حكاية حي الشعلان بدمشق ..
منطقة الشعلان في مدينة دمشق هي من أكثر المناطق الحميمية التي تضم الكثير من البيوت القديمة المتراصة بالإضافة إلى سوق يدعى سوق التنابل لبيع الخضار والفواكه، ويوجد في منطقة الشعلان حديقة تدعى حديقة المدفع والتي تعتبر مقصداً للكثير من الزوار..
وتعود نشأة حي الشعلان إلى بداية الاحتلال الفرنسي لسورية بحيث تم إعماره كضاحية منفصلة عن دمشق القديمة؛ وخصص لسكن الفرنسيين والإيطاليين في دمشق، وما لبث أن استقطب عدداً من العائلات الدمشقية وخاصة الموظفين في الحكومة، ليصبح فيما بعد من أشهر الأحياء الدمشقية على الإطلاق.
ويعود اسم هذه المنطقة لمطلع العشرينات من القرن التاسع عشر حيث اشترى الشيخ نوري الشعلان رئيس عشيرة الرولة من ياسين باشا الهاشمي رئيس وزراء العراق السابق المتوفى في دمشق داره الكائنة في المحلة المذكورة , و منذ ذلك الحين حملت الدارة و المحلة معاً اسم الشعلان نسبة إلى الشيخ النوري الذي قضى أواخر أيام حياته فيها حتى وفاته عام 1942 و بقي اسم الشعلان شائعاً على المحلة إلى وقتنا الحالي ، التي أصبحت منذ سنين مسجد حمل إسم الشعلان إلى الآن وقد خضع هذا المسجد للترميم على نفقة "فاعل خير"، إثر تشققات سمحت للمياه بالنفاذ عبرها، حيث لم يرمم المسجد منذ إنشائه عام 1926 ، خاصة انه يخدم ثلاث حارات وهي، الشعلان والصالحية والحمرا، اعتاد سكانها على سماع صدح تكبيراته جيلاً اثر اخر.
حي الشعلان: رحل البط وبقي الوز..
يقول أحمد الأبش في كتابه معالم دمشق القديمة إن "محلة غربي جادّة الصالحية – الشعلان- كان موضعها في العهد العثماني بمنطقة تعرف (طاحون الوز)، وكان على الشمال منها محلة الشهداء والتي تعرف باسم (جسر البط) فيبدو ان هناك رابط بين الاسمين، لعل الوز والبط كان يرى هنا قديماً"، ويضيف الكتاب أن "اسم جسر البط ضاع في ذاكرة الناس وبقي طاحون الوز حتى الثلاثينات معروفاً بعبارة زقاق الوز".
أما اسم الشعلان فهو نسبة إلى جد العائلة الذي استخلص إمارة العشيرة من آل القعقاع , و معنى اسم الأشعل , من خالط شعره بياض , و هو من ألوان الخيل المحمودة .
إنه "حي الشعلان" الذي كان سكناً لعدد كبير من الشخصيات الوطنية السورية قبل الاستقلال وبعده، والذي شهد تاريخه العديد من الأحداث السياسية ما جعله يحمل اسم "شارع الحرية" في خمسينيات القرن العشرين، والذي كان أول حي يدخل نظام "الأباجورات" الخشبية في تصميم أبنيته.
الحاجة مها بورصلي" أحد أبناء حي الشعلان منذ أربعينيات القرن الماضي، حيث قالت: «ولدت في هذا الحي وعشت فيه، وكان يعد من الضواحي الجديدة وكان يوجد فيه عدد من مراكز الحراسة الخاصة بالجيش الفرنسي وخاصة جنوداً من الجنسية "السنغالية".
منذ تأسيس الشعلان يلاحظ أن جله من الموظفين التابعين للحكومة ويوجد فيه كثير من العيادات الطبية الخاصة بأفضل الأطباء السوريين ومكاتب لأشهر المحامين وكذلك مكاتب تجارية لأكبر الشركات السورية والأجنبية.
كما ساعده موقعه القريب من جامعة دمشق وبناء محافظة دمشق والبنك المركزي وعدد من الفنادق الفخمة وغيرها من المراكز الحيوية؛ ليكون حياً نشيطاً جداً تجارياً، ومركزاً لكثير من الأعمال في دمشق».
