الرجوع للعلماء وسؤالهم عن الأحكام الشرعية العملية مما جرت عليهسيرة الشيعة وجميع المسلمين من الصدر الأول، وعرف في كل عصر جماعة ممن يتصدىللفتوى، وقد تضمنت النصوص تصدي الشيعة لذلك مثل أبان بن تغلب، الذي قال الشيخالطوسي في حقه بعد أن مدحه وعظمه: (وقال له أبو جعفرالباقر (عليه السلام): اجلس في مسجد المدينة، وأفت الناس، فإني أحب أن يرى فيشيعتي مثلك، فجلس) ومثل معاذ بن مسلم النحوي فقد روى فيحديثه عن الإمام الصادق (عليه السلام): (قال: بلغني أنك تقعد في الجامع فتفتيالناس؟ قلت: نعم، وأردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج. إني أقعد في المسجد فيجيءالرجل فيسألني عن الشيء، فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يقولون، ويجيء الرجلأعرفه بحبكم أو بمودتكم فأخبره بما جاء عنكم، ويجيء الرجل لا أعرفه ولا أدري منهو، فأقول: جاء عن فلان كذا وجاء عن فلان كذا، فأدخل قولكم فيما بين ذلك. قال:فقال لي: اصنع كذا، فإني أصنع كذا).لكن الفقه الشيعي لم يكن متميزاً بنفسه وبفقهائه في الصدر الأول بسببالفتن والمآسي التي مرت على الشيعة، وربما كان الشيعة يستفتون العامة غفلة عنمخالفتهم لأهل البيت (عليهم السلام). وقد اهتم الإمام الباقر (عليهالسلام) بهذه الجهة وبدأ بتثقيف الشيعة بفقههم. وفي حديث عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: (لما حضرت أبي الوفاة قال: يا جعفر أوصيك بأصحابي خيراً. قلت: جعلتفداك والله لأدعنهم والرجل منهم يكون في المصر، فلا يسأل أحداً) وقام (صلوات الله عليه) بما وعد، وبدأ الشيعة يقصدون علماءهم ويرجعون إليهم، وتصدى جماعةمنهم للفتيا، كما أرشد الأئمة (عليه السلام) إلى جماعة منهم، ففي صحيح شعيب العقرقوفي: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : ربما احتجنا أن نسأل عن الشيء فمننسأل؟ قال: عليك بالأسدي. يعني أبا بصير) وفي صحيح عبد اللهبن أبي يعفور: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنهليس كل ساعة ألقاك، ولا يمكن القدوم، ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني وليس عندي كلما يسألني عنه فقال: ما يمنعك عن محمد بن مسلم الثقفي، فإنه سمع من أبي وكان عندهوجيهاً)، كما ورد الإرجاع إلى جماعة آخرين، مثل الحارث بن المغيرة والمفضلبن عمر وزكريا بن آدم ويونس بن عبد الرحمن والعمري وابنه، في أحاديث كثيرة لايسعنا استقصاؤها، وتكامل للشيعة فقههم واستغنوا عن غيرهم ففي معتبر محمد بن حكيم:(قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام): جعلت فداك فقّهنا في الدينوأغنانا الله بكم من الناس حتى أن الجماعة منا لتكون في المجلس ما يسأل رجل صاحبه[إلا] يحضره المسألة ويحضره جوابها فيما منّ علينا بكم…)،وفي كتاب الإمام الهادي (عليه السلام) لأحمد بن حاتم وأخيه: (فاصمدا في دينكما علىكل مُسِنّ في حبنا وكل كثير القدم في أمرنا، فإنهما كافوكما إن شاء الله تعالى).وبدأ فقهاء الشيعة يؤلفون الكتب في الأحكام الشرعية لعمل الناس التيهي أشبه بالرسائل العملية، يحضرنا منها كتاب يوم وليلة ليونس بن عبد الرحمن منأصحاب الرضا (عليه السلام)، الذي ورد عنهم (عليهم السلام) في نصوص كثيرة الثناءعليه وإقرار العمل به، وكذا كتاب يوم وليلة المعروف بكتاب التأديب لتلميذه أحمد بنعبد الله بن مهران المعروف بابن خانبة، ورسالة علي بن بابويه القمي والد الصدوقالمتوفى في عصر الغيبة الصغرى. وما كتاب من لا يحضره الفقيه المؤلف في أوائلالغيبة الكبرى إلا رسالة عملية يرجع إليها من لا يتيسر له سؤال الفقيه، وهي تتضمنفتاوى الصدوق، ثم تتابعت الرسائل للعلماء طبقة بعد طبقة كالمقنعة للشيخ المفيدوجمل العلم والعمل للسيد المرتضى والنهاية في مجرد الفقه والفتوى للشيخ الطوسي قدسالله أسرارهم الزكية وغير ذلك مما لا يحصى كثرة.