البراءة
ارتمت البراءةُ بين
ذراعي الوداعةِ
وراحت تذرفُ الدموعَ .
أتتْ بها الأقدارُ إلى عالمٍ
ورودُهُ أشواكٌ وأزهارُهُ
تختفي في طيَّاتِها لسعاتُ
العقاربِ والأفاعي .
راحت البراءةُ تبكي نفسها
وتبكي العالمَ من حولِها .
لغتُها غريبةٌ مبهمةٌ لا تسمعُها
الآذان الصمَّاءُ وإذا سمعتها
لا تفهمُ منها شيئاً .
قلوبُ الناسِ تجمدتْ وتحولت
إلى حجارةٍ سوداء .
والأرواحُ تلبدتْ فيها الأحاسيس
فغدتْ تبيعُ وتشتري كلَّ شيء
في حانوتِ المشاعرِ والعواطف ،
وأصبحتْ الموازينُ تزنُ كلَّ شيء بمعاييرِ
الكسبِ والخسارة .
لم يعد في هذا العالم مكانٌ للبراءة والوداعة والصدق .
وصار الإنسانُ ينافقُ حتى على نفسِه ،أدمنَ لغةَ
النفاق ِحتى غدتْ المداهنةُ والكذبُ والرياءُ هي الحروفُ الأبجديةُ في لغةِ البشرِ في هذا العالم .
فماذا نتوقعُ أن تُنتجَ هذه اللغة وبمثل هذه الحروف ؟ لقد تزيَّفَ كلُّ شيء وكل ما تُنتجه هذه اللغة وفي كلِّ الحقولِ بات نفاقاً وفي سوق النفاق .
رثت البراءةُ هذا العالم ورثت وجودها فيه .
هي حزينةٌ تُحسُّ بالغربة الموحشةِ
ولكنها تعرفُ نفسها وهي متناغمةٌ
وصادقةٌ مع ذاتها . أما هذا العالم المتعفن
فهو غريبٌ عن نفسِه شوَّه ذاتَه وزيَّفَ هوَِيَّتهُ
وتراه يلهثُ وراء سرابٍ ،
وما هذا السراب إلاَّ ذاته الضائعة .
يلهثُ وراء حلمٍ توهَّمَ أنه سيسعدُ يوماً به .
ولكنه عبثاً يركضُ ويلهثُ .
تراكمتْ طبقاتٌ كثيفةٌ من الغبار
على عيني هذا العالم فأصبح ضريراً لا يرى ... وعميَ حتى عن معرفة نفسه فضاعَ
وتاهَ في صحراء الألم والعذاب .
العالمُ يتألم ويتعذبُ لأنه فقد نفسه وأضاع هويَّتهُ وانحلتْ كينونتهُ وذابتْ في أسيدِ الشر والفساد .
والبراءةُ والوداعةُ يتألمان
ولكنهما يتألمان على الإنسان ويندبانِه .
لم يعد الإنسانُ إنساناً بل أصبح
كقطعةِ غيارٍ تافهةٍ في عجلة المجتمعِ
المتفسخ والمادي .
فهل يمكن للإنسانِ أن يجدَ نفسهُ يوماً ما ؟
وأن يتعرفَ على ذاتِه فيحترمُ كينونتهُ
ويُعيدُ لها قدرها بعد أن مرَّغها
في الدَّنسِ والرجسِ والتزييف ؟
ركعت البراءةُ وسجدت الوداعةُ إلى جانبِها
فظلَّلتهما غيمة الطهارةِ وغمرتهما أمواجُ الروحِ وراحا معاً يصلِّيانِ ويضرعانِ لخالقهما الحقيقي المتخفِّي وراء الكون أن يساعدَ العالمَ ويمدَّ
يد َ العونِ لهذا الإنسان
المعذب عساهُ يجدُ نفسهُ ويعود من جديد
إنساناً بريئاً وديعاً صادقاً مخلصاً ووفياً . آمين
حكمت نايف خولي / من قبلي