صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 11
الموضوع:

وجهة نظر حول معنى العروبة

الزوار من محركات البحث: 17 المشاهدات : 936 الردود: 10
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    من أهل الدار
    بنت الزهراء
    تاريخ التسجيل: January-2014
    الدولة: في تراب الوطن
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 8,268 المواضيع: 1,296
    التقييم: 2889
    مزاجي: هادئ؟؟احيانا

    وجهة نظر حول معنى العروبة

    وجهة نظر حول معنى العروبة

    بقلم الكاتب:د. صبحي غندور


    مدخل معنى العروبة هو إدراك ماهية الإنسان العربي.
    وقد وضعت كلمة الإنسان قبل كلمة العربي -ومعها- لأن ذلك أساس لتأكيد وحدة الأصل الإنساني ولإسقاط كل تعريف على أساس عنصر الدم أو الجنس أو الأصل العائلي أو حتى مكان الولادة.

    فكثيرون يولدون خارج المنطقة العربية، ويعتبرون أنفسهم عرباَ.. وكثيرون يولدون داخل المنطقة العربية، ويرفضون الانتماء العربي ويعتزون بأصول قومية أخرى غير عربية.

    فالإنسان العربي لا يتحدد فقط من خلال كونه يتحدث بالعربية، لأن الحديث بأي لغة لا يعني بالضرورة حالة انتماء لأمَّة اللغة نفسها..

    الإنسان العربي، هو إنسان الثقافة العربية (لغة وتفكيراً).. هو الإنسان الذي يعيش الثقافة العربية بما فيها من لغة وعناصر تاريخية مشتركة حصلت وتحصل على أرض عربية مشتركة، أي جمع اللغة مع التاريخ المشترك على أرض مشتركة. فهكذا مثلاً تكونت الأمَّة الأميركية في القرون الخمسة الماضية.

    الإنسان العربي هو الإنسان المنتمي للأمَّة العربية من حيث عناصر تكوينها: لغة/ثقافة مع تاريخ مشترك على أرض مشتركة، حتى لو لم يدرك هذا الإنسان العربي عناصر تكوين أمَّته.

    لكن هناك فوارق بين:
    (1) العروبة واللغة العربية
    (2) وبين العروبة والقومية
    (3) وبين العروبة والوحدة العربية.

    - الفرق بين العروبة واللغة العربية:

    اللغة العربية: هي لغة الثقافة العربية. فكل إنسان عربي، هو عربي اللسان.. لكن ليس كل إنسان عربي هو عروبي.
    فالعروبي هو من يجمع بين لغة الثقافة العربية وبين المضمون الحضاري لها وبين التسليم بالانتماء لأمَّة واحدة قائمة الآن على أوطان متعددة.
    إن "الكل العربي" هو مكون أصلاً من "أجزاء" مترابطة ومتكاملة.
    فالعروبة لا تلغي - ولا تتناقض مع - الروابط العائلية أو القبلية أو الوطنية، بل هي تحددها في إطار علاقة الجزء مع الكل.

    - حول العروبة والقومية:

    القومية تعبير يسمح بالتقلص بما هو أقل من معنى العروبة.
    كمثال "القومية السورية" في المجال العقائدي والسياسي، و"القومية الكردية" أو "البربرية" في المجال العرقي...

    القومية تعبير اختلطت فيه مضامين أخرى في التاريخ الحديث والمعاصر، مضامين عنصرية أو مضامين معادية للدين أحياناً...

    تعبير القومية تَشَوّه استعماله من قبل الكثير من الحركات السياسية المعاصرة...

    بينما العروبة تحدد نفسها بنفسها، فالعروبة تشمل خصوصيتها وعمومية تعريف القومية، في حين أن استخدام تعبير القومية الآن لا يؤدي غرض معنى العروبة نفسها. فالقول: أنا "عروبي" يعني أموراً فكرية وثقافية محددة، بينما القول أنا "قومي عربي" يحتاج الآن إلى الكثير من التوضيح والتفسير.

    فالعروبة هي تعبير عن الانتماء إلى قومية محددة، لها خصائص وخصوصيات تختلف حتى عن القوميات الأخرى في دائرة العالم الإسلامي.

    - حول العروبة والوحدة العربية:

    الدعوة إلى العروبة هي دعوة فكرية وثقافية، بينما الدعوة إلى الوحدة العربية هي دعوة حركية وسياسية.

