3) صاحب الضمان بمكة. قال: فقال: يا فاطمة عندك شئ يأكله الاعرابي ؟ قالت: اللهم لا. [ قال: ] (4) فتلبس أمير المؤمنين - عليه السلام - وخرج وقال: ادعوا إلي أبا عبد الله سلمان الفارسي. قال: فدخل إليه سلمان الفارسي - رحمة الله عليه - فقال: يا أبا عبد الله أعرض الحديقة التي غرسها رسول الله - صلى الله عليه وآله - [ لي ] (5) على (6) التجار. [ قال: ] (7) فدخل سلمان إلى السوق وعرض الحديقة فباعها باثني عشر ألف درهم، وأحضر
(1) من المصدر والبحار. (2) ليس في المصدر والبحار. (3) كذا في المصدر، وفي الاصل: انك. (4) من المصدر والبحار. (5 و 6) من البحار. (7) في المصدر: إلى. [ * ]
[ 116 ]
المال وأحضر الاعرابي وأعطاه أربعة آلاف درهم وأربعين درهما نفقة. ووقع الخبر إلى سؤال (1) المدينة فاجتمعوا، ومضى رجل من الانصار إلى فاطمة فأخبرها [ بذلك ] (2) فقالت: آجرك الله في ممشاك، فجلس علي - عليه السلام - والدراهم مصبوبة بين يديه قد (3) اجتمع إليه أصحابه، فقبض قبضة وجعل يعطي رجلا رجلا حتى لم يبق معه درهم واحد. فلما أتى (إلى) (4) المنزل، قالت له فاطمة - عليها السلام -: يابن عم بعت الحائط الذي غرسه لك والدي ؟ قال: نعم، بخير منه عاجلا وآجلا. قالت: فأين الثمن ؟ قال: دفعته إلى أعين استحييت أن أذلها بذل المسألة قبل أن تسألني. قالت فاطمة: أنا جائعة وابناي جائعان ولا أشك إلا وأنت (5) مثلنا في الجوع، لم يكن لنا منه درهم، وأخذت بطرف ثوب علي - عليه السلام - فقال علي - عليه السلام -: يا فاطمة: خليني. فقالت: لا والله أو يحكم بيني وبينك أبي، فهبط جبرئيل - عليه السلام - على رسول الله - صلى الله عليه وآله - فقال: يا محمد الله (6) يقرئك السلام ويقول [ لك ] (7): اقرأ عليا مني السلام، وقل لفاطمة ليس لك أن تضربي على يديه. فلما أتى رسول الله - صلى الله عليه وآله - منزل علي وجد فاطمة ملازمة لعلي - عليه السلام - فقال [ لها ] (8): يا بنية مالك ملازمة لعلي ؟ قالت: يا أبة باع الحائط الذي
(1) السؤال جمع سائل على وزن فعال. (2) من المصدر والبحار. (3) في المصدر والبحار: حتى. (4) ليس في البحار. (5) في المصدر والبحار: وأنك. (6) في المصدر والبحار: السلام. (7) من نسخة " خ ". (8) من المصدر ونسخة " خ ". [ * ]
[ 117 ]
غرسته له باثنى عشر ألف درهم ولم يحبس لنا منه درهما نشتري منه طعاما. فقال: يا بنية إن جبرئيل يقرئني من ربي السلام ويقول: اقرأ عليا من ربه السلام، وأمرني أن أقول لك ليس لك أن تضربي على يديه. قالت: فاطمة - عليها السلام -: فإني أستغفر الله ولا أعود أبدا. قالت فاطمة عليه السلام -: فخرج أبي في ناحية، وخرج زوجي في ناحية، فما لبث أن (جاء) (1) أبي ومعه سبعة دراهم [ سود ] (2) هجرية، فقال: يا فاطمة أين ابن عمي ؟ فقلت له: خرج. فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: هاك هذه الدراهم فإذا جاء ابن عمي فقولي له يبتاع لكم [ بها ] (3) طعاما. فما لبثت (4) إلا يسيرا حتى جاء علي، فقال: رجع ابن عمي فإني أجد (في البيت) (5) رائحة طيبة ؟ قالت: نعم وقد دفع إلي شيئا تبتاع لنا به طعاما. فقال علي - عليه السلام -: هاتيه. فدفعت إليه سبعة دراهم سود هجرية، فقال: بسم الله والحمد لله كثيرا طيبا وهذا من رزق الله. ثم قال: يا حسن قم معي، فأتيا السوق فإذا هما برجل واقف وهو يقول: من يقرض الملي الوفي ؟ قال يا بني نعطيه (6) ؟ قال إي والله يا أبة. فأعطاه علي الدراهم، فقال الحسن: يا أبة (7) أعطيته (8) الدراهم كلها ؟ قال: نعم يا بني، إن الذي يعطي القليل قادر على أن يعطي الكثير.
