اوروزدي باك..اول مول في العراق
اليوم وبعد أن ودعت بغداد ألزمن ألجميل وتلاشت صورتها المشرقة تظل الذكريات تطرق الرؤوس باحثة عن كل جميل غادرنا من ذكريات القرن الماضي والتي ربما تبدو وكأنها من قصص ألف ليلة وليلة أو ضرب من الخيال مقارنة بما حصل من خراب للعراق وتحديدا بغداد وخاصة بعد عام 2003,,, ولكن يظل كل جميل فيها يشدنا الى الذكرى دائما ..
تتباهى اليوم بعض الدول الاقليميه بانها تخطوا نحو الحداثه في بناء مجتمعاتها واعمار بلدانها ولقد ذكرت عدة مرات في مقالات ومناسبات سابقه ان العراق كان في القرن الماضي يشكل نموذجا لكل هذه الدول وكان سباقا في كل ماهو حديث فهو اول من فتح الطرق وبنى الجسور واطلق الاذاعه والتلفزيون واشتهر في صناعته البسيطه ولكنها متينه ومرغوبه واليوم نتناول ما يروج له اليوم في دول المنطقه والعراق وما يسمى بالمولات اي اماكن التبضع المتنوعه وعلى شكل اسواق كبيره تحتوي على اقسام متنوعه لكل ما يحتاجه المتسوق ..
لقد كان العراق سباقا بانشاء اول ( مول ) مركز للتسوق المتنوع كما هو موجود اليوم من هذه المراكز في بغداد واقليم كردستان وبعض المحافظات وعند العوده الى التاريخ القريب في مطلع الثلاثينات من القرن الماضي نجد ان العراق اسس اول مول في الشرق الاوسط و البحر الابيض المتوسط من دول عربيه وايران وباكستان والهند وغيرها من الدول عدا مصر فقد سبقت العراق في هذا المجال ,, هذا الصرح هو ( اوروزدي باك ) الذي انشأ قبل حوالي ثمانون سنه ,, هذا الانجاز الذي كتب عنه بعض الاخوه ولكن لم يذكر احد انه كان الثاني في المنطقه العربيه بعد عمر افندي في القاهره واليكم قصة هذا المول ..
لقد ذكر البعض تفسيرات لاسم ( اوروزدي باك ) ومنهم من قال انها ترجمه لجمله انكليزيه هي ( Ouer Day Bag ) اي سلتنا اليوميه ومنهم من قال انه اسم لشركه هنغاريه متخصصه بهذا النمط من التسويق وآخرين نسبوها الى جنرال يحمل الاسم واعتقد ان التفسير الصحيح هم اسم لشركه لاعلاقة لها بسلتنا اليوميه بدليل ان نص الاسم باللغه الانكليزيه الذي كان على واجهة الاسواق هي ( OROSDI BAC ) وهي شركه فرنسيه متخصصه بهذا المجال من الاعمال ,, اي كان التفسير فقد وضع العراقيين لها اسما وهو ( الاوروزدي ) وشاعت هذه التسميه بين الناس ..
لقد كان شارع الرشيد او الشارع الجديد هو عصب الحياة في بغداد العاصمه لكونه الوحيد بهذه الصيغه والطول وانشأت على جانبيه الكثير من المؤوسسات التجاريه والمحلات والاسواق واصبح نبض الاقتصاد العراقي وتجارته ,, وفي بداية الثلاثينيات من القرن الماضي قامت شركة عمر افندي في مصر بالتفكير بفتح فرع لها في بغداد واجرت مفاوضات مع مالك الارض المجاوره لجامع السيد سلطان علي والتي تقع على شارع الرشيد وعلى نهر دجله والتي تعود الى عائلة ( قره علي ) وفيها تكيتهم المساة باسهم بعد تفاوض تمكنت الشركه من تأجير الارض على المدى البعيد ثم تم شراء الارض لاحقا ,,تمت المباشره بالبناء وكان الاساس في الاسم هو عمر افندي ولكن تم تبديل التسميه الى اوروزدي باك وهو الاصل في اسم عمر افندي ايضا .افتتح اوروزدي باك في بداية الثلاثينات من القرن العشرين ولم اجد تاريخ محدد وباشر اعماله بنفس الصيغه والاسلوب الذي تعمل بها المولات الحاليه واليكم وصفا لهذا المنشأ :
بني اورزدي باك على ارض كانت فيها قهوة ومسافرخانه(فندق) و مربط للخيل وهي ارض واسعة المساحة حدودها کما يلي من الامام شارع الرشيد ومن الخلف نهر دجلة و من الجانب الايمن ( وانت تواجه البناية) من جهة جسر الاحرار ملك بيت الباججي ومن الجهه اليسرى مدرسة قره علي و تكية قره علي وجامع علي جلبي (جامع سيد سلطان علي) ودور بيت قره علي وكان الاتفاق الاولي على شكل ايجار طويل لمدة سته وثلاثين سنه ثم استملك بعد ذلك ..
