بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وال محمد


الغفله ..... 2


{ قال فبعزتك لاغوينهم أجمعين * الا عبادك منهم المخلصين }

بعد ذكر العوالم نريد هنا ان نثبت ان الانسان موجود مجرد . مع الاقتصار على اقل البراهين العقليه .
1 - دليل التجرد الملكوتي : عرفنا في المنطق ان الكلي موطنه الذهن , وينطبق على الافراد الكثيره التي تسمى جزئيات ذلك الكلي .
ان كل موجود خارجي يلحظ تاره بلحاظ هويته واخرى بلحاظ ماهيته ,
اما هويته فهي وجوده الشخصي الخارجي وهو واضح .
واما ما هيته فهي حقيقته الذهنيه التي ذاتياتها الجنس الجنس والفصل .
وهذه الحقائق سابقه وجودآ على الوجودات الخارجيه وهو الظاهر من قوله تعالى : { واذ اخذ ربك من بني ادم من ظهرهم ذرياتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامه انا كنا عن هذا غافلين } . حيث لا ماده , بل عالم المجردات .
هذا ينفي اشكال ان الكلي يجب ان يكون منتزعآ من مجموع جزئيات . لان هذا الكلام يجري في عالم الماده والخارج , اما في عالم المجردات فلا , اذن هذه الدنيا عباره عن محطه لا بد ان نعبرها بسرعه وبسلام لنرجع الى ما كنا عليه من تجرد , كما قال النبي - صل الله عليه واله - (( ما خلقتم للفناء , بل خلقتم للبقاء )) .
اذن الانسان مجرد وليس بمادي , ولا بد ان ننفي كل التشخصات الماديه عنه تمهيدآ للانتقال من الجزئي الى الكلي .
2 - دليل التجرد العقلي : العقل يدرك الكليات , ولا حد لا لادراكه ( بالنسبه الى المعلومات التي يمكن ان تعلم ) والمعلومات التي يدركها غير متناهيه , فالعقل يستطيع ان يدركها , فاذا كان الفعل الصادر من الانسان غير متناهي فيلزم ان يكون الانسان غير متناهي ايضآ لوحده السنخيه , كما ان الفعل الصادر من الله سبحانه غير متناه لانه تعالى غير متناه .
الانسان موجود مجرد لانه يتعقل المجردات , اذ كل عالم مجرد وكل مجرد عالم .
وقد ورد عن النبي الاكرم - صل الله عليه واله - (( أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه )) وعن أمير المؤمنين - عليه السلام - (( من عرف نفسه قد عرف ربه )) .
وهاتان الرويتان تدلان على امكان المعرفه بل وقوعها , لان النصوص الشرعيه قد اثبتتها , هذا وان معرفة النفس المجرده المستتبعه لمعرفة الباري تعالى أمر مشكك دل عليه ( أفعل ) التفضيل في الروايه الاولى , كما تعرف بان المعلوم مجرد وكذا العالم وهو دليل سوف نتمسك به على ملكوتية الانسان وتجرده .
اعلم ان نفس الشيء ذاته وهي التي يشير اليها كل احد بقوله : انا , يعني من عرف نفسه بالامكان والحدوث والعجز والاحتياج فقد عرف ربه بالوجوب والقدم والقدره الكامله والاحتياج اليه , فمعرفة النفس دليل كاف في معرفة الله تعالى , فمن لم يعرف نفسه ولم يستدل بها على الصانع مع انها اقوى الادله واقربها , فكيف يعرف ربه بدليل اخر ؟!
قال بعض العلماء , الروح لطيفه لا هوتيه في صفه ناسوتيه , داله من عشرة أوجه على وحدانيه ربانيه :
1 - لما حركت الهيكل ودبرته علمنا انه للعالم من محرك ومدبر .
2 - دلت وحدتها على وحدته .
3 - دل تحريكها للجسد على قدرته .
4 - دل اطلاعها على ما في الجسد على علمه .
5 - دل استواؤها الى الاعضاء على استوائه الى خلقه .
6 - دل تقدمها عليه وبقاؤها بعده ( الجسد ) على ازله وابده .
7 - دل عدم العلم بكيفيتها على عدم الاحاطه به .
8 - دل عدم العلم بمحلها من الجسد على عدم أينيته .
9 - دل عدم مسها على امتناع مسه .
10 - دل عدم ابصارها على استحالة رؤيته . ( بحار الانوار العلامه المجلسي ج/58ص/99 -100 )
وقال بعض الاكابر : قول امير المؤمنين - عليه السلام - (( من عرف نفسه فقد عرف ربه )) معناها انه كما لا ينكن التوصل الى معرفة النفس اعني الروح كذلك لا يمكن التوصل الى معرفة الرب . ( شرح الكافي مولى محمد المازندراني ج/4 ص/120 )
الانسان موجود أمري لا خلقي : اي موجود ملكوتي لا ناسوتي .
ويوضح هذا الامر ما ورد عن الامام الصادق - عليه السلام - انه سئل عن الايه { وان منكم الا واردها } . فقيل له : انتم ايضآ ؟ فقال - عليه السلام : (( جزناها وهي خامده )) . وهذه الروايه توضح الوجود الحقيقي السابق لهذ الوجود بالنسبه لجميع الموجودات وبالاخص الانسان .
وهناك توضيح لهذه الروايه ذكره الملا هادي السبزواري في شرح الاسماء الحسنى : ( لكون باطن الدنيا هو جهنم كان المراد بالورود على النار في قوله تعالى { وان منكم الا واردها كان على ربك حتمآ مقضيا } هو الورود على الدنيا , ولذا حيث يسئل عن شموله لهم - عليهم السلام - قال عليه السلام : (( جزناها وهي خامده )) يعني لم ينشب فينا مخالب الدنيا ولم نقع في اشراكها ولم يتعلق باذيالنا ايدي علايقها .
مرادنا بكون جهنم باطن الدنيا صورة جهنم وظاهرها انه اذا فتشنا عن حال الدنيا وما دخل فيها بالذات لم يبقى لها من هذا العالم المادي الا الشرور والآفات والحدود والقصاصات
وبعباره اخرى : ان الائمه - عليهم السلام - عبروا الدنيا ولم يتلقوا بها ( وهي خامده ) فمن لم يجزها وهي خامده وقع فيها وهي ملتهبه , لانه تعلق بالدنيا .
روى الجمهور عن النبي - صل الله عليه واله قال : (( لولا تكثير في كلامكم وتمريج في قلوبكم لرايتم ما أرى ولسمعتم ما اسمع )) وقال - صل لله عليه واله - : (( لولا الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا الى الملكوت ))
وبذا يثبت تجرد الانسان وان ما وراء هذه الوجودات الشخصيه وجودات تكون هي الوجود الحقيقي وهو محط الاهتمام والاعتبار .
والحمد لله رب العالمين