    الانتماء إلى العروبة يعني التسليم بالانتماء إلى أمَّة واحدة يجب أن تُعبّر عن نفسها بشكل من أشكال التكامل والاتحاد بين أبنائها.. لكن "الوحدة" قد تتحقق بحكم الفرض والقوة أو بحكم المصالح المشتركة (كالنموذج الأوروبي) دون أن تكون الشعوب منتمية بالضرورة إلى أمَّة واحدة. ف"الوحدة" ليست معياراً لوجود العروبة بينما العروبة تقتضي حتماً التعبير السياسي عن وجودها بشكل وحدوي أو إتحادي تكاملي.

    الملفت للانتباه على الصعيد العربي (منذ عهد الخلفاء الراشدين إلى نهاية العهد العثماني) هو توالي أشكال من الحكم العربي وغير العربي على أساس غير قومي أصلا وغير محدد بشعب معين أو أرض معينة (وهذا شكل من أشكال الإمبراطورية التي تضم أكثر من شعب وقومية).

    وفي مرحلة القرن العشرين -التي ورثت فيها الإمبراطوريتان البريطانية والفرنسية، الإمبراطورية العثمانية- انتقل العرب من حال حرية الحركة على أرض واحدة (بدون كيان سياسي عربي واحد طبعاَ) إلى حال من القيود والحواجز على أرض العرب المشتركة، في ظل محاولات لصنع ثقافات خاصة مجتزأة شجعت عليها بقوة السلطات البريطانية والفرنسية التي كانت تهيمن على معظم البلاد العربية. ثم ورثت الولايات المتحدة الأميركية دور بريطانيا وفرنسا في المحافظة على الواقع العربي المجزأ، مع دعم كبير ومفتوح لوجود إسرائيل كقومية جديدة غير عربية على الأرض العربية، وبطابع عنصري يهودي!.

    إن السمة "العربية" موجودة كلغة وثقافة قبل وجود الإسلام، لكنها كانت محصورة بالقبائل العربية وبمواقع جغرافية محددة، بينما العروبة –كهوية انتماء ثقافي حضاري- بدأت مع ظهور الإسلام ومع ارتباط اللغة العربية بالقرآن الكريم وبنشر الدعوة بواسطة رواد عرب.

    فالعروبة هي إضافة حضارية مميزة أوجدها الإسلام على السمة العربية كلغة نتيجة ارتباط الإسلام بالوعاء الثقافي العربي ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.

    وهكذا أصبحت العروبة الحضارية هي الثقافة العربية ذات المضمون الحضاري، وبالتالي خرجت الثقافة العربية من دائرة العنصر القبلي أو العرقي ومن حدود الجغرافية الصغيرة إلى دائرة تتسع في تعريفها ل"العربي"، كل من يندمج في الثقافة العربية بغض النظر عن أصوله العرقية أو عن طائفته أو مذهبه.

    إن العرب هم أمَّة واحدة في الإطار الثقافي وفي المضمون الحضاري وفي المقاييس التاريخية والجغرافية (اشتراك في عناصر اللغة والثقافة والتاريخ والأرض) لكنهم لم يجتمعوا تاريخياً في إطار سياسي واحد على أساس العروبة فقط. فالعروبة قائمة وجوداً كثقافة خاصة قبل الإسلام ثم كحضارة من خلاله وبعده لكنها لم تتجسد سياسياً بعد كأمَّة واحدة، في إطار كيان سياسي واحد، وعلى أساس مرجعية العروبة فقط. فالأرض العربية كانت تحت سلطة واحدة في مراحل من التاريخ، لكن على أساس مرجعية دينية إسلامية (الخلافة) وليس على أساس قومي عربي.

    إن العروبة هي حالة انتماء إلى مضمون حضاري مميز بعلاقته مع اللغة العربية، وتقوم على قاعدة الثقافة العربية، وهي رغم توفر عناصر تكوين الأمَّة فيها، فإنها لم تصل بعد إلى حالة الانتماء إلى كيان سياسي موحَّد، ولم يحصل ذلك تاريخياً من قبل على أساس مرجعية العروبة فقط.

    وللوصول إلى مشروع الكيان العربي الواحد أو الاتحادي، تتوجب الأساليب المرحلية شرط قيامها جميعاً على أساس ديمقراطي في الداخل وسلمي حواري في العلاقة مع الطرف العربي الآخر. من هنا أهمية التوافق العربي على ضرورة المرونة في كيفية الوصول إلى كيان دستوري سياسي يعبّر عن وحدة الأمَّة.

