بسم الله الرحمن الرحيم
معنى وتفسير قوله تعالى : {وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ .وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ . النَّجْمُ الثَّاقِبُ . إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ .}
الواو من قوله {وَالسَّمَاءِ} واو قسم ، والمعنى قسماً بالسماء وقسماً بالمذنّب الذي طرقها ، والسماء هنا يريد بِها سماء نينوى أي الموصل ، {وَالطَّارِقِ} : الطارق هو الذي يمرّ في الطريق ليلاً أي يسير فيه ، ومن ذلك قول حسّان :
وإنّا لَنُقري الضيفَ إنْ جاءَ طارقاً ---------- مِنَ الشحمِ ما أضحى صحيحاً مُسلََّما
وقالت الخنساء :
ولِلأضيافِ إنْ طَرَقوا هُدوءاً ----------- ولِلجارِ المُكِلِّ وكُلِّ سِفْرِ
والمعنى قسماً بِسماءِ نينوى وقسماً بِمن طَرقها ، ثمّ قال {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ} وهذا تعظيم لشأن ذلك الطارق ، ثمّ بيّن سبحانه ما هو ذلك الطارق فقال {النَّجْمُ الثَّاقِبُ} يعني المذنّب المشتعل ، ومن ذلك قول حسّان :
نُفجِّئ عنّا الناسَ حتّى كأنّما ---------- يلفَحُهمْ جَمرٌ مِنَ النارِ ثاقِبُ
وقال الأعشى يمدح رجلاً :
وُجِدتَ إذا اصطلَحوا خيرَهمُ ------------- وزندُكَ أثقبُ أزنادِها
والزند هو الحديدة التي تُضرب على الحصاة فتقدح شرارات فيشعلون منها النار . يقول الشاعر : نارك أشعل من نارهم وزنادك أقوى من زنادهم ، وهذا مثل ضربه الشاعر بالقوّة والمكر . ولمّا سمع المشركون الوعيد بالعذاب قالوا إنّ الملائكة تحفظنا من العذاب إذا نزل بنا، لأنّنا نحبّ الملائكة ونقدّسها ؛ فنزل قوله تعالى : {إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} ، والمعنى : ما كلّ نفسٍ عليها حافظ لمّا يأتي العذاب ليحفظها منه ، بل الحفَظَة خاصّة بالأنبياء والرسُل والهُداة في دار الدنيا . وقصة هذا المذنّب الذي ذكره الله تعالى في هذه السورة : إنّ نبيّ الله يونس لمّا دعا قومه إلى الإيمان ، وهم أهل نينوى كذّبوه وأبَوا أن يُؤمِنوا ، فدعا عليهم ووعدهم بالعذاب ، فأرسل الله عليهم أحد المذنّبات فطرق سماءهم ، فلمّا رأوه آمنوا بالله وتضرّعوا إليه فدفع الله عنهم العذاب وذهب المذنّب إلى قطرٍ آخر من أقطار الأرض . فهذا معنى قوله تعالى {وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ ...} ، وهذا قسم تهديد ، والمعنى : إن لم تؤمنوا بي وتصدّقوا رسولي ، أرسلْ عليكم أحد المذنّبات كما أرسلتُ على أهل نينوى . وهذا كقوله تعالى في سورة المرسلات {أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ . ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ . كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ .}
------------------------------------------
من كتاب الكون والقران لمحمد علي حسن الحلي