إلى القارئ المجهول
ستجد كل مصادر النور المحتملة في القصيدة
لأن تتابع الليل والنهار لن يتوقف حيث يورق اليأس.
إنه العراق…العظيم
أيها الفضاء الأحمق
كلمات عند شاهدة قبرها
ستختفي
ذات يوم قصيدة
وستقلبون كل حجر
باحثين
عن بقعة نهار
في ليلها السرمدي
موعظة بدوية:
لا تنتظري مد البحر
ولا جزره
أنت قربان الصحاري
فحسب…!!
أيتها الرمال
يزوره الغبار
وتحط على رأسه
الشظايا
والبقع الحمراء المتقدة
الذاهلة
والرايات البيضاء
بعثراتها
وبعثرتها
والنقود المتسخة المخالب
في الركن المعتم
يلتصق جسده
كل يوم
بلزوجة أنين المدينة
ينفصلان
كعودين
متوازيين في عتمة
البردي
ومتاهة الأهوار
ينفصلان
وتسقط
عمامة التاريخ
دع لي ما تبقى
من قلعة سكر(1)
من نهايات سدرة
في الأرض
من انتظار بين القصب
لطيور تعود
من ذكريات حب
شبقه كان البراءة
سوق عكاظ
يحتضر
والبضائع تختنق
في (مول) البداوة (2)
أعلنت بضائعه الكساد
وجيوبه الممزقة
تزدرد بؤس الحجيج
بضعة بروق للكلمة
وسماء ماطرة
والسطر مجهول
والجثمان ما انفك
على الأكتاف محمول
زهرية الزجاج
لا ترث أغصان الشجر
تنحسر تضاريس
الخديعة
تفترش الجيوش قتلاها
بلا انتهاء
وتبيت الهزيمة
كغنيمة نصر وحيدة
تبدد عريها
كدخان حريق
تحت رايات استباحة
نفر سرواله المدجج
أي ماس متوهج
سيتوجها
ملكة فحيح الذكورة؟
عشبة لفظت
جثة التراب
ونسيم يتدثر
بذعر هوجاء
إلا هناك ما يدعونه
وطني؟
السحابة النحيلة
ساذجة قطراتها
تمد عنقها
من بين أغصان البرق
تتدلى ضفائرها
وأقراطها المتمايلة
عشرون جنيها
كل الثمن
ويقطف نخاس الخليج
الصبايا
و ينحسر جوي كور (3)
نافذ الصبر
ينحسر..
ينسكب الصباح
هنا وهناك
من وعاء
بائع متجول
و تُزهق رائحة الغد
في زحمة اللهاث
في الليل المرتعد
غربة
يفتح نهار
جفنيه
افتح حقيبتي
لنثيث الثلج
وتفر رائحة الحناء
يتحرون عن ذلك
المشبوه
ملابسه الرثة
وعيناه الجائعتان
ترعبان تهدل الكروش
وتدق الأبواب
سنون حصار
امرأة كشتلة عنبر
كغابة قصب
ورجال بلا عدد
يعتلونها
في واد ذلول
لأنها ستمطر
يرتجف صبي الحواسم (4)
يلعن صوت الصفيح
وسور الدار المهلهل
و لا أنشودة للمطر
خلفها
خلفها فحسب
أسير
مبهورا
حاديا
لقوافل السماء
واهبا خطواتي
لبقعة بتول
بضفائر من نخيل
ترقص النساء
عند أقدامها
تنصل اللحى والعمائم
سيقانها المستديرة
تتجلى
في لجة الأعراب
كفضة دجلة
كذهب الفرات
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
(1) قلعة سكر بناها سكر المشلب عام 1863 على الضفة اليسرى لنهر الغراف.
(2) المول سوق يحلو للمترفين أن يسموه بهذا الاسم.
(3) جوي كور هو نهر عظيم تحول إلى ساقية تدعى بجيكور تقوم قربها قرية الشاعر بدر شاكر السياب في أبي الخصيب.
تقول كتب التاريخ أن الموفق حين حاصر علي بن محمد صاحب الزنج للقضاء على ثورته رست سفنه الحربية على ضفاف هذا النهر وكان جزءً من مسطحات مائية هائلة في جنوب العراق، فأية كوارث قد حلت بهذا البلد ليصبح جوي كور ساقية صغيرة وربما يختفي ذات يوم؟.
(4) الحواسم هو الاسم الذي أطلق على كارثة الخليج الثالثة ثم أضيفت الكلمة إلى القاموس العراقي اليومي واشتقت منها عدة مفردات لتصف كل ما تم الاستيلاء عليه دون وجه حق، وهنا تعني المناطق العشوائية التي سكنها مهجرو الشيعة والسنة من أبناء العراق وبيوتها مبنية من الصفيح وقطع البلوك.
………………………