    ويبقى الأساس في أي وسيلة تستهدف الوصول إلى الوحدة هو:


    - الدعوة السلمية ورفض الابتلاع أو السيطرة أو الهيمنة من وطن عربي على آخر..
    - نظام الحكم الديمقراطي قبل المباشرة بعملية الوحدة. فالتحرر والديمقراطية معاَ هما المدخل السليم لوسائل تحقيق الوحدة أو أي شكل اتحادي عربي.


  2. #2
    من أهل الدار
    بنت الزهراء
    سقوط بدائل العروبة

    بقلم الكاتب:د. صبحي غندور



    من حقّ الجهلاء في هذه الأمّة القول: هذا عصرنا.

    نعم، هو الآن عصر التطرّف في الأفكار، والعنف في الأساليب، والجهل في الدين، والتجاهل للوقائع ولحقيقة ما يحدث على أرض هذه الأمَّة وبين شعوبها.

    هو عصرٌ يرفض الهويّة العربية المشتركة، بل ويرفض أحياناً كثيرة الهويّة الوطنية، ويريد وصم شعوب هذه الأمَّة بتصنيفات تقسيمية للدين وللعروبة وللأوطان.

    هؤلاء الجهلة يريدون إقناع أبناء وبنات البلاد العربية أنّ مستقبلهم هو في ضمان «حقوقهم» الطائفية والمذهبية، وفي الولاء لهذا المرجع الديني أو ذاك، بينما خاتمة هذه المسيرة الانقسامية هي تفتيت الأوطان والشعوب وجعلها ساحة حروب لقوى دولية وإقليمية تتصارع وتتنافس الآن على كيفية التحكّم بهذه الأرض العربية وبثرواتها.

    هناك حتماً أكثرية عربية لا تؤيّد هذا الطرح «الجاهلي» ولا تريد الوصول إلى نتائجه الوخيمة، لكنّها أكثرية «صامتة»، ومن يتكلّم منها بجرأة ضدّ هذا العصر الجاهلي، يفتقد المنابر الإعلامية والإمكانات المادية، فيبقى صوته خافتاً أو يتوه هذا الصوت في ضجيج منابر المتطرّفين والطائفيين والمذهبيين الذين هم الآن أكثر «حظّاً» في وسائل الوصول إلى الناس.

    العرب يحصدون اليوم نتائج زرعٍ متعدّد المصادر جرى في الأربعين سنة الماضية، وكانت بدايته في حرب العام 1967، من أجل اقتلاع فكرة العروبة من رؤوس العرب الطامحين بمستقبل أفضل لأمَّتهم وأوطانهم وأجيالهم الجديدة، وقد استغلّت أطراف خارجية ومحلية سلبيات كثيرة كانت ترافق فكر وممارسات الحركة القومية العربية.

    في الوقت نفسه الذي ظهرت فيه دعوات بديلة للهويّة العربية كانت تتمحور حول الدين والهويّة الإسلامية بمنظور فكري يرفض الانحسار في تسميات قومية ووطنية ويدعو إلى نظامٍ شمولي يقوم على الشريعة ويتحدّث عن «أمَّة إسلامية» أكبر وأوسع من جغرافية الأمَّة العربية.

    لكنْ عقود زمنية طويلة من الطرح الفكري والممارسة العملية أثبتت أن «البديل الديني» للعروبة لم يفتح آفاقاً جديدة في الهويّة أو الانتماء، وإنّما قزَّم الواقع العربي إلى مناطق ومدن وأحياء في كل بلد عربي، فتحوّلت الهويّة الدينية الشمولية إلى هويّة في مواجهة الشريك الآخر في الوطن، إن كان من طائفةٍ أخرى أو مذهبٍ آخر، أو حتى من اتجاهٍ سياسيٍّ آخر!

    ويخطئ من يعتقد الآن أنَّ نجاح بعض الجماعات الدينية في المواجهة مع قوى أجنبية أو محتلّة يعني ضماناً لمستقبل أفضل. بل إنّ في بعض هذه المواجهات، ذات الأساليب الإرهابية، فائدة للتطرّف على الطرف الآخر الذي تقوده الآن إدارة أميركية قامت سياستها على أيديولوجية العنف والتطرّف أيضاً.
    فالتطرّف الفكري وأسلوب العنف العشوائي لدى جهةٍ ما يخدم حتماً المقابل له في الجهة الأخرى.

