عـقــائــد ألأكـرأد الـديـنـيـة عـبـر الـتـاريـخ
المناطقُ التي يقطنها الكرد تقع في خضم ثقافي فطري. وهي لا تشمل جنوب شرق الأناضول الممتد من جبال الآمانوس مروراً بمرتفعات طوروس في الجنوب الشرقي حتى المرتفعات في الشمال السوري فقط. بل تبدأ من غرب جبال الآمانوس حتى خليج البصرة شاملةً جبال زاغروس و شمال غربي إيران.
منذ ثلاثة آلاف عام و العشائر الآرية تعيش في هذه المناطق. تجد آثار العقائد الآرية في صلب المعتقدات الكردية. فقد حافظ الكرد منذ أقدم تواريخهم على هذه المعتقدات و أظهروها في قصصهم و ملاحمهم. ففي عصر العقائد الآرية المتعددة الآلهة ظهرت ثنائية الإله, فعندما ننظر في الصفحات الأولى نجد الإله الهوري ساوشكا(Sawu?ka) إله الحب و الحرب.
حين يظهر ساوشكا جانبه الأنثوي في الحب أما في ناحيته الحربية فهو يظهر وجهه الذكوري. و بهذه الطريقة يعبر ساوشكا عن الثنائية في روحه. و نرى هذه الثنائية في الإله الميدي ?ايا(Vaya) إله الحياة و الموت لدى الميديين. و قد أوصل الشعب الكردي ثنائية الآلهة المتعددة إلى يومنا هذه من خلال قصصه, و نتائج الأدب الكردي الخالد مثل{سيامند و خجى} واحدةً من هذه القصص. فالشعب الكردي يظهر هذه الثنائية المتعددة الآلهة التي تستمد أصولها من عشائر ذلك العصر في هذه القصة بشكل واضح. سيامند بطل القصة يظهر هذه الثنائية في تصرفاته بشكل واضح. كان سيامند قد خطف حبيبته خجى و هرب بها من وجه إخوتها السبعة. و في قمة جبل سيبان(Sîpan) صادف قطيعاً من الماعز الجبلي, و شاهد كيف أخذ ماعز بري فتي من القطيع معزاة برية لنفسه من باقي الذكور و انفصل بها عن باقي القطيع. فهب ضد "هذا الظلم" غير مصغٍ إلى توسلات خجي و مضى يريد إبعاد المعزاة البرية عن الذكر, فهاجمه ذكر الماعز و تصارعا هناك قليلاً حتى تغلب سيامند على الماعز و طرحه أرضأً و انكب عليه يريد ذبحه ليأخذ رأسه إلى خجي فما كان من ذكر الماعز إلا أن رفس بظلفيه الخلفيين صدر سيابند الذي تدهور إلى أسفل المنحدر الذي كانا يتصارعان على حافته. فانغرز وتد من أجمة على المنحدر في صدر سيامند و سلم روحه إلى الله في الحال. أما خجي فقد رمت بنفسها من أعلى المنحدر إلى أسفل الوادي . هذه الواقعة تظهر الثنائية في تصرفات سيامند الذي كان في القصة مرة في خير المواقف و مرة في أسوئها مرة وقف في وجه الهمجية و البدائية و مرة ارتكب بنفسه همجية و بدائية كبيرة, فسيامند هو ثنائية الشعب الكردي التي استمدها من القبائل الآرية.
تبدأ عقائد القبائل الآرية تاريخياً من تعدد الآلهة الذي حافظ على وجوده طويلاً بين الأكراد. و بمرور القرون تحولت هذه المعتقدات ولكن العقائد الجديدة حافظت ضمنياً على العقائد القديمة واستمرت بها إلى يومنا هذا.
فإذا أردنا التعرف على هذه العقائد فعلينا تصنيفها لعصور. هذه العصور:
1_عصر عقائد تعدد الآلهة.
2_عصر الأولياء المعتبرين في منزلة الآلهة.
3_عصر الاعتقاد بالملوك المعتبرين في منزلة الآلهة.
4_عصر السحرة.
5_عصر عقائد التوحيد:
الزردشتية
1_الزردشتية في عصر الأسرة الإخمينية
2_الزردشتية في عهد البارتيين و الساسانيين
العقائد التي ظهرت في عهد البارتيين و الساسانيين
1_المندائية
2_المانوية
3_الهرمزية
4_الإيزيدية
أولاً- عـصـر عـقـائـد تـعـدد الألـهـة:
في هذا العصر أوجدت القبائل الآرية لنفسها آلهة كلية و أخرى منطقية (محلية). و في خارج
هذا الإطار قبل الآريون ببعض آلهة الشعوب الأخرى وسنتناول هنا فقط الآلهة الكلية.
