نظر إليها حين أقبلت .....كأنما يراها للمرة الأولى ...بذات الذهول ...و نفس الإعجاب ...لم ينفع عامان من المعرفة و سنة من الاعتراف لنفسه بالعشق ، في تغيير شعوره ذاك ...
راقبها و هي تخالط الجالسين ...كانت مبتسمة كعادتها كل صباح ....أنيقة في لفتاتها ...كنسمة أنعشت بأريجها الأجواء ...
التقت بعينيه فتبسمت عيناها محيية إياه بإيماءة من بعيد ...أحس أنه شرِق بنبضاته ....حتى غام أمامه كل شيء ....فكر : يالها من مخلوقة عطوف ..تحييه كل يوم دون أن تسمع منه رداً في يوم ...و انزلق في فكرته المعذِّبة ، وهو يتخيل كما يفعل دوماً، نفسه في موقف الاعتراف ...
(أحبك ِ)..........هل يمكن أن يقولها يوماً في حضرتها ؟...و هو رجل يعجز عن رد السلام ؟
ساح في أبعاد تصوراته المرعبة فيما بعد القول ...
تراءت له تقطيبة ُجبينها السمح و غضبُ عينيها الوديعتين ...و حين وصل إلى زاوية الحرمان من إيماءة تحيتها الصباحية الندية ...أحس بشلالات البكاء تهدر في أعماقه ...
كان موقناً أن امرأة لا تمت إليه إلا بصلة الإيماء الصباحي لن ترضى به حبيبا ً....ولمَ عليها أن ترضى ؟
كان مرهقاً من انتظارٍ طويلٍ لـ (لاشيء).......
حدّق في مكتبه المكتظ بالأوراق و الأقلام .....
خطر له أن يكتب لها شيئاً....
سحب أقرب الأوراق ..........حدّق في فراغها ...و توقف كل شيء فيه ..أفكاره ....أنفاسه ....نبض قلبه ....هل تصير ورقة ما طريقاً إما إلى موت أو إلى حياة ؟
أي ورقة ٍ هي لو قدّر لها أن تفهم ماهي .!
اختار قلماً بحبرٍ أخضر ........
كتب وسط الصفحة : ...............
سيدتي !......
سيدتي !.......
سيدتي !......
تخيلي أنني أشهق كلما نطقتْ الروح باسمك ....فاعذري عجزي عن كتابته
هل تفهمين ؟
لم َيحتبس الصوت حين يهم بالرد على صباحك الرقيق!
و لمَ تجمد الأطراف عن الإيماء بالتحية !
ولمَ لا يتوقف القلب عن الهذيان بك !
و لمَ ما عاد هنا من يمت لي بصلة سواك !
ولمَ صار اليوم يبدأ بإشراقك......و حين يزول احتلالك الجميل للوقت ...يُنزل العقل الأكفان على ما تبقى منه حتى إشراق آخر !
ولمَ قد لا أسلّم هذي السطور الخجلى ؟
كيف بي إن عاجلتِني بالقطيعة .......لا تضحكي مني ...فأنا و رغم كل الصمت بيننا ...رجلٌ يحيا على إيماءة منك كل صباح ...
فهل تفهمين ؟...
بربك .............
هل تفهمين ؟
...................................
ألقى قلمه ....كانت كلمته الأخيرة ممهورة بدمعة حرّى ....
طوى رسالته بيدٍ لم تكن في تلكم اللحظات له .
و نهض ...
مرّ بمكتبها ....وضع الورقة أمامها ....و غادر .
...................
في الصباح التالي .....حيته كما كل صباح بإيماءة .....و كتبت إليه .....
(نعم يا سيدي .....أفهم ).