    حتى «مقاومة الاحتلال» أصبحت ظاهرة رهينة لمن يشوّهها فكرياً بالتطرّف، وعملياً بأسلوب العنف العشوائي الذي يستهدف المدنيين الأبرياء في أماكن عديدة من العالم. وكما فشل وما زال يفشل «البديل الديني» للهويّة العربية في توحيد شعوب هذه الأمّة، فقد عجز «البديل الوطني» أيضاً عن بناء مجتمعٍ تكون الأولويّة فيه للولاء الوطني. بل إنّه لا يمكن بناء أوطان عربية سليمة في ظلِّ غياب الهويّة العربية، وفي عصر الجاهلية السائدة الآن، والفهم الخاطئ للدين وللتعدد الفقهي فيه، ولكيفية العلاقة مع الآخر أياً كان.

    إنّ تعزيز الهوية الوطنية يتطلّب إعادة الاعتبار من جديد لمفهوم العروبة على المستوى العربي الشامل. فتحقيق أوضاع دستورية سليمة في كلّ بلد عربي هو أمر مهم لبناء علاقات عربية أفضل، ولضمان استمرارية أيّ صيغ تعاون عربي مشترك، لكن المشكلة أيضاً هي في ضعف الهوية العربية المشتركة - كما هو في ضعف الهوية الوطنية - وطغيان التسميات الطائفية والمذهبية والعرقية على المجتمعات العربية. وبذا تصبح العروبة لا مجرّد حلٍّ لأزمة العلاقات بين البلدان العربية فقط، بل أيضاً سياجاً ثقافياً واجتماعياً لحماية الوحدات الوطنية في كلِّ بلدٍ عربي ولمواجهة مخاطر الانفجار الداخلي في كل بلد عربي.

    إنّ المدخل السليم لنهضة هذه الأمَّة من جديد وللتعامل مع التحدّيات الخطيرة التي تستهدف أوطانها وشعوبها وثرواتها، هو السعي لبناء هُويّة عربية جامعة تلمّ شمل هذه الأمَّة وما فيها من خصوصيات وطنية وإثنية وطائفية، وتقوم على حياة سياسية ديمقراطية سليمة تعزّز مفهوم المواطنة وتحقّق الولاء الوطني الصحيح.

    إنّ ذلك يحتاج حتماً إلى طليعة عربية واعية وفاعلة تبني النموذج الجيد لهذه الدعوة العربية المنشودة. ولن يتحقّق ذلك البناء في زمنٍ قصير لكنّه الأمل الوحيد في مستقبل أفضل يحرّر الأوطان ولا يفتّتها بعد تحريرها، ويصون الشراكة مع المواطن الآخر في الوطن الواحد، فلا يكون مُسهِّلاً عن قصدٍ أو عن غير قصد لسياسات أجنبية تفرّق بين العرب لتسود عليهم.

    هناك بلا شك خميرة عربية جيدة صالحة في أكثر من مكان وهي الآن تعاني من صعوبة الظرف وقلّة الإمكانات وسوء المناخ الانقسامي المسيطر، لكن تلك الصعوبات لا يجب أن تدفع لليأس والإحباط بل إلى مزيدٍ من المسؤولية والجهد والعمل. فالبديل عن ذلك هو ترك الساحة تماماً لصالح من يعبثون في وحدة هذه الأمّة ويشعلون النار في رحابها.

    الظروف ستتغيّر عاجلاً أم آجلاً. وفكر التطرّف سيفشل عالمياً وهو ينحر نفسه كما ينحر الآخرين، إن كان ذلك المتطرّف حاكما هنا أو معارضا هناك، لذلك من المهم أن تكون هناك خمائر طيّبة جيّدة جاهزة تتحمّل مسؤولياتها في إعادة بناء ما هدمه ويهدمه القائمون على عصر الجاهلية والتطرّف الآن.

    لقد سقطت بدائل العروبة في امتحانات كثيرة، لكن المشكلة أنّ هناك ندرةً حالياً في الأيدي الرافعة للعروبة!