1 _عقائد الهوريين و الآلهة الهورية:
وفقاً لأقدم الوثائق والأساطير الهورية التي وصلت إلى أيامنا, كان آلهة هذه الأساطير غالباً يعيشون بشكل مشابه للإنسان, و لهم كذلك زوجات و أطفال يموتون شأنهم في ذلك شأن البشر. أما البشر فكانوا يعبدون الآلهة كعبيد تابعين لسادتهم. و يعملون ما يستطيعون لسعادة و هناءة
آلهتهم. وهكذا نشأت بين البشر و الآلهة علاقة أخذ و عطاء تطورت إلى شكل عقيدة.
معلوماتنا حول تلك الآلهة قليلة و ناقصة, أما الآلهة الذين توجد معلومات عنهم فهم:
1_الإله تَشوب((Te?ûp: الإله تشوب ابن الإله كُماربي((Kumarbî. تشوب ملك الآلهة, كان قد حصل على المُلك بعد معركة ضارية. أما أسلحة تشوب فهي الهواء و الزوابع و العواصف و المطر و الصواعق و البروق. يظهر تشوب في عربة بأربع عجلات يجرها ثوران فتيان اسم احدهما هوريش ((Hûrî? أي النهار و الآخر شَريش (?erî?) أي الليل وكانا عبارة عن زوج من الآلهة. كانت الإلهة هبات ((Hepat زوجته. و عرف تشوب باسم تَئيشَبا ((Teî?eba بين الهوريين و الأوراتيين.
عُبد تشوب أيضا في خارج بلاد الهوريين , في كزوواتنا بلاد اللووِّيين و في أواسط الأناضول بلاد الحثيين.
فكان يعرف هناك على أنه إله العاصفة. فيمثل في النقوش على لوح يازيليكايا (Yazîlîkaya) و بيده حزمة من الصواعق واقفاً مع أولاده خلف الإلهة هبات.
2_الإلهة هبات (Hepat):الإلهة هبات أحد الآلهة الحورية, و زوجة الإله تشوب. في كتابات مدينة هاتوشاش (Hatû?a?)التي لم تذكرها إلا نادراً و ضمن الكتابات التي كتبت من أجل إلهة الشمس في المدينة آرينا(Arîna)يذكر أن هبات أتت من بلاد الآمانوس التي تعد بلاد الهوريين و الميتانيين أتت إلى إحدى المدن الحثية و توحدت مع آرينا إلهة الشمس. و في خارج هذه المدينة في مركز بلاد الحثيين كانت هبات تعبد أيضاً في مدن( شوموها_ كُماني_
هورما_ أودا_ واشوداواندا_ آبنيشنا_ جلوباشا_ كاتابا…)
مع الإله تشوب. كان سكان تلك المدن تحت تأثير الثقافة الهورية تحت حكم الإله تشوب و الآلهة هبات. فقد تبنى الحثيون الآلهة الهورية. و امتد التأثير الهوري على الحثيين لفترة طويلة من _15001200ق.م في هذه الفترة أطلق اسم هبات على الكثير من الفتيات. و بعد مرور السنوات يرد اسم هبات مرة أخرى في الوثائق البابلية.
تذكر الكتابات في مدينة هاتوشاش اسم شاروما(?aruma) ابن الآلهة هبات و ولديه شارمانيس(?armanîs) و آلونزونيس(Alunzunîs), عُرف شاروما ابن هبات في بلاد الأوراتيين باسم تلعا أما هبات نفسها فعرفت باسم هوبا (Hupa) وزوجها تَيشوب (Teî?up). في الكتابات المسمارية يرد اسم هبات بشكل(Hepat)أما في الكتابات الهورية فورد أحيانا بشكل (Hewat) ولذا ورد اسم حواء في التوراة بهذا الشكل كتحويل لاسم هبات.
