((وجه واحد يكفي))
المقدمة:
قصة من الشارع العراقي ....اتمنى ان تنال اعجابكم وعذرا للاطاله لكني وانا اكتبها وجدت كم شوارعنا مكتظة بالمآسي لذى قد يطيل عليكم الحوار قليلا فعذرا للقراء....
..الحلقة الاولى...
استيقظ الزوج في صباح الساعة السابعة وعشر دقائق فهرول مسرعاً نحو المغسلة "هيا هيا اسرع" يردد في نفسه, صرخت زوجته التي استيقظت على ضجيج الذي احدثه :ما بالك يا رجل اليوم اراك مستيقظ مبكرا على غير عادتك.نعم يا زوجتي العزيزة الا تعلمي اني بالامس قد قابلت صديقا لي واخبرني ان قسم الوظائف الشاغرة قد اعلن عن وجود وظيفة لي ككاتب للدائرة التي يعمل فيها. استدارت الزوجة وهي تلطم على خدها: كاتب ؟؟قلت كاتب ؟وانت حامل شهادة جامعية! اجابها :نعم ,هذا الموجود يكفيني افضل من لاشيء ٫هذا ان تم قبولي . رد متجاهلا ً كلامها٫ و وبحركة سريعه التهم فطوره واخذ حقيبته الخاصة بالأوراق الرسمية المستنسخة القديمة التي امتلأت من طلبات التقديم المختومة عليها بكلمة(الطلب مرفوض).
نزل بخطوات سريعة تتسابق خطواته فيما بينها ٫كأنها تحاول مسابقة الريح فكما هو معروف ان الثامنة والنصف صباحاً هو( وقت الذروة)٫ فالكل يذهب للعمل والشوارع مزدحمة ودخان السيارات متصاعد والارضية لم تجف بعد من مطر الامس ٫"السباحة في الوحل "كان امل الموجودين للحاق بالدوام الرسمي وسط قلق من حدوث انفجار صباحي كالمعتاد ٫رغم كل ذلك مازال صديقنا يسير بخطوات ثابتة وعزيمة ناظرا الى السماء بفرح كانه اليوم المنتظر , حقيقة لم يتجاهلها بداخله ان الوظيفة لا تليق بشهادته والسنوات التي ضاعت بين الكتب والمذاكرة وحرق الاعصاب ومصاريف المدرسة والجامعة منذ الطفولة حتى التخرج٫ حيث كان العلم هو فقط ماتمكن من اتقانه ٫لغة الحروف ولاشيء غيرها ٫لا احد في نظره افضل من الكتاب صديقاَ و رفيقا َوللمستقبل مصدر رزق٫ هذا ما طمحت اليه عائلته لذا لم يتمكن من مزاولة عمل اخر رغم انه حاول كثيراً لكن باءت محاولاته بالفشل لانه لم يتقن سوى لغة الحروف والفلسفة والرياضيات ٫فالسوق كان له اصحابه ذوي الخبرة في الاحتيال والمعاملة للوصول الى تسويق بضائعهم وكسب الزبائن بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة وصاحبنا تربى على القيم والمبادئ فالسوق كان له اسوء تجربه حيث واجه مصاعب ومتاعب لصدقه ونزاهته التي كانت تعود عليه بالخسارة ليُأنبه صاحب العمل لصراحته المفرطة وعدم تسويق البضاعة بكل الاساليب وان كانت غير مشروعة ٫مما ادى الى مرض صاحبنا والصدمة من كيفية تعامل اصحاب رؤوس الاموال مع السوق خاصة وقت الازمات, نكمل مع تزمير السيارت والاختناقات المرورية ٫ وصلت الحافلة٫ركب صاحبنا بعد صراع دام لمدة خمسة عشرة دقيقة بين سائق الحافلة واحد الركاب المعترضين على زيادة سعر الاجرة فتشابكوا بالايادي واخذ السائق يشتم ويسب والركاب يحاولون تهدأته بين موظفين وطلاب يأملون الاسراع للحاق بعملهم وجامعاتهم وبين ذاك المعترض على دفع الاجرة يذم الحكومة والقائمين عليها وتسيب البلاد والشعوب المتخاذلة التي لا تقف وقفة رجل واحد امام من يسلب حقوقهم ويقتل ابناءهم ويهدم حضارة اجدادهم٫ وبدأ بلعن الاجيال القديمة لتخلفها ورضوخها للمستعمر والاجيال الحديثة التي استقبلت حضارة الغرب بالاحضان بين مقلدين لها وبين متطرفين يقاومون بدون معرفة ولا عقل,لكن صديقنا لم تهتز عزيمته فكان له حس بداخله يخبره بأنه سيكون الوحيد الذي سيتم قبوله للوظيفة ٫فلا احد يمكنه ان ينافس شهادته الجامعية ومعدله الذي جعله ذات يوم من الاوائل على قسمه لكن صلاحيات ابناء الاساتذة كانت اولى بالدرجة الوظيفية التي خصصت له ولبعض زملائه من الطبقة الفقيرة,وبعد معاناة وصل الى المكان المنشود بعد حوالي اكثر من ساعة وربع بين نقاط التفتيش ومرور موكب لاحد المسؤولين الكبار وتوقف الحافلة في كل مرة لنزول احد الركاب او لصعود( العبرية ) كما يلقبهم السائق باللغة العامية,ومازال صديقنا الحالم يحسب في مخيلته مقدار الراتب وزيادة المخصصات حسب الشهادة واضافة الزوجية وعدد الاطفال والـــخ...