  3. #3
    من أهل الدار
    بنت الزهراء
    منطلق العروبة هو أساس النهضة

    بقلم الكاتب:د. صبحي غندور



    ثلاثة عناصر تصنع الآن الحاضر العربي:
    أوّلها وأهمّها، اهتراء الأوضاع السياسية الداخلية بوجهيها الحاكم والمعارض.
    وثانيها، التدخّل الأجنبي في شؤون الأوطان العربية.
    وثالثها، هو غياب المشروع الفكري النهضوي الجاذب لشعوب الأمَّة العربية ولجيلها الجديد التائه بين السلبية والتطرّف.

    صحيحٌ أنّ هناك خصوصيات يتّصف بها كلُّ بلد عربي، لكن هناك أيضاً مشاكل مشتركة بين أقطار الأمَّة العربية، وهي مشاكل تنعكس سلباً على الخصوصيات الوطنية ومصائرها.
    لذلك هناك حاجة ماسَّة الآن لخطاب عربي نهضوي مشترك، كما هي الحاجة للخطاب الوطني التوحيدي داخل الأوطان نفسها.

    إنّ الحديث عن «نهضة عربية» مطلوبة يعني القناعة بأنَّ العرب هم أمَّة واحدة تتألف الآن من أقطار متعدّدة لكنّها تشكّل في ما بينها امتداداً جغرافياً وحضارياً واحداً، وتتكامل فيها الموارد والطاقات.

    إنّ المتضرّرين من هذه «النهضة» هم حتماً من غير العرب الذين يعملون، في الماضي وفي الحاضر، على تجزئة الأمَّة العربية وتشجيع الانقسامات فيها حفاظاً على مصالحهم في المنطقة، وعلى مستقبل استنزافهم لثرواتها الطبيعية والمالية.

    إنّ «الكلّ العربي» هو مكوَّن أصلاً من «أجزاء» مترابطة ومتكاملة.

    فالعروبة لا تلغي، ولا تتناقض، مع الانتماءات العائلية، أو القبلية، أو الوطنية، أو الأصول الأثنية، بل هي تحدّدها في إطار علاقة الجزء مع الكل.

    إنّ القومية هي تعبير يرتبط بمسألة الهويّة لجماعات وأوطان وأمم، وهي تحمل سمات ومضامين ثقافية تميّز جماعة أو أمّة عن أخرى، لكنّها (أي القومية) لا تعني نهجاً سياسياً، أو نظاماً للحكم، أو مضموناً عَقَديّاً/أيديولوجياً. لذلك من الخطأ مثلاً الحديث عن «فكر قومي» مقابل «فكر ديني»، بل يمكن القول «فكر علماني» و«فكر ديني»، تماماً كالمقابلة بين «فكر محافظ» و«فكر ليبرالي»، و«فكر اشتراكي» مقابل «فكر رأسمالي»... وكلّها عناوين لمسائل ترتبط بنمط فكري وسياسي تصلح الدعوة إليه في أيِّ بلدٍ أو أمّة، في حين يجب أن يختصّ تعبير «الفكر القومي» فقط بمسألة الهويّة كإطار أو كوعاء ثقافي. ولذلك أيضاً، يكون تعبير «العروبة» هو الأدقّ والأشمل حينما يتمّ الحديث عن القومية العربية حتى لا تختلط مسألة الهويّة الثقافية المشتركة بين العرب مع قضايا المناهج والأيديولوجيات المتنوّعة داخل الفكر العربي ووسط المفكّرين العرب.

    إنّ العروبة هي تعبير عن الانتماء إلى قومية محدّدة، لها خصائص وخصوصيات تختلف عن القوميات الأخرى حتى في دائرة العالم الإسلامي.

    إنّ الدعوة إلى العروبة هي دعوة فكرية وثقافية، والانتماء إلى العروبة يعني التسليم بالانتماء إلى أمَّة واحدة يمكن أن تُعبّر عن نفسها بشكل من أشكال التكامل والاتحاد بين أبنائها... وهي رغم توافّر عناصر تكوين الأمَّة فيها، فإنها لم تصل بعد إلى حالة الانتماء إلى كيان سياسي موحّد، ولم يحصل ذلك تاريخياً من قبل على أساس مرجعية العروبة فقط. وللوصول إلى مشروع الكيان الواحد أو الاتحادي تتوجّب حتماً الأساليب المرحلية المتعدّدة شرط قيامها جميعاً على أساس ديموقراطي في الداخل وسلمي حواري في العلاقة مع الطرف العربي الآخر.

    إنَّ الأمَّة العربية هي الأمَّة الوحيدة بين أمم كلِّ العالم الإسلامي التي لا يصحّ التناقض فيها بين الإسلام والانتماء للعروبة.