غالباً ما يصادف اسم هبات في أسماء الفتيات و النساء في القرن الثاني قبل الميلاد, و من هذه الأسماء: {بودا هَبا(Puda Hepa) _ دادا هَبا(Dada Hepa)_ موساو هبا (Musau Hepa)_ كِلهو هبا(Gilho Hepa)_ كَلوش هبا(Kelû? Hepa)_ أروم هبا(Erum Hepa)_ مَنا هبي(Mena Hepî)_ ساوار هبات(Sauwar Hepat)} اسم آري أيضاً و يعني نور هبات. هذا و يستعمل اسم الإلهة هبات بين الكرد في أيامنا بشكل
هَويHewê
يرد اسم هبات في العصر المملكة الحيثية الكبرى في كتابات يازيليكايا فعلى ذلك اللوح حفرت صورة الإلهة هبات. و تظهر الإلهة هبات على ذلك اللوح ممتطية ظهر نمر و فوق قبضة يدها اليمنى كتب "هبات" بالأحرف الهيليغروفية الحثية. كتبت هذه الكتابات في عهد الملك الحثي هاتوشي الثالث في أواسط القرن الثالث عشر قبل الميلاد.
حفرت صورة هبات أيضاً في وضعية الجلوس على لوح في فرانكتين و قبالة هبات حفرت صورة الملكة بودو هَبا(Pudu Hepa) زوجة هاتوشي الثالث, ولكن هذه الصورة غير مكتملة من الجهة التي توجد فيها هبات و كتب اسمها على هذا اللوح بشكل هيباتو(Hîpatu), و كذلك فقد ورد في الكتابات اسما دانو هبا(Danu Hepa) و بوتو هبا
وهما اسمان هوريان:
في دارَنده في سنوات الألف الأولى قبل الميلاد حفرت صورة هبات على لوح حجري و هي في وضعية الجلوس, و قد تم حفر هذا اللوح من قبل ملك ملاطي لم يعرف اسمه. وكذلك في مدينة غورُن(Gurun) فقد كتب اسم الإلهة على أحد الألواح بشكل كال هيباتيس(Gal Hîpatîs) أي الإلهة المتسامية (المتعالية) هيباتيس.
وعلى لوح يازيليكايا يظهر وراء الإلهة هبات كل من ابنها شاروما(?aruma) و ابنتها مَزولاش(Mezula?) حفيدها زنتوهي(Zintuhî). و خلف الإله تشوب يقف ابنه إنافاش(Inava?) و قد وضع كل رجل على جبل أما الإله تشوب فهو بدوره يطأ كتفي إلهين هما إلها الجبال نامني(Namnî) و هازي(Hazî)
كانت هبات إلهة الجنس و الخصب. فوفقاً لمعتقدات الميتانيين عندما يجتمع تشوب و هبات و يقومان بالفعل الجنسي تهطل الأمطار الغزيرة و منتجة حياة جديدة على وجه الأرض. و تزداد إنتاجية الحقول و تتكاثر قطعان الغنم و الخيول.
3- الإلهة ساوشكا(Sawu?ka): الإلهة ساووشكا أخت الإله تشوب و آلهة الحرب و العشق لدى الهوريين فكانت ساووشكا امرأة من جهة و رجلاً من جهة أخرى, و بكلمة أخرى فإن ساوشكا تعكس معتقداً ثنوياً. كانت مدينة نينوى مدينة ساوشكا الفنية و كان الناس يعتقدون أن تمثالها يشفي المرضى و قد أرسل تمثالها من قبل ملك ميتاني إلى مصر مرتين بناءاً على رغبة لملك الفراعنة أمنحوتب الثالث.
مثلت ساووشكا على لوح يازيليكايا بأجنحة تتجه حوافها للأعلى, بجلباب ممزق تظهر منه ساقاها. تظهر ساوشكا بجانبها الحربي على لوح يازيليكايا بين الآلهة الذكور و مرة بوجه العشق بين الآلهة الإناث و بعدها تقف جواريها حاملات مرايا مستديرة و ساووشكا حاملة فأساً مجنحة أحياناً و أحياناً بغير أجنحة.
4- الإله نريكال(Nerîgal): الإله نريكال إله السماء لدى الهوريين, و كان ذو مرتبة عليا في المجتمع الهوري. و قد بني له معبد في عهد الملك الهوري آتالشان.
2- عقائد الميتانيين و الآلهة الميتانية:
في رسائله التي أرسلها إلى الملك المصري أتى الملك الميتاني توشراتا(Tu?rata) على ذكر الإله تشوب. وكذلك فقد أطلق الملك الميتاني تشوتارنا(Çutarna) اسم كِلو هبا(Gilu Hepa) على ابنته أما الملك توشراتا فقد سمى ابنته بِـ تادو هبا(Tadu Hepa) و بهذه الطريق فقد عرف كل من الملكين الميتانين الشهيرين عن نفسيهما باستخدام اسم هبات. وهو ما يدل على أن الميتانيين قد آمنوا بالآلهة الهورية أيضاً. و عدا آلهة الهوريين فقد كان للميتانيين آلهتهم الخاصة أيضاً. ترد أسماء تلك الآلهة في ملفات الدولة الهورية الحديثة.
