بات واضحاً أن استقالة الاخضر الابراهيمي كمبعوث دولي الى سوريا كانت منتظرة منذ مدة، لاسيما بعد فشل وساطته بتحقيق خرق في جدار الازمة السورية، وفي ظل انسداد افق اتفاق جنيف، فعلاقات الابراهيمي بالحكومة السورية لم تكن "سوية" منذ تعيينه، وشابها الكثير من الاخذ والرد وعدم ثقة متبادلة، رغم ان الاخيرة اتاحت امامه اكثر من فرصة ليثبت حياديته، توخياً لتحقيق التسوية السياسية المأمولة، غير ان المبعوث الاممي الذي جذب الانظار اليه اواخر الثمانينات حينما نجح بتتويج الحرب الاهلية اللبنانية بـ"اتفاق الطائف" لم يتلقف تلك الفرص، وفشل في ايجاد مخرج للازمة السورية من بوابة "جنيف"، فكان جنيف الاول والثاني والثالث ..لكن دون جدوى.. وكان مصيره كسلفه كوفي انان، وهو ما دفع الاعلام السوري لنعته بـ"السائح المعمر الذي تصفر يداه من اي انجاز"، فهل تعني استقالته نعياً لاتفاق جنيف 2؟، وأي مسار سياسي ستسلكه الازمة بعد ذلك؟.
ابو عبد الله : استقالة الابراهيمي فشل للخيار الاميركي السعودي
المحلل السياسي الدكتور بسام ابو عبد الله، علّق في حديث لموقع "العهد" الاخباري على استقالة الابراهيمي، واصفاً اياها بأنها تعبير عن فشل الخيار الاميركي السعودي الذي كان يمثله، ولافتاً الى ان استقالته كانت بمثابة انتهاء لمرحلة وبدء مرحلة جديدة.
وحول مصير "اتفاق جنيف"، اعتبر عبد الله ان "الاتفاق "اصبح خلف ظهورنا" في ظل التطورات الداخلية السورية، وفي ضوء العلاقات الاميركية الروسية المتوترة، على خلفية احداث اوكرانيا، وأشار الى ان الميدان والواقع السياسي في سوريا تجاوز هذا الاتفاق، لاسيما عقب انكشاف ادواته ومنها "ائتلاف الدوحة"، بعدما كان يشكل واجهة للتفاوض مع الدولة السورية من قبل واشنطن التي كانت تريد استخدامه جسراً لتفخيخ النظام السياسي السوري لكنه سقط، لاسيما انه عندما وضعت وثيقة جنيف عام 2012 لم تكن الظروف هي ذاتها اليوم في الـ2014 بعد سقوط دماء شهداء سوريا".
وفيما لم يعر عبد الله اهمية للحديث عن مبعوثين دوليين اخرين الى سوريا، اعتبر ان اهم ما تقوم به سوريا اليوم هو المصالحات الوطنية والتسويات فهذا برأيه أهم من جنيف 2 و3 و10 لانه لا يمكن رهن الدولة السورية لارادة دول غربية معادية اصلاً للشعب السوري وانتظار اوامرها حتى نقيم انتخابات او لا نقيم.
وفي هذا السياق، وفيما يشير عبد الله الى ان تحديد موعد الانتخابات الرئاسية في الرابع من حزيران هو من أجل فرض الارادة الشعبية في سوريا على أي املاء خارجي، يؤكد ان الدول الغربية ستسعى لفتح قنوات اتصال مع الحكومة السورية بعد الانتخابات الرئاسية، لافتاً الى ان الاخيرة لا تغلق عادة الابواب الدبلوماسية على الاطلاق، ولكنها تتعاطى في الدبلوماسية من موقع قوة وهي تعاطت مع كل المبادرات التي طرحت ولكن بحسب التطورات فقد اصبح الواقع اليوم في مكان اخر غير جنيف تماماً.
فما بعد الانتخابات ليس كما ما قبلها بحسب عبد الله، فـ"القوى الغربية لن تقف عند حدود معينة وستبقى تحاول عبر القوى الناعمة بعد فشل الخيار العسكري وخيار الارهاب، لكن لحظات ما بعد الانتخابات ستكون بالتأكيد النقطة الفاصلة بين مرحلة واخرى سواء على الصعيد الاقليمي او الدولي، ففيها سنعرف من هو الرئيس السوري الجديد وعلى ضوئها سيكون اعلان المسمار الاخير في نعش الارهاب والمشروع الكبير الذي أراد تدمير سوريا، وما بعدها ستضطر القوى الاقليمية والدولية للتعاطي مع الدولة السورية بشكل تدريجي قد يبدو خجولاً في البداية، لاسيما في ضوء الحديث الجاري عن محاولات من قبل البعض لاحياء القنوات الامنية مع سوريا، فيما تصر دمشق على انه لا اتصال أمني معها على الاطلاق لانها ليست بحاجة لها في الاساس، وهذا الكلام أكده الرئيس السوري بشار الاسد عندما التقى بمجموعة اساتذة العلوم السياسية في جامعة دمشق، حيث قال:"نحن لسنا بحاجتهم هم بحاجتنا وبالتالي أي تعاون أمني لا بد ان يرافقه عودة للاعتراف السياسي وفتح السفارات والتعاطي بمنطق الدول وليس بمنطق من يعمل تحت الطاولة، فسوريا ليس لديها شيء تفعله من تحت الطاولة".
المحلل السياسي طالب ابراهيم : اتفاق جنيف اضحى فاقداً للصلاحية
من جهته، وفيما تمنى نائب مدير مركز دمشق للدراسات والابحاث الاستراتيجية الدكتور طالب ابراهيم، لو ان الابراهيمي لم يوجد في مهمة جنيف الدولية لحل الازمة السورية، رأى أن "الظروف التي قادت الى ابرام اتفاق جنيف لم تعد هي نفسها اليوم"، مؤكداً انه "لا بد من تغيير الاتفاق كونه اصبح فاقداً لصلاحية التطبيق على الارض، بعدما تغيرت المعطيات السياسية والميدانية السورية بصورة كلية، في ضوء تقدم الجيش السوري واندحار العصابات المسلحة باستمرار، في وقت بدأ فيه الغرب يراجع مواقفه تجاه سوريا، ويقول في السر اشياء تختلف كلياً عما يقال في العلن".
وفيما اشار ابراهيم الى ان "تقدم الجيش السوري في الميدان يلغي الحاجة الى اتفاق جنيف لأن المؤامرة التي تستهدف سوريا سقطت وتدمرت ادواتها"، قال:"إن اسوأ ما يمكن ان يحصل لبلد وجيش وشعب في العالم حصل في سوريا وواجهناه ونحن عازمون على المضي في هذه المواجهة مع حلفائنا واشقائنا".
وفي الختام، اكد ابراهيم ان الانتخابات الرئاسية ستجري في موعدها، داعياً الغرب لان يرسلوا مراقبين علميين وعقلانيين غير مسيسين وحياديين لمراقبة الانتخابات الرئاسية، كاشفاً أن مراقبين من دول صديقة ومراقبين مستقلين من دول غير صديقة سيشاركون في الاشراف على الانتخابات، مشيراً الى أن كل ما نطلبه هو المصداقية والواقعية فقط لا غير.