بسم الله الرحمن الرحيم
((إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ۖ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِين"))
الانفال 19
من الأيات المتشابهة التي لا يمكن تفسيرها بالرأي لوجود تقدير محذوف في كلام الله لا يعلمه الا هو ، و في ما يلي بعض التساؤلات حول الآية عند قرآئتها وتفسيرها وفق القواعد المألوفة للغة :
(إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ) من المخاطب في هذه الأية الذين ان طلبوا الفتح جاءهم؟
( وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكم) تنتهوا عن ماذا؟ لايوجد في الآية سوى الفتح ، ان تنتهوا عن طلب الفتح فهو خير لكم وواضح جدا ان هذا غير منطقي بالمرة.
(وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ) لا يوجد شيء يدل على ماهية الشرط الأول وماهوجواب الشرط ، اي الى ماذا يعود المخاطَب و عندها الى ماذا يعود الله تعالى. لا يمكن الا القول ان هناك تقدير في الكلام محذوف.
ذهب بعض المفسرين الى ان المخاطب بهذه الآية هم الكافرون :
عندما تطلبوا الفتح ايها الكافرون يأتي الفتح للمسلمين عليكم
والتفسير ايضا غير منطقي لأن الفتح معناه النصر و " فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْح" تعني قد جاءكم النصر وليس قد جاءتكم الهزيمة وجاء اعداءكم النصر . وكذلك فأن الله عندما يخاطب الجماعة في القرآن مباشرة فالمقصود به المسلمين كما عندما يخاطب المفرد بصورة مطلقة فالمقصود به الرسول محمد عليه السلام.
تفسير من كتاب المتشابه من القرآن لمحمد علي حسن الحلي ،(الطبعة اﻷولى – بيروت – لبنان – 1965)
(إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ) الفتح معناه النصر ، والمعنى إن تسألوا النصر من الله فقد جاءكم النصر بالملائكة إذ نصرناكم على المشركين (وَإِن تَنتَهُواْ) عن معصية النبيّ في المستقبل وتمتثلوا أوامره وتلازموا أماكنكم (فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) من العمل بهوى أنفسكم لأنّ العاقبة تكون الهزيمة كما في يوم أحد (وَإِن تَعُودُواْ) لمثلها فتتركوا أماكنكم وتذهبوا وراء النهب والسلب (نَعُدْ) لخذلانكم ونخلّي بينكم وبين أعدائكم (وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ) حينئذٍ (فِئَتُكُمْ) أي جماعتكم (شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ) لأنّ اختلاف الآراء والعمل بِها يسبّب الفشل (وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) بالنصرة ، يعني أنّ الله مع الذين يؤمنون بأنّ الله سينصرهم ويثبتون لقتال أعدائهم .
تفسير الجلالين
( إن تستفتحوا ) أيها الكفار إن تطلبوا الفتح أي القضاء حيث قال أبو جهل منكم : اللهم أينا كان أقطع للرحم وأتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة أي أهلكه ( فقد جاءكم الفتح ) القضاء بهلاك من هو كذلك وهو أبو جهل ومن قتل معه دون النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ( وإن تنتهوا ) عن الكفر والحرب ( فهو خير لكم وإن تعودوا ) لقتال النبي صلى الله عليه وسلم ( نعد ) لنصره عليكم ( ولن تغني ) تدفع ( عنكم فئتكم ) جماعاتكم ( شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين ) بكسر إن استئنافا وفتحها على تقدير اللام
تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ)
{ (19) إنْ تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ } قيل الخطاب لأهل مكة على سبيل التهكّم إذ روي أنّهم حين أرادُوا الخروج تعلّقوا بأستار الكعبة وقالوا اللّهمّ انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين.
وفي المجمع في حديث أبي حمزة قال أبو جهل اللّهمّ ربّنا ديننا القديم ودين محمّد الحديث فأيّ الدّينين كان أحبّ إليك وأرضى عندك فانصر أهله اليوم.
وروي أنّه قال أيّنا أهجر وأقطع للّرحمِ فَاَهِنْه اليومَ فاهلكه.
وقيل خطاب للمؤمنين وكذا القولان فيما بعده { وَإِنْ تَنتَهُواْ } عن الكفر ومعاداة الرَّسُول والتكاسل في القتال والرّغبة عمّا يستأثره الرسُول { فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } لتضمّنه سلامة الدّارين وخير المنزلين { وَإن تَعُودُواْ } للمحاربة والتكاسل { نَعُدْ } لنصره والإِنكار { وَلَنْ تُغْنِىَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ } ولن تدفع عنكم جماعتكم { شَيْئاً } من الإِغناءِ والمضارّ { وَلَوْ كَثُرَتْ } فئتكم { وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ } بالنصر والمعونة.