    فالأمَّة العربية هي الأمَّة الوحيدة التي نسج خيوطها الإسلام ولم تكن موجودة قبله، وهي تتميّز بهذا عن بقية الأمم الأخرى ولو كانت أمماً مسلمة.

    وبينما الإسلام هو دين وحضارة للعرب المسلمين، فإنّه حضارة وتاريخ وتراث للعرب المسيحيين.

    فلو أمكن للهويّة القومية بشكل عام أن تتناقض مع الإسلام في أيَّ أمَّة في العالم، فهذا غير ممكن لها في الأمَّة العربية.

    فالعرب كانوا هم حملة رسالة الإسلام، واللغة العربية هي لغة قرآنه الكريم وحاوية معظم تراثه الفكري، بل إنّ في توحّد العرب قوّة للعالم الإسلامي كلّه.

    وهذه علاقة خاصّة جداً بين الثقافة العربية والدعوة الإسلامية، تتميز بها الثقافة العربية عن غيرها من الثقافات العالمية بما في ذلك الثقافات المنضوية تحت الإسلام وحضارته.

    وهذه العلاقة الخاصة بين الثقافة العربية كإطار، وبين الحضارة الإسلامية كمضمون، وإن كانت تعني تمييزاً لا تمايزاً عن باقي الثقافات في العالم الإسلامي، لكنها أيضاً تعني دوراً مميزاً لها ولمن ينتمون إليها (أي العرب)، ففي الحفاظ على الثقافة العربية ولغتها، حفاظٌ على لغة القرآن الكريم وتسهيلٌ لفهمه الصحيح ولاستيعاب مضامينه.

    هكذا هو تعبير «العروبة الحضارية» الذي يعني «الثقافة العربية ذات المضمون الحضاري»، هذا المضمون الذي جاء به الإسلام ثم اشترك في صيانته ونشْرِه مسيحيون عرب ومسلمون من غير العرب، وبالتالي خرجت الهويّة الثقافية العربية من دائرة العنصر القبلي أو الإثني، ومن محدوديّة البقعة الجغرافية (شبه الجزيرة العربية) إلى دائرة تتّسع في تعريفها لـ «العربي»، لتشمل كلّ من يندمج في الثقافة العربية بغضِّ النظر عن أصوله العرقية.

    ودخل في هذا التعريف معظم من هم عرب الآن ولم يأتوا من جذور أو أصول عربية من حيث الدم أو العرق.

    ولا أعلم لِمَ هذا التناقض المفتعل بين العروبة والبعد الديني الحضاري في الحياة العربية، فتواردهما معاً هو واقع حال هذه الأمَّة، وهو حال مميِّز للأرض العربية التي منها خرجت الرسالات السماوية كلّها والرسل جميعهم، وعليها كلّ المقدّسات الدينية، ولغة أبنائها هي اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، والوعاء الثقافي للحضارة الإسلامية.

    لقد كانت الطروحات الإسلامية والقومية موجودة منذ مطلع القرن العشرين بل وقبله، لكن التوقّف يحدث عند النصف الأخير من القرن العشرين لما له علاقة بوصول بعض هذه الحركات القومية والدينية إلى السلطة وتحوّلها عن الدعوة الفكرية إلى الممارسة السياسية في الحكم أو في المعارضة.

    أيضاً النصف الثاني من القرن العشرين تميَّز عن نصفه الأول من الناحية العالمية بانتقال العالم من صراعٍ دولي وسط الدائرة الحضارية الغربية الواحدة (فرنسا- بريطانيا- إيطاليا - ألمانيا) إلى صراعٍ دولي ذي طابعٍ أيديولوجي (شرقي شيوعي/غربي رأسمالي)، وصراعهما المباشر وغير المباشر في بلاد العرب، والذي فرز المنطقة بطابع أيديولوجي وكان أحد أسباب صراعاتٍ عربية/عربية في أكثر من مجال ومكان.

    أما سمات القرن الحادي والعشرين الذي نختم عقده الأول قريباً، فلا تقوم حتى الآن على صراع دولي بطابع أيديولوجي (عقائدي) بل على تنافس بين قوى وكتل كبرى على الاقتصاد والتجارة والمصالح، بينما المنطقة العربية تشهد مزيداً من الانقسام والتشرزم. وفي هذا العقد الأول لمسنا تراجُع الطروحات الاجتماعية التي كانت سائدة في منتصف القرن الماضي (الاشتراكية والعدالة الاجتماعية)، وبروز الطروحات السياسية حول الديموقراطية وأساليب الحكم السياسي.