كما يوجد في حي الشعلان أحد أشهر أسواق دمشق وهو "سوق التنابل" الذي يقدم إلى جانب الفواكه والخضراوات واللحومات؛ الخضراوات المجهزة للطبخ الفوري،
سوق التنابل..
سمي بهذا الإسم نظراً لطبيعة الخضراوات المعدة للطبخ التي تباع فيه كالكوسا المحفورة والبقدونس المفروم، فهذا السوق يعتبر مقصداً لجميع النساء اللواتي يرغبن بشراء خضراواتهن جاهزة ومعدة للطهو.
يقع "حي الشعلان" غربي جادة الصالحية، وتعود التسمية- حسب كتب التاريخ- إلى آل الشعلان "أمراء الدوّلة العشيرة العنيزية"، التي ذاع صيتها بقوة البأس والكرم، وتخلّد ذكرها في روايات حروب البادية وغزواتها، اشترى الشيخ نوري الشعلان رئيس عشيرة الدوّلة في مطلع العشرينيات من القرن الماضي "دار ياسين باشا الهاشمي" رئيس الوزراء العراقي السابق الكائنة في هذا الحي بدمشق، ومنذ ذلك الحين بنى مسجداً بجوار منزله، واتخذ المسجد والحي الشهير تسميتهما من اسم المالك الذي فتح منزله مضافة بجوار المسجد.
وبالحديث مع مختار حي الشعلان السيد... أضاف: «حدود منطقة الشعلان تمتد من زاوية معهد الفرنسيسكان- دار السلام- وتنتهي مع بداية حي السبكي، الذي يبدأ بحديقة السبكي الفسيحة، المتنفس الطبيعي للحيين، وتوازي جادة الحمراء وجادة عرنوس».
وأضاف المختار قائلاً:إن أبنية الشعلان تتميز بطابعها الأوروبي، وبواجهات من الحجر الكلسي الأبيض، وأسقف داخلية عالية، تزيد على أربعة أمتار، وأبواب خارجية كبيرة، كانت خشبية في البداية، لتتحول إلى أبواب حديدية، وقد حلت الأبجورات الخشبية الحديثة محل الخصوص الخشبية التي غطت نوافذ البيت الدمشقي التقليدي، وربما استورد الفرنسيون آلات نجارة حديثة لصنع الأبجورات التي انتشر استعمالها في مجمل الأبنية الحديثة فيما بعد، وعلى الرغم من انتشار الأبنية الإسمنتية إلا أن منطقة الشعلان لم تخلُ من وجود بيوت دمشقية تقليدية نموذجية، إلا أن التوسع المعماري استطاع أن يقضي عليها وعلى المساحة الخضراء الموجودة سابقاً، والتي كانت ترويها أقنية متفرعة من فرع نهر تورا أحد فروع نهر بردى.
وعن الأبنية القديمة التي مازالت قائمة حتى اليوم أخبرا مختار الحي قائلاً: يوجد الكثير من الأبنية مازالت على حالها حتى اليوم ومنها معهد الفرنسيسكان، وكنيسة الآباء الفرنسيسكان، بناء الإسعاف الخيري، بناء "وزارة الصحة"، ومضافة وجامع الشعلان الذي تم إنشاؤه بين عامي 1926-1927م، ومسجد الشنواني يقع إلى الغرب من شارع الحمرا، شرقي مسجد الشعلان، شيده سعيد الشنواني ودفن فيه عند وفاته عام 1933م.
ولفت مختار الشعلان إلى أن التوسع العمراني أدى إلى توسع جادة الشعلان لتظهر : «جادات الحبوبي الأول، والحبوبي الثاني، والثالث، في منطقة كانت تسمى بستان الحبوبي».
وأضاف المختار قائلاً: إن أغلب سكان حي الشعلان قديماً كانوا من الجالية الفرنسية والإيطالية والميسورون من المواطنين، وبين سنتي 1920-1930م قسمت المنطقة بشكل عرضي لتقوم عليها أبنية حديثة متراصة انعدمت بينها الوجائب بسبب ضابطة بناء معينة.