بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
يقول تعالى في محكم كتابه العزيز في حق رسوله الأمين عليه و على آله أفضل الصلاة و التسليم :
" و إنك لعلى خلق عظيم "
فقد كان صلى الله عليه و آله مدرسة في الأخلاق الكريمة مع الأعداء قبل الأصحاب , ونجد الكثير من الروايات عنه صلى الله عليه و آله جسد فيها أعظم قيم الزهد و التواضع و الحلم و لين الجانب , و كذا كان نهج الأئمة المعصومين عليهم السلام , حتى أن حسن خلقهم مع المخالفين قد أدى في مرات كثيرة إلى أن يصبح المخالف من أقرب أصحاب الإمام.
و نحن مادمنا على نهجهم روحي لهم الفداء , فلابد أن نقتدي بهم في كل شيء, و لكن قد يقول قائل , إن البعض من هذه الصفات لا يمكن أن نتحلى بها لأن الإمام معصوم و مسدد من قبل الله و ما نحن إلا بشر نتخبط بين وسوسة النفس و الشيطان؟
و لكن إن كنا نجد أن بعض صفات الأئمة لا طاقة لنا على التخلق بها, فماذا عن أخلاق علماء المذهب الأعلام رحم الله الماضين و أدام ظل الباقين؟؟
قرأت في كتاب قصص و خواطر للشيخ المحقق عبد العظيم البحراني الذي بذل فيه مجهوداً كبيراً ليجمع قصص و أحداث من حياة علمائنا الأعلام سواء المعاصرين أو القدماء , و كل قصة تحمل في طياتها معنى عظيم و عبرة تجعلك في بعض الأحيان تتوقف لتفكر ... كيف يمكنهم أن يكونوا هكذا؟ و كيف تحلوا بمثل هذه الأخلاق؟
بالطبع لن نقول هنا بأنهم معصومون أيضاً و لكن اعتقد ان ذلك قد يرجع لعدد من العوامل:
· عمق الارتباط بالله سبحانه و بأهل البيت عليهم السلام.
· إخلاص النية و العمل لوجه الله فهم لا ينتظرون جزاء و لا شكورا.
· التعلق بالحياة الأبدية في الأخرة مما يجعل هذه الحياة الدنيا بلا قيمة في نظرهم سوى أنها مزرعة الأخرة.
· المداومة على المستحبات و بالأخص صلاة الليل و ترك فضول المعاش.
أذكر لكم بعضاً من القصص الرائعة التي وردت في الكتاب
::: الذي كان لا يأمر لنفسه :::
نقل المرحوم اية الله العظمى أية الله الشيخ عبد الكريم الحائري أن أستاذه الميرزا محمد تقي الشيرازي كان من عادته أنه لا يأمر أحداً بقضاء حاجة شخصية له حتى أفراد عائلته , و قد مرض يوماً فأحضرت له عائلته الكريمة طعاماً خاصاً, فجاء به أحد أولاده الصغار ووضعه عند باب غرفته و رغم أن الميرزا الشيرازي بسبب مرضه كان مسجى على فراشه و لم يستطع القيام فلم يقل لولده هات الطعام عندي, و لما جاءت عائلته المكرمة بعد ساعات وجدت الطعام بارداً لم يلمس فحزنت على ذلك إذ كانت تعلم بأن الميرزا لم يأمر أحداً بقضاء حاجاته الشخصية , و كان ولدها لا يعرف هذه الصفة في أبيه , فكيف أعطته الطعام و لم تقل له أن يضعه في متناول يد أبيه.
::: قضاء حوائج الناس :::
صاحب كتاب الفصول في علم الأصول العلامة أية الله الشيخ محمد حسين الأصفهاني كان من كبار العلماء الكرام , سألوه ذات يوم : إذا علمت أن منيتك قريبة و أنه لا يبقى في عمرك إلا ساعات قليلة, بماذا تشتغل في هذه الساعات؟
قال : أجلس على عتبة بيتي لأقضي حوائج الناس , فلعل محتاجاً يأتيني لحاجة أقضيها له و لو كانت طلب استخارة.!
::: لماذا لم يطرق الباب :::
كان العالم الرباني و العارف التقي الشيخ ميرزا جواد الطهراني مواظباً في أخلاقياته الكريمة أن يراعي أبسط الأمور الإنسانية. تقول زوجته المكرمة انه ذات مرة عاد الشيخ من سفر فوصل إلى البيت بعد منتصف الليل و كنا و الأطفال نائمين, فلكي لا يزعجنا لا يطرق الباب و بقي خلف الباب متكئاًعلى الحائط حتى شعرت بوجود شخص هناك فقمت و تفحصت ثم فتحت الباب له.
::: كباب شم رائحته الفقراء :::
قال سماحة الشيخ فاضل الموحدي : لقد رافقت المرجع الكبير المرحوم أية الله العظمى السيد البروجردي إلى المياه الساخنة قرب مدينة محلات و هي تنفع في علاج الام العظام و كان السيد مصاباً بألم في رجله.
بقينا عدة أيام هناك فلما علم الناس بوجود مرجعهم أقبلوا إليه زرافات و كان أكثرهم فقراء فأمر السيد بشراء كمية من الأغنام و ذبحها و توزيع لحمها على أولئك الفقراء. و عزلوا شيئاً من اللحم يعملون به كباباً للسيد , فعندما وضعوا الكباب على المائدة اكتفى السيد بخبز و لبن و خيار و لم يمد يده للكباب , قالوا له : مولانا لقد أخذ الفقراء حصصهم, فهذا الكباب من حصتكم, لماذا لا تأكلونه؟ أجاب السيد: من المستحيل أن أكل من كباب شم الفقراء رائحته!
فعافت أنفسنا من أكل ذلك الكباب و بالتالي صار الكباب كله من نصيب فقراء تلك المنطقة أيضاً