ميزات أحكام الزواج في تشريع حمورابي
من أبرزالمميزات الحضارية التي يختص بها تشريع حمورابي في أحكام الزواج هي :
_ أن الزواج بامرأة واحدة هو القاعدة المقررة مبدئياً، فلم يكن يسوّغ للرجل أن يكون له سوى إمرأة واحدة شرعيّة
.
_ أن عقد الزواج لم يكن عرفياً، بمعنى أنه كان ينبغي توثيقه بعقد خطي تحت طائلة إعتباره لاغياً، ولاتُعتبر المرأة التي تؤخذسفاحاً من غير عقد زواج موثّق زوجة شرعية
.
_ أن المراسيم الدينية الطقسيةكانت تعقب عقد الزواج ولا تسبقه، كما هو شأن التشريعات المدنية الحديثة، بحيث يُعتبر عقد الزواج عقداً مدنياً خالصاً
_ أن للمرأة حق الطلاق من زوجها ( إذا مقتت زوجها وقالت له " لن تملكني " ينظر القضاء في أمرها ، فإن كانت على حق وتبين خطأ زوجها أمكنها أن تعود إلى بيت أبيها بعد أن تسترد " بائنتها " لأنه لاجناح عليها ولا إثم، أما إذا كانت على خطأ فإنها تُلقى في الماء / المادة 141 / ) بينما كانت الشرائع التي سبقت شريعة حمورابي تورد المرأة التي كانت تقول لزوجها " أنت لستَ زوجاً لي " موارد التهلكة وتُغرق حالاً في الماء، أو يُلحق بها الخزي والعار وتكون غنيمة لمن يشاء، من غير أن يكون لها حق أن تلج باب القضاء
وبالمقارنه مع التشريع الموسوي نلاحظ مايلي:
1_ أن مبدأ تعددالزوجات كان في الشريعة الموسوية شائعاً على الدوام، وما كان القانون المدني أوالشرعي ليعارضه، ومما حدث في الدور الرعائي أنه كان لابراهيم ويعقوب زوجات كثيرات،وأن يعقوب قد تزوج بانتظام الأختين ( لَيئة وراحيل ) وسليمان كان له عدة مئات منالنساء ، وكانت النساء تُنال بالشراء فهي مملوكة لزوجها يشتريها من أبيها، عندالنكاح، فيكون سيدها المطلق
2_ أن سفاح ذوي القربى، أي الزنى بالأخت أوالأم، واللواط والمساحقة ومواقعة البهائم من أكثر الآثام التي كانت شائعة بين الشعب اليهودي. ومافي الفصل الثامن عشر من سفر اللاويين من تحريم لهذه المحظورات، إلاّدليل على ارتكاب اليهود لها على نطاق واسع، بينما عدم النص على تحريمها في معظم الشرائع ومنها شريعة حمورابي، فلعدم الفائدة منه وانعدام وقوعها بين هذه الشعوب
3_ أن المرأة ينظر إليها في الشرع الموسوي دوماً على أنها غاوية، مغرية،رديئة، فاسدة، فهي لاتبرح تحت رحمة زوجها وإن لم تكن عبدة رقّ له، مما حمل أكبرالمدافعين عن التشريع الموسوي أن يعلن " أنه لاسبيل إلى المماراة فيه مبدئياً، أنذلك العهد إنما كان سالباً المرأة حقوقها الشخصية وكرامتها الأدبية
4_ أن التشريع الموسوي كان مثبّتاً لاستبداد الزوج بدليل ماورد فيه من أنه " إذا اتخذ رجلا امرأة وصار لها بعلاً ثم لم تحظ عنده ( لعيب أنكره عليها ) فليكتب لها كتاب طلاق ويدفعه إلى يدها ويصرفها من بيته، فإذا خرجت من بيته ومضت وصارت إلى رجل آخرفأبغضها الرجل الآخر وكتب لها كتاب طلاق فدفعه إلى يدها وصرفها من بيته، أو مات الرجل الآخر الذي اتخذها زوجة، فليس لبعلها الأول الذي طلّقها أن يعود ويأخذهالتكون زوجة بعد أن تدنست فإن ذلك رجس لدى الرب"
5_ أن المرأة في التشريع الموسوي كانت محرومة من حق طلب الطلاق ، وهو حق حصري للرجل يتمسك به ، ويمارسه تعسفاً لمجرد أنه رأى فيها عيباً ، وهوما لا مانراه في شريعة حمورابي حيث الرجل ليس الحاكم المطلق في إمرأته من غير حسيب ولا قريب، بل لامناص له من بسط دعواه أمام القضاء ليقول كلمته ، فإما أن يحكم له أو عليه
6_ أما في حالة الزنى، فإن تشريع حمورابي ميز بين حالتين : حالة التلبس بالفعل ، فيُشــد وثائق الزانيين معاًويُغرقان إلا إذا عفا الزوج عن زوجته والملك عن رعيته ( المادة 129 ) وحالة عدم التلبس ، فعلى المرأة التي يتهمها زوجها بالزنى أن تبرّىء نفسها بأغلاظ الإيمان،وتستطيع بعد ذلك أن تعود إلى بيت أبيها ، فإذا لاكتها الألسن بالشّـائعات والريب ،تغطس في نهر ، فإذا غاصت للقاع اعتُبرت زانية، وإذا عامت اعتبر ذلك دليلاً على براءتها . فالغاية التي رمى بها التشريع من التحكيم بالماء كانت إعطاء المرأة " ضمانة " إزاء تعنت الزوج تدرأ بها حكمه الجائر أضف إلى هذا أن القانون ينص على أن المرأة إذا ابتذلت قبل تمام سنة الزواج كان الموت عقاب المجرم، وأما المرأة فتُبرّأ. وكذلك حال النسوة اللواتي يؤخذ أزواجهن أسرى حرب فإن المرأة خُوّلت حرية متناهية ،فقد نصت المادة 134 على أنه " إذا أُخذ رجل أسير حرب ، ولم يكن في منزله قوت ،وخرجت المرأة بنيّة الدخول إلى منزل آخر ، فلا جناح عليها " وفي المادة 135 " إذارُزقت المرأة في حالتها الجديدة أولاداً في المنزل الثاني ثم عاد زوجها إلى البلد ،فإن المرأة تعود إلى زوجها الأول ويتبع الأبناء آباءهم " وفي مسألة الاهمال والتخلي الطوعي، فقد نصت المادة 136 على " أنه إذا غادر رجل بلده ولاذ بالفرار، ثم دخلت زوجته مسكن رجل آخر ، فإنها لن تعود إليه إذا عاد وتبقى حيث هي.
بينما في التشريع الموسوي، نشاهد القسوة والفظاظة ، فالعقوبة هي الموت للزاني والزانية ترجم حتى الموت، بالاضافة إلى أنه أبقى على شريعة حمورابي فيما يتعلق بتحكيم الماء في اختبار المرأة المتهمة بالزنى ، كما أخذ بتطليق الرجل امرأته إذا لم تجد عنده حظوة
من أجل كل هذا لاندري ما الذي حمل " ريفيو " أحد أساتذة مدرسةاللوفر، على الزعم بأن حمورابي بذل مااستطاع من جهد في سبيل الحط من شأن المرأةمستنداً في ذلك إلى ماورد في المادتين 141 , 142 من شرعة حمورابي فقال " إن الترافع في مسألة الطلاق كثير الخطر ، لأن المرأة إذا لم تنجح في قضيتها لايبقى أمامها إلاأحد أمرين : إما أن تصبح عبدة رق في منزل زوجها المُتّخِذ زوجة جديدة دونها ، وإماأن يقضى عليها بالموت من غير أن يكون عليها ذنب من عهر أو ماجرى مجراه "
وينسى الأستاذ " ريفيو " أموراً على جانب كبير من الأهمية
الأول : أن شدة الوطأةعلى المرأة في طلب الطلاق ، المحرومة منه أصلاً في التشريعات الأخرى ومنها التشريع الموسوي ، هو حماية للزوجة من أن تصبح عرضة لادّعاء كيدي، فالدعوى الكيدية، حتى في التشريعات الحديثة ، مُعرّض صاحبها لإيقاع الجزاء عليه . إن قانون حمورابي شديدالوطأة على المرأة التي تضمر الكيد لتظفر بطلاقها ورحم المرأة المُحقّة في طلبها،فيخولها حق مقاضاة زوجها متى كانت شديدة الوثوق بأنها على حق في طلبها ، فتكسب دعواها وتعود إلى منزل أبيها حرّة طليقة’ وفي هذا ضمان مؤذن باستقلالها لم تعرفه الشرائع القديمة
الثاني : ينسى الأستاذ " ريفيو " أة يتناسى أن مانحن بصدده يرجع إلى عشرين قرناً ونيف قبل الميلاد، وحسبه أن يلقي نظرة على المرأةالمعاصرة التي تقاضي زوجها في قضية طلاق وتخسر قضيتها ، أفلا تُعاقب بخسران كل شيءفضلاً عن منزلتها الأدبية ؟
الثالث : إن مطالبة قانون حمورابي المرأة بإغلاظ ثم بتغطيسها بعد ذلك في النهر الذي إليه يرجع الفصل في براءتها أو الحكم بإدانتها ،إنما يلجأ إليه اضطراراً وفي حالة محددة بقصد حماية المرأة وليس بقصد الاقتصاص منها، وكأن التحكيم النهري الذي يتم بإشراف القاضي وطائفة من الكهان هو زيادة في الحماية وضمانة أخرى لها. ولماذا نذهب بعيداً ألم تكن الكنيسة الكاثوليكية في القرون الوسطى تمنح " البراءة المتّهمة " ضمانة لاريب بمزاولتها ماكان يُطلق عليه حكم الله jugement de Dieu
ou Ordalie
الرابع : إذا كان الاستاذ " ريفيو " ينظر لعقوبة الرجل الذي يبتذل بنتاً بالطرد من المدينة ، والذي يبتذل خطيبة ابنه بنصف " منّ " من الفضة وبردّ بائنتها إليها وإطلاق حريتها ، على أنها نيل من كرامةالمرأة ، لأن العقوبة لم تكن الموت _ فهذا فيه تجنّ كبير على شرعة حمورابي لسبب بسيط هو إطلاقنا أحكاماً جائرة على تشريع يعود إلى مايزيد عن ألفي عام قبل الميلاد، ثم لانتّهم وندين شرائع حديثة على رأسها " قانون نابليون " بتحيّزه الواضح للرجل،وهو القانون الذي يتباهى به " ريفيو " .
هذا بعض ماأردنا أن نلفت النظر إليه ونحن نتعاطى مع هذه الشرعة العظيمة، ومع المبادىء القانونية التي أتت بها، وهي مبادىء إن دلت على شيء فإنما تدل على ارتقاء حضاري وغنى في الفكر القانوني عُرف بهالسوريون منذ أقدم الأزمنة ، وتوخّ للعدالة في الأحكام شهد لهم بها أعداؤهم وأنكرهاعليهم المتحيزون من مفكري الغرب