يتألف اوروزدي باك من طابقين واجهتها تطل على شارع الرشيد بطول يتجاوز 100 متر ويستند الطابق العلوي على دعائم كونكريتيه تجد اسفلها الباب الرئيسي للدخول وعلى جانبي الباب معارض زجاجيه ( فاترينات يصل عددها الى اكثر من اثني عشر خانه وفي الطابق الارضي تجد بضائع كهربائيه واجهزة تصوير والعاب ومكتبه ومواد غذائيه متنوعه وفي الطابق الاعلى تجد العطور والملابس وكافتريا للراحه وتناول المشروبات الساخنه والبارده ,, وفي الخلف يطل على نهر دجله .
امتاز اوروزدي باك بوجود كل ما هو مطلوب للمتسوق الاجنبي والعراقي والحقيقه تقال ان رواد السوق كان اكثرهم من الاجانب والدبلوماسيين والاغنياء وقله قليله من الطبقه المتوسطه واما الطبقات المسحوقه فلم تكن تفكر يوما بزيارة مثل هذا السوق وهذه الحاله موجوده لحد الان في العراق وبعض البلدان المجاوره وان حصل ان زارت عائله فقيره لمثل هذه الاسواق اما ان تكون لغرض التفرج او لشراء حاجة في مواسم التخفيض .
ويحكى ان المغفور له الملك غازي الاول(ملك العراق 1933 – 1939) كان قد زار اوروزدي باك وشاهد سياره ( انكليزيه نوع أم جي ) سبورت رياضيه وبلون احمر وكان يعشق السيارات واراد ان يشتريها وطلب من وزير الماليه ان يسلفه مبلغ 300 دينار تقسط على راتبه ولكن وزير الماليه رفض لعدم وجود بند في الميزانيه يسمح بذلك اضافة الى عدم توفر الاموال وبعد ايام شاهد الملك احد اولاد الاغنياء يقود السياره في بغداد ..
ظل اوروزدي باك مكانا رائعا للتسوق لغاية عام 1970 حيث تم تأميم واستملاك الارض بعد ان عانى اوروزدي من قرارات التاميم في عام 1964 في عهد الرئيس المرحوم عبد السلام عارف وتحديد الاستيراد ومنع تداول بعض المواد الا عن طريق مصلحة المبايعات الحكوميه التي تولت المواد الغذائيه وبعض مستلزمات الاستهلاك .
تحول في عام 1970 الى منشأه تعود الى وزارة التجاره واصبحت مفتوحه للجميع ولكن ظهر عليها الهبوط في المستوى والانواع وقلة المعروض وتحديد العدد وكثرة الطلبات ..
الاسواق المركزيه
في عام 1975 ومن ضمن الخطه الانفجاريه الخمسيه تم بناء عدد كبير من المولات سميت بالاسواق المركزيه واستحدثت لها مديريه عامه في وزارة التجاره واصبح اوروزدي واحدا منها في خطة الاسواق لمدينة بغداد ( سوق الرشيد ) اضافة الى ( سوق المنصور /سوق الثلاثاء /سوق العدل / سوق الشعب / سوق الصالحيه /سوق الكراده ) وتم بناء مثل هذه المولات في جميع المحافظات وبعض الاقضيه واستحدث نظام الوكيل للاسواق المركزيه يتمكن من الحصول على البضائع من مديرية الاسواق كمنفذ اضافي ..
في فترة الحصار كانت هذه الاسواق تزود بعض من الحاجات للعائله وتحولت اكثرها الى منفذ لتوزيع مفردات البطاقه التموينيه وبعض المواد للمشتركين وخاصة الموظفين وفي عام 2003 نهبت وحرقت هذه الاسواق وكان في مقدمتها اوروزدي باك ونهبت مخازنها وحطمت اثاثها ومرافقها وهي جاثمه لحد الان اشبه بالانقاض بدون ان تعاد لها الحياة ,, هذه المولات التي كانت تعتبر طفره في الاعمار والحداثه على صعيد المنطقه قبل اربعين سنه والتي سبقت كل دول المنطقه في هذا المجال ...
لايزال الكثير من البغداديون يسمون هذه المرافق او عند تذكرهم لهذه الاسواق يطلقون عليها اسم ( الاورزدي
كاردينيا