(1) في المصدر والبحار: أتى. (2 و 3) من المصدر والبحار. (4) كذا في المصدر والبحار، وفي الاصل ونسخة " خ ": لبث. (5) ليس في المصدر والبحار. (6) في المصدر: تعطيه. (7) في المصدر والبحار: يا أبتاه. (8) كذا في المصدر والبحار، وفي الاصل: أعطيت. [ * ]
[ 118 ]
قال: فمضى علي - عليه السلام - [ بباب رجل يستقرض منه شيئا ] (1) فلقيه أعرابي ومعه ناقة، فقال: يا علي اشتر مني هذه الناقة. قال: ليس معي ثمنها. قال: فإني انظرك [ به ] (2) إلى القيظ (3). قال: فبكم يا أعرابي ؟ قال: بمائة درهم. قال علي - عليه السلام -: خذها يا حسن. فأخذها فمضى علي - عليه السلام - فلقيه أعرابي آخر، المثال واحد، والثياب مختلفة، فقال: يا علي تبيع الناقة ؟ قال علي - عليه السلام -: وما تصنع بها ؟ قال: أغزو عليها أول غزوة يغزوها (4) ابن عمك. قال: إن قبلتها فهي لك بلا ثمن، قال: معي ثمنها وبالثمن أشتريها، (قال:) (5) فبكم اشتريتها ؟ قال: بمائة درهم، قال الاعرابي: فلك سبعون ومائة درهم. فقال علي - عليه السلام - (للحسن) (6): خذ السبعين والمائة درهم وسلم الناقة، المائة للاعرابي الذي باعنا الناقة، والسبعون لنا نبتاع بها شيئا. فأخذ الحسن - عليه السلام - الدراهم، وسلم الناقة. قال علي - عليه السلام -: فمضيت أطلب الاعرابي الذي ابتعت منه الناقة لاعطيه ثمنها، فرأيت (7) رسول الله - صلى الله عليه وآله - جالسا في مكان لم أره (جالسا) (8) فيه قبل ذلك (اليوم) (9) ولابعده على قارعة الطريق، فلما نظر النبي - صلى الله عليه وآله - إلي تبسم ضاحكا حتى بدت نواجذه. قال علي - عليه السلام -: أضحك الله سنك وبشرك بيومك. فقال: يا أبا الحسن إنك تطلب الاعرابي الذي باعك الناقة لتوفيه الثمن ؟ فقلت: إي والله فداك أبي وأمي. فقال يا أبا الحسن الذي باعك الناقة جبرئيل، والذي اشتراها منك ميكائيل، والناقة من نوق الجنة، والدراهم من عند رب العالمين فانفقها ولا تخف اقتارا
(1 و 2) من المصدر والبحار. (3) في المصدر والبحار: القيض، والقيظ هو: الحر الشديد. (4) كذا في المصدر والبحار، وفي الاصل: يغزو عليها. (5 و 6) ليس في المصدر والبحار. (7) كذا في المصدر، وفي الاصل: فلقيت. (8 و 9) ليس في المصدر والبحار. [ * ]
[ 119 ] المصدر
معاجز أمير المؤمنين علي عليه السلام
من كتاب
مدينة معاجز ألائمة الاثنى عشر ودلائل الحجج على البشر
تأليف : السيد هاشم بن سليمان البحراني - رحمه الله -