بسم الله الرحمن الرحيم
((وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى . قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى . قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ . فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي . قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ . فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ . أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا . وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي . قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى))
صدق الله العظيم
تفسير من كتاب الخلاف بين التوراة والقران لمحمد علي حسن
فانظرْ أيُّها القارئ فإنّ الله تعالى قال بأنّ السّامريّ صنع لَهم العجل، وهو من السّحرة الذينَ آمَنوا بموسى وكانت مهنته الصياغة ، وقد وجد آثاراً قدِيْمة مسكوكات ذهبيّة مدفونة في الأرض ووجد معها تمثال عجل صغير من الذهب يرجع تاريخها إلى زمن النبيّ صالح ، فجاء إليه الشيطان فوسوس له وقال انظر هذا التمثال فإنّه جميل المنظر هل يمكنك أن تصنع مثله فلو صنعتَ واحداً أكبر منه وتركته في بني إسرائيل لصار تذكاراً لك وتخليداً لاسمك مدى الأعوام ، وسوّلت له نفسه حتّى صمّم على صناعة عجلٍ أكبر من الّذي وجده .
ولَمّا كان بنو إسرائيل يعرفون أنّه صائغ قالوا له إصنع لنا تمثالاً من الذهب ، فوجدها فرصة لرغبته فقال لَهم اأْتوني بالذهب الّذي أخذتموه من الأقباط استعارةً ليلة خروجكم من مصر لكي نلقيَه في النّار لتطهّرَه النار فإنّه نجس ، فأتَوه بالحليّ الّتي استعاروها من الأقباط فألقاها في النار في بودقةٍ كبيرة وفي اليوم الثاني أخرج لَهم عجلاً من الذهب وقال هذا إلَهكم جاء إليكم وقد قال لموسى لا تأتِ إلى الجبل وأنا آتي إليك ولكنّ موسى نسِيَ فذهب إلى الجبل .
وهذا معنى قوله تعالى (قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ . قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي)
وإنّ الله تعالى قد برّء هارون من هذه التهمة فقال: (وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي . قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى .)
لقد جاء في مجموعة التوراة في سفر الخروج في الإصحاح الثاني والثلاثين ما يلي:
"ولمّا رأى أنّ موسى أبطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هارون وقالوا له قم اصنع لنا آلهةً تسير أمامنا ، لأنّ هذا موسى الرجل الّذي أصعدنا من أرض مصرَ لا نعلم ماذا أصابه ، فقال لهم هارون انزعوا أقراط الذهب الّتي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم واأْْتوني بِها ، فنزع كلّ الشعب أقراط الذهب الّتي في آذانِهم وأتَوا بِها إلى هارون ، فأخذ ذلك من أيديهم وصوّره بالإزميل وصنعه عجلاً مسبوكاً فقالوا هذه آلِهتك يا إسرائيل الّتي أصعَدَتْكَ من أرض مصر ، فلَمّا نظر هارون بنَى مذبحاً أمامه ونادى هارون وقال غداً عيدٌ للربّ، فبكّروا في الغد وأصعدوا محرقات وقدّموا ذبائح سلامةٍ وجلس الشعب للأكل والشرب ثمّ قاموا للعب ."
أنظر أيّها القارئ وتأمّل فهل من المعقول أنّ نبيّاً من الأنبياء يصنع لقومه عجلاً من ذهب ثمّ يدعوهم إلى عبادته ، ثمّ يجعل له عيداً ثمّ يبني له مذبحاً لكي يَذبحوا له ، أليست هذه افتراآت من عزرا على هارون ؟
تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 هـ)
يقول موسى عليه السلام للسامري: ما حملك على ما صنعت؟ وما الذي عرض لك حتى فعلت ما فعلت؟ قال محمد بن إسحاق: عن حكيم بن جبير، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان السامري رجلاً من أهل باجرما، وكان من قوم يعبدون البقر، وكان حب عبادة البقر في نفسه، وكان قد أظهر الإسلام مع بني إسرائيل، وكان اسمه موسى بن ظفر، وفي رواية عن ابن عباس أنه كان من كرمان، وقال قتادة: كان من قرية سامرا { قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } أي: رأيت جبريل حين جاء لهلاك فرعون { فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ } أي: من أثر فرسه، وهذا هو المشهور عند كثير من المفسرين، أو أكثرهم.
* تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ
قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ } علمت ما لم يعلموا اوفطنت ما لم يفطنوا له وهو انّ الرّسول الّذي جاءك روحاني لا يمسّ اثره شيئاً الاّ احياه وقرء لم تبصروا على الخطاب { فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ } القمّي يعني من تحت حافر رَمَكه جبرئيل في البحر { فَنَبَذْتُهَا } يعني امسكتها فنبذتها في جوف العجل وقد مضت هذه القصّة في سورة البقرة ثم في سورة الاعراف { وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } اي زيّنت القمّي فاخرج موسى العجل فأحرقه بالنّار والقاه في البحر.
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
المصادر
القران الكريم
العهد القديم ((التوراة ))
كتاب الخلاف بين التوراة والقران لمحمد علي حسن الحلي
تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير
تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني