السلام عليكم ورحمة اللهآلام الظهر هي بدون شك من أكثر الأعراض المرضية انتشاراً في مجتمعاتنا، والسبب البديهي لمثل هذه الآلام ليس ناتجاً بالطبع عن خلل وظيفي في تركيبة الجسم البشري، بل عن خلل في طريقة تعامل المرء مع هذا العضو الأساسي المركب، والذي لا يتطلب إلا القليل من الانتباه والوقاية. لكن تسارع الحياة ودورتها في عصرنا هذا لا تترك للفرد مجالاً لتذكر ظهره والحرص على التعامل معه بلطف ووقايته من المفاجآت.
وبالرغم من أن الفقاريات جميعاً تتمتع في تركيبتها الجسدية بمثل هذا العضو التي سميت باسمه، إلا أن الإنسان هو وحده من بين الفقاريات «المخلوق المنتصب». وعمودنا الفقري هو العضو الذي يسمح لنا بالوقوف والتحرك بقامات عامودية على الأرض، في حين أن الفقاريات الأخرى تقف وتتحرك بقامات أفقية. وهنا يجب أن ننوه بأن أغلب علماء البيولوجيا والطب يعزون آلام الظهر الى كون الإنسان هو المخلوق الوحيد القادر على نصب قامته بشكل كامل. إلا أن سوء تعاملنا مع هذا العضو يسبب مشاكل وأزمات مرضية مؤلمة ومعيقة، وبالتالي فهي مشاكلنا نحن فيه وليست مشاكله «هو».
قليل هم الذين لم يعانوا من آلام الظهر، وتعود هذه الآلام الى الوضعيات السيئة غير الصحية والحركات الخاطفة غير الصحيحة للعمود الفقري. وكلما اسأنا الوضعيات الخاطئة للعمود الفقري كلما ازدادت احتمالات تشوهه ونشوء آلام الظهر.
في المراحل الأولى من نشوء الألم قد تكفي المريض حركات خفيفة وتمارين مختارة يختارها اختصاصيون من أطباء العلاج الفيزيائي والأعصاب والمفاصل للتخلص من الألم، وهنا يجب أن نميز ثلاثة مناطق من البؤر المرضية التي هي سبب آلام الظهر بشكل عام، وآلام العمود الفقري بشكل خاص:
الآلام الرقبية:
تمتد الفقرات الرقبية من تحت الرأس مباشرة (أعلى العمود الفقري) وصولاً الى نقطة تقاطع خطها العمودي مع الخط الواصل بين الكتفين وعددها سبع فقرات (7aVertebralis) وهذه الآلام تعيق حركة الرقبة، وتكون السبب في آلام الرأس غير المبررة، وكذلك قد تؤدي إلى آلام في الساعد أو منطقة لوح الكتف. ومن صفات هذه الآلام أنها شبه دائمة.
أما أسباب هذه الآلام فسنذكرها لاحقاً، وهي نفس الأسباب التي تؤدي الى آلام مماثلة في بقية أقسام العمود الفقري.
آلام الفقرات الظهرية:
تبدأ من أعلى الظهر (تحت الفقرات الرقبية مباشرة) وتنتهي عند نقطة تلاقي خطها العمودي بالخط الأفقي الموصل بين قمتي عظمي الوركين (Ischiadicus) وعددها 12 فقرة (12aVertebragis). وبشكل عام يتألف العمود الفقري من 33 فقرة، تسع منها ملتحمة مع بعضها البعض والباقي متحرك، وعددها 24 وتشكل المنطقة الظهرية بؤرة حساسة تتطلب العناية بها واتخاذ وضعيات صحية لإزاحتها بعد جهد وعمل يوم طويل.
آلام الفقرات القطنية:
وعددها خمس فقرات تتصل من الأعلى بالفقرات الظهرية، ومن الأسفل بفقرات عظم العجز الثابتة وغير المتحركة، والتي تنتهي بدورها بعظم العصعص، وهي تشكل بؤرة آلام اللمباغو «Lumbago» المشهورة. ومن هذا القسم من العمود الفقري تنطلق حبال الأعصاب الوركية، أو ما يسمى عرق النسا .
الأسباب التي تؤدي إلى آلام الظهر:
• أسباب نادرة: مرض السل، الصدمات والكسور والحوادث التي تصيب العمود الفقري.
• الالتهابات.
• آلام ناتجة عن الشيخوخة.
• القيام بحركات مفاجئة تبدو بالغة البساطة في ظاهرها، كالانحناء الفجائي لالتقاط منديل عن الأرض.
• الآلام التي تنتج عن أسباب حركية تتعلق بطبيعة الجهد المبذول من قبل المرء، خلال ممارسته عمله التقليدي أو الوظيفي، ونسبتها حوالي 65٪ من مجمل آلام الديسك والعمود الفقري، وهي ما يسمى بالأسباب المهنية، حيث يتعرض كثير من الناس الى توتر والتواء ظهر دائم في وضعيات خاطئة يتخذونها عند ممارستهم الجلوس الطويل وغير الصحي في أثناء قيادة سيارة، أو أثناء العمل (الجلوس خلف المكاتب) وينصح هؤلاء الناس بالمشي ولو لمدة خمس دقائق كل ساعة جلوس.
• ومن أسباب آلام الظهر ايضاً: الإنهاك والتعب، التمزق العضلي الناتج عن حركات عنيفة، التكلس المفصلي، لفحة الهواء. ويترافق الكثير من هذه الأسباب بعامل الاستعداد الأولي الجسماني الولادي. ومع طبيعة البنية العضلية الهيكلية للفرد تؤطر ضمن استعداد وراثي يعتمد بدوره على أسباب مباشرة هي سوء التغذية الدموية الوراثي، أو الاعتلال المكتسب، أو بتشوه أو وهن عضلي في عضلات الصدر والبطن والظهر.
• من المعروف أنه في حال استرخاء العمود الفقري، فإن الفقرات القطنية تتحمل عبء أو ثقلاً يقارب (25كغم)، وهذا العبء يزداد أثناء الوقوف، وإلى أكثر من ذلك أثناء رفع ثقل من الأرض، لذلك ينصح برفع الأشياء الثقيلة من وضعية القرفصاء. ولكي يعمل القرص الغضروفي الموجود بين الفقرات بشكل جيد ومناسب يجب أن تكون هناك حركة دائمة ومستمرة. ومنذ عقود مضت كان يعالج انزلاق الفقرات بالمعالجة الفيزيائية، وهناك عدة طرق علاجية اخرى. ومع وجود هذه الطرق العلاجية فإن درهم وقاية خير من قنطار علاج. وهناك طرق وقائية تقينا من آلام الظهر هي:
• معروف أن الانسان يقضي فترة طويلة من حياته في وضعية الاستلقاء أو النوم. وكثير من الناس لا يهتمون بالسرير الذي ينامون عليه، وينصح بأن لا يكون السرير رخواً، لأن الفقرات لا تستند إليه بشكل جيد، في هذه الحالة، على حين يحافظ السرير الصلب نوعاً ما على حسن توضعها وتماسها، كما تفضل الوسادة غير السميكة.
ويكون تصلب المفاصل بانتظار أصحاب الظهور الحساسة وغير القوية. وتجنباً لآلام العمود الفقري يجب أن يكون نهوضنا من السرير بشكل هادئ وغير عنيف، ويجب الاستلقاء على الجانب ثم الاستدارة بمساعدة اليدين ووضع الأقدام على الأرض ثم النهوض. وهذه الطريقة من النهوض تجعل عضلاتنا في حالة الاسترخاء.
• إختيار وضعية الجلوس إذا كان الجلوس طويلاً، حيث يجب أن يكون صحيحاً وصحياً. وهناك توجيهات وضعها الاختصاصيون والمعالجون الفيزيائيون تحمي ظهورنا وتقينا من الآلام، أهمها وهو ما يجب أن نتبعه في الجلوس الطويل:
1- المشي ولو لمدة 4 الى 5 دقائق كل فترة زمنية للجلوس، تقدر بحوالي ساعة.
2- اختيار كرسي الجلوس، حيث يُتحكم بارتفاعه، وأن يكون دواراً كي يوفر على جسمنا الالتفاف الذي قد يؤثر في عضلاتنا وبالتالي على العمود الفقري.
3- المفارش التي نستريح عليها يجب أن تكون متوازنة بين الرخوة والصلبة.
4- إختيار كرسي قيادة السيارة: لا بد من أن تكون وضعية الجلوس على كرسي القيادة مريحة وأن يكون الضغط على الدعاسات لا يحتاج الى تحريك الحوض. وينصح باستعمال وسادة إسفنجية خلف المنطقة القطنية من الظهر لتثبيته وسنده. وعند الحاجة الى جلوس طويل خلف المقود يفضل خلال ذلك التوقف بعد كل فترة زمنية ومسافة طويلة، للقيام ببعض التمارين والحركات من أجل إزالة التوتر الذي طرأ على العمود الفقري والإرهاق الذي نشأ عليه نتيجة الجلوس وإعادته الى وضعه الطبيعي.
5- كما تنصح السيدات عند التسوق بأن يحملن الاغراض بشكل متوازن بين الطرفين، حيث يوزع الثقل على الجانبين الأيسر والأيمن، ويفضل نقل هذه الأغراض على عربة مخصصة للتسوق، وفي البيت وخلال عملية ترتيب أسرة النوم ينصح بأن يكون ظهر ربة المنزل مستقيماً وأن تجلس على ركبتيها.
أما الطرق العلاجية فتتلخص بالطرق التالية:
• التمارين الرياضية وتكون باشراف الطبيب المعالج.
• الحمامات الكبريتية.
• المساجات الطبية.
• المعالجة الكهربائية وتكون بإشراف الطبيب المعالج.
المراجع
مجلة بلسم لشهر نيسان العدد 430 2011
منقول من موقع الطبي
http://www.altibbi.com/
اتمنى السلامة للجميع