ففي المعاهدة التي أبرمت بين الملك الحثي سوبلِوليوما والملك الميتاني ماتيوازا(Matîwaza) كانت الآلهة الميتانية إندرا(Indra) و ميترا (Mîtra) و وارونا (Waruna) و ناستايا (Nastaya) رقيبة على المعاهدة.
ذكرنا أعلاه أسماء الآلهة الهورية التي آمن بها الميتانيون, و سنتعرف الآن على أسماء الآلهة الميتانية الأخرى:
1_الإله وارونا(Waruna):تبعاً لمعتقداتهم فإن الدنيا قد خلقت من قبل هذه الإله و هو الذي يحميها. يقوم هذا الإله بالحفاظ على النظم الأخلاقية و يبارك من يحافظ عليها, و يمنحه الهبات. و من لايتبع الأخلاق الحميدة فسيعدهُ مذنباً و سيجازيه. و فيما بعد سيعرف الإلهة ميترا.
2_الإله إندرا(Indra):يرمز إندرا لاكتمال الإنسان الأسمى. سلاحه البرق. و يحب الشرب كثيراً. كان إلها للآريين قبل أن يكون إلهاً في الهند.
الإله ميترا(Mitra): يمكن اعتماد ثلاث مصادر عن الإله ميترا
1_ ريغ فيدا: كتاب الهنود الديني.
2_ الياشت: 550ق.م.
3_ المعاهدة التي أعلنت بين الملك الحثي سوبلِوليوما والملك الميتاني ماتيوازا.
ميترا هو إله الصداقة و التواصل والنظم والصلح و النور. تلك الحقائق التي تقود حياة الإنسان إلى السلام و الانتظام.و وظيفة الإله ميترا تحقيق وحدة الإنسانية. فهو إله الصداقة و السلام.
3_الإلهة ناساتيا(Nasyta): الإلهة ناسايتا آلهة السماء لدى الميتانيين.
3_ عقائد الأورارتيين و الآلهة الأورارتية:
أهم المستندات الأورارتية اكتشفت في جبل زمزم (Zimzim) شرق مدينة وان. و تخص الملك الأورارتي إشبوني(I?punî) و ابنهُ مَنوا(Menua) (815-790)ق.م. ترد في هذه المستندات أسماء 79 إله بشكل رسمي. و تحتل الآلهة الهورية رأس القائمة. و ضمن الآلهة الأورارتية يرد تييشَبا(Teî?eba) (أي تشوب إله الهوريين) و آلهة أثرية. وبهذه الطريقة نظموا موكب آلهتهم.
الإله خالدي(Xaldî) كبير الآلهة الأرارتية و إله السماء. مع ان هذا الإله كان إله الدولة الرسمي إلا أن آلهة الشعوب الآرية الأخرى قد أخذت لها موقعا في الاتحاد مع الآلهة الأورارتية كوسيلة للأوراتيين للحفاظ على وحدة الدولة و البلاد. غالباً ما يشاهد خالدي واقفاً أو جالساً ممتطياً حيواناً أحادي القرن. و أحياناً يظهر خالدي مجنحاً فاردً جناحيه محمولاً من قبل رماة النبال. و مركز خالدي هو مدينة موساسر(Musasir) التي كانت في جبال هكاري. زوجة الإله خالدي الإلهة آرابوني(Arabûnî) أي السيدة. وهي إلهة العطاء.
أما الإله تييشبا فقد كان يحتل المنزلة الثانية بين الآلهة بعد خالدي. كان تييشبا إله الطقس, و ينوب عن الإله الهوري تشوب. زوجة الإله تييشبا الآلهة هوبا(Huba) و كان تييشبا يظهر ممتطياً صهوة حصان منتصباً على قدميه أو جالساً.
الإله الثالث لدى الأورارتيين هو الإله تشويني(Çiwînî),أما إله القمر لدى الأورارتيين فهو سالاردي(Salardî)
وجد في بلاد الأورارتيين لكل مدينة رئيساً للآلهة مقتبساً من آلهة الهوريين و الحثيين.
و كذلك فقد عرف الإله الهوري ساووشكا في بلاد الأورارتيين باسم سارس.