ماذا سأفعل ؟؟؟(يفكر بصمت )سأسدد الديون وأنتقل لمنطقة افضل وقد أقوم بجمعية لشراء مركبة صغيرة توصلني الى عملي وقد أعمل بها بعد الدوام منها قد اكسب بعض المال لتجديد الفرش ,كل هذه احلام اليقضة صحى منها على صوت سائق الحافلة صارخا : من ينزل بعد ؟؟التقط صاحبنا حقيبته من بين قدميه ونزل وهو يرتطم بالواقفين في الحافلة بين من يدفعه للنزول وبين من يتدافع للحصول على مقعده وبشق الانفس نزل الى المكان المطلوب وبعد ان هندم ملابسه ورتبها نظر متأملاً البناية يفكر اذا ما تم قبوله كيف سيكون شعوره وهو موظف يعمل بها وبينما هو على هذه الحالة هائم بالافكار صرخ حارس الامن الذي كان جالساً امام البوابة :انت !!؟نعم انت؟... ماذا تفعل واقفا هنا!!؟؟ ؟لقد رأيتك وانت تتأمل البناية منذ اكثر من خمس دقائق, سوف ابلغ عنك اذا لم تعترف الى أي تنظيم تنتمي؟ اسرع صاحبنا يهدأ الحارس ويمسك بيديه يقسم بانه مجرد مواطن عادي جاء ليقدم على وظيفة اعلنت عنها هذه الدائرة واخذ يسرد له القصة وابطالها هو و صديقه الذي يعمل هنا كيف علم بأمر الوظيفة مقابل مبلغ اعطاه هدية مقابل هذه المعلومة القيمة واخذ يفتح حقيبته ليخرج اوراق رسمية مختومة تثبت انتماءه الى بلده وانه يعيش فيه ويفخر به ومسقط راسه الذي طالما رفع رأسه عالياً احتفاء بانه ينتمي اليه لانه وطن لا شبيه له وشعبه بطل يتحدى الموت ويصارعه كل يوم ولم يكتفي حتى جعل الموت صديقا له يزوره كل صباح ومساء ليؤمن مساكن جديدة لابناءه الشجعان فتنام ارضه محتضنه اجساد الطاهرين منهم مغتسلين بدماء قدستها السماء, هز الحارس راسه رافعا يده ووضعها على كتف صاحبنا ضاحكاً :هدأ من روعك ياصديقي٫ أني لم اقصد ان اخيفك لكني احببت ان اعلم من انت ٫وما سبب تواجدك وهذه طريقتي المعتادة في كل مرة تنجح مع الاخرين.. ..واخذ يضحك بقهقهه تشوبها قحات متتالية من السجائر التي كانت يتصاعد دخانها من فمه البنفسجي واسنانه السوداء المتآكله من اثر تلك السيجارة التي بانت انها قد صاحبته عمر طويل حتى امتزجت به , اما بالنسبة لصاحبنا كان ينظر اليه بذهول ,خائف ان يضحك معه ام يبكي لمزاحه الذي جفت دمائه له ٫فلم يعد قادرا حتى على ان يرفع قدمه خطوة الى الامام قد يسقط حينها,اسرع الحارس وتناول مقعده واجلسه :تفضل يا اخي بروية اجلس اجلس..فأنا أحب المزاح لا اكثر..لعلمك ان الموظفين عادة مايتأخرون ومدير الدائرة لا ينهض مبكراً..استدرك قائلاًوهو يربت على رجله بحسرة: لما يستيقظ مبكرا ولديه حارس في البناية ..ثم رجع لقهقهته :انه عملي انا ان استيقظ مبكراّ بدلاّ عنه فأنا بلا فخر احفظ المكان وعملي مهم جدا ..اضافة انه يتيح لي ان اعرف كل من في البناية ومايحصل بصغيرة اوكبيرة وبدقة وتفاصيل اكثر من المدير نفسه ...هاهاها ..ونتيجة لعملي لدي معارف كثيرين واعرف كل التفاصيل عنهم..توقف ليلتقط نفساُاخر من تلك السيجارة التي لم يتبقى منها شيء....بعد دقيقة صمت :اخبرني هل جئت لتقدم على الوظيفة الشاغرة ككاتب صح؟اجابهُ صاحبنا بلهفة :نعم....نعم ..ارجوك هل لديك أي معلومة عن تسرب خبر هذه الوظيفة..؟؟فصديقي اخبرني لا احد على علم بالموضوع سوى هو والمدير...لكن كيف علمت بها؟؟
اها ..الم اخبرك قبل قليل بمعرفتي بكل صغيرة وكبيرة..المهم سأسرد لك حكايتها فقد كان سابقا يعمل فيها رجل طيب فاليتغمده الله برحمته استشهد قبل اسبوع وهو يؤدي مراسيم الزيارة الاربعينية.. قل لي هل لديك معرفة قوية بالمكتب؟؟اجابه :ليس لدي سوى صديقي هنا,لكني حامل لشهادة جامعية ومن الخمسة الاوائل .اذن ليس لديك فيتامين واو وتريد ان تحصل عليها بتحصيلك الجامعي ارجوك اخبرني اتعيش في هذا البلد مؤخراً ام انك كنت في الخارج؟!!
ولنا تكملة في الحلقة القادمة ان شاء الله...