First Published: 2014-04-27القصة العراقية القصيرة في خطر (2) القصة، أية قصة، بلا أسلوب كلوحة بلا ألوان، وكفاكهة بلا طعم .. فالأسلوب هو الذي يعطي القصة مذاقها، وينسج لها رداءها. ميدل ايست أونلاين بقلم: زيد الحلي
اللغة اصبحت غير قادرة
الكاتب القصصي في مرحلة ما قبل التسعينيات، لم ينس العلاقة بينه وبين واقعه، وهي علاقة أزلية، وقد ادرك بانه لو انفصم عنها بحثاً عن رؤى جديدة، لتحول الى ذاتية مفرطة او غرق في الخيال، وادرك ايضاً بانه لو ابتعد عن الواقعية، فإنه يفقد حسه القصصي، ويحوله إلى شيء بلا حياة، وبوعيه جمع بين الواقع والخيال الخلاق لتصوير الحقيقة. لذا جاءت القصص بذات مضامين وتأثيرات واضحة، وأسس الروائيون، من خلال ذلك، مدرسة عراقية بالقصة، وظلت هذه المدرسة، علامة فارقة لعقود طويلة، لكن هذه العلامة لم تستطع التواصل على أيدي الاجيال اللاحقة ان تحمل لواء تلك العلامة .. مع الاسف !
إن القصة، أية قصة، بلا أسلوب كلوحة بلا ألوان، وكفاكهة بلا طعم .. فالأسلوب هو الذي يعطي القصة مذاقها، وينسج لها رداءها.
والقصة، ان خلت من الاسلوب، قد تعطي المعنى والمضمون، لكنها لا بد تفتقر الى الجمال والرقة والروح، لذلك يبقى الاسلوب اصعب عناصر القصة واكثرها عناء، فهو يحمل الفكرة والمضمون على بساطه السحري الى ذهن القارئ، ويفتح امام وجدانه ابواب الخيال والتأمل .
لقد نسي البعض، ممن يسود صفحات مجاميعه، بأن كاتب القصة الحقيقي يعتمد كثيراً على الحواس، ويثير خيال القارئ، فيجعله "يحس ويسمع ويرى" والكاتب الموهوب هو نحات ماهر في تتبع الخطوط والمنحنيات، ودقيق في وصف الصوت والذوق والرائحة.
فهؤلاء الكتاب، يتذرعون بقول ملؤه الغرور "أن اللغة اصبحت غير قادرة على الوفاء بمعاني ما يريدون قوله بقصصهم عن نظرتهم للحياة" .. عجيب هذا القول الذي قرأته لأحدهم !
ويبدو ان هذا النهج، هو من دفع كتاب القصة الجدد، الى الجنوح الى تحميل الالفاظ واللغة فوق على ما اعتاد عليه القارئ، من مدلولات، وكثيراً ما ناءت الفاظهم بحملها الجديد، فتفجرت وتفتت الى كائنات هجينة لم يستسغها القارئ العادي والمتخصص. لقد بالغ هؤلاء في التعمية وأغرقوا قراءهم وانفسهم في الغموض لحد بات محل تندر الكثيرين. فأين هؤلاء من كتاب ما قبل التسعينيات؟
يتصوّر من ولج عالم كتابة القصة، ان له حظاً عند فئة او مجموعة محددة من المجتمع، لكنه ينسى أن القصة المتكاملة هي في كل مكان من المجتمع، وهي في قلب كل فرد من افراده، لكونها صورة عن الحياة بعينها. وهي نوع من الادب المعّبر، الذي يعكس وعي الحياة بلبّها ومعانيها .