    كذلك ارتفعت شعارات «العولمة» و«القرية الكونية الواحدة» رغم وجود دعوات التمايز الثقافي والحضاري بين أمم وشعوب... وبالتالي ضعُف الحديث عن القوميات بالمعنى السياسي، وارتفع الحديث عن الخصوصيّات الثقافية والحضارية والتي قد يشترك فيها أكثر من أبناء شعبٍ واحد أو بلدٍ واحد.

    فعسى أن نشهد قريباً ولادة حركة عربية جادّة تحرص على الهويّة الثقافيّة العربيّة ومضمونها الحضاري، وتنطلق من أرضيّة عربيّة ووطنيّة مشتركة تعتمد مفهوم المواطنة لا الانتماء الطّائفي، أو المذهبي، أو الأصول العرقيّة، وتستهدف الوصول، بأساليب ديموقراطيّة لا عنفيّة، إلى «اتّحاد عربي ديموقراطي» حرّ من التّدخّل الأجنبي، وتتساوى فيه حقوق الأوطان وواجباتها كما تتساوى في كلٍّ منها حقوق كل المواطنين.

    لكن النهضة العربية المرجوّة لها مواصفات وشروط تستلزم أولاً وجود طليعة عربية تجمع بين البناء الفكري السليم وبين الممارسة السياسية الشريفة، ويكون عملها في أطر مؤسسات قائمة على التفاعل الدائم المثمر مع الناس بمختلف مستوياتهم الثقافية، والعلمية، والاجتماعية.









  4. #4
    من أهل الدار
    .....فتاة الفرات....
    تاريخ التسجيل: December-2013
    الدولة: العراق /بصره
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 2,657 المواضيع: 28
    التقييم: 812
    مزاجي: it's ok
    المهنة: طالبه جامعيه
    أكلتي المفضلة: البيتزا
    موبايلي: NOTE3
    آخر نشاط: 13/July/2016
    مقالات المدونة: 8
    شكراااااااااااااا لك

  5. #5
    من المشرفين القدامى
    تاريخ التسجيل: February-2014
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 5,230 المواضيع: 460
    التقييم: 1644
    مزاجي: مجنون بحبكي
    آخر نشاط: 2/October/2016
    مقالات المدونة: 3

  6. #6
    من أهل الدار
    البرنس
    تاريخ التسجيل: January-2014
    الدولة: العراق/ اربيل
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 2,732 المواضيع: 40
    التقييم: 840
    مزاجي: اشكر الله
    المهنة: مديرشركة
    أكلتي المفضلة: سمك مسكوف
    آخر نشاط: 22/February/2023
    مقالات المدونة: 11
    عاشت ايدك جهود مبذوله
    بشكل جيد ورائع

  7. #7
    من أهل الدار
    همسات هادئه
    تاريخ التسجيل: December-2013
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 3,254 المواضيع: 206
    صوتيات: 0 سوالف عراقية: 10
    التقييم: 834
    مزاجي: مبتسمه للحياة
    المهنة: طالبة اعداديه
    أكلتي المفضلة: برياني
    موبايلي: كلاكسي3
    آخر نشاط: 12/December/2014
    مقالات المدونة: 34
    حلؤ يسلمؤؤؤ ع لمجهود سوريانا

  8. #8
    من المشرفين القدامى
    ابو منتظر
    تاريخ التسجيل: March-2013
    الدولة: نيبور
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 16,168 المواضيع: 4,113
    صوتيات: 164 سوالف عراقية: 2
    التقييم: 6186
    مزاجي: الحمدلله والشكرتمام
    المهنة: موظف حكومي
    أكلتي المفضلة: ارضئ بما قسم الله
    موبايلي: Nokia
    آخر نشاط: 1/September/2021
    الاتصال: إرسال رسالة عبر MSN إلى عماد الحمزاوي
    مقالات المدونة: 18
    شكرآ للمجهود الرائع خيتي

  9. #9
    من أهل الدار
    بنت الزهراء
    شكرا لكم

  10. #10
    عضو محظور
    تاريخ التسجيل: April-2014
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 158 المواضيع: 34
    التقييم: 41
    آخر نشاط: 2/December/2014
    هذي المواضيع المحترمة....كفو

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال