شرح (كما تدين تدان )
__-------____
"إن الله سبحانه وتعالى لا يظلم الناس شيئاً، ويحاسب كل إنسان على ما عمل :"فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)" وفي سورة الكهف " وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)".

وإنَّ القاعدة الشرعية أن كل إنسان رهنٌ بما اكتسب ولا يحمل أحد وزر غيره، وقد نصت عليها آيات كثيرة وهي مبدأ عادل ورد في جميع الشرائع السماوية فقد قال تعالى في سورة الأنعام:" قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)".

وفي سورة الإسراء:" مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15)".

وفي سورة فاطر :"وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)".

وفي سورة الزمر :"إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)".

وفي سورة النجم :"أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الأَوْفَى (41)".

وأحببنا أن نورد كل الآيات لتتدبري معناها، وتتيقني أنه لا يمكن أن يحاسب الله تعالى إنساناً على ذنب اقترفه غيره سواء كان والداً أو غيره.

ثالثاً- أما القاعدة الشرعية الأخرى "كما تدين تدان" فهي صحيحة أيضاً، فقد ورد ذكرها في صحيح البخاري في تفسير سورة الفاتحة:" وَسُمِّيَتْ أُمَّ الْكِتَابِ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِكِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ وَيُبْدَأُ بِقِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ وَالدِّينُ الْجَزَاءُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: { بِالدِّينِ } بِالْحِسَابِ { مَدِينِينَ } مُحَاسَبِينَ ".

وفي فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر- (ج 13 / ص 458) ووقع مرسل أبي قلابة:" البر لا يبلى والإثم لا ينسى والديان لا يموت وكن كما شئت كما تدين تدان " ورجاله ثقات أخرجه البيهقي في الزهد".

وإن معنى "كما تدين تدان" يؤكد أنه لا يحمل أحد وزر غيره، ففي لسان العرب - (ج 13 / ص 164) "و الدِّين : الجزاء والمُكافأَة . و دِنْتُه بفعلِه دَيْناً : جَزَيته ... و يومُ الدِّين : يومُ الجزاء . وفي المثل : كما تَدِينُ تُدان أَي كما تُجازي تُجازَى أَي تُجازَى بفعلك وبحسب ما عملت وقيل : كما تَفْعَلَ يُفْعَل بك".

فالمعنى واضح في أن الإنسان يجازى بما عمل"