المرأة والفهدة*
في الأوقات التي كانت فيها مدينة "بوينس ايرس"** لا يعدو كونها اكثر بقليل من حصن ،كان يعيش فيها جنود مع عائلاتهم وكذلك أناس ليسوا بكثيرين.
هذا الحدث النادر والمثير للاستغراب بقيت ذاكرته لوقت طويل عند الذين عايشوه أو سمعوه ، ففي تلك الأوقات كان الذين يعيشون في "بوينس آيرس" يعانون من الجوع القاسي ، لقد كان ينقصهم أن يأكلوا و بشكل كامل ،فأكلوا الأعشاب وكل أصناف الحيوانات في الحقول ،ووصلوا إلى حد من الجوع هدد أولئك الناس البؤساء بأن يأكل أحدهم الآخر.
آنذاك كان يحكم السكان طاغية ، يفرض شروطا قاسية ، لم يحبه أحد فكلهم كانوا يعيشون حالة من الاستياء ، وهذا يضاف إلى مرارة عدم مواساة الجوع والى بعض بلوى الوحوش المفترسة من النمور وفهود الأونزا*** وقد اتو الى الغابات القريبة من الحصن ، وهددوا بالتهام كل من يبتعد عن الحصن.
كان الطاغية مسؤول المدينة، وتحت طائلة العقوبة بالموت ، قد منع أن يخرج أحد من مكانه ، فازداد الجوع ومات ناس كثيرون .
احدى النساء الإسبانيات لم تقدر على تحمل معاناة تلك الفاقة التي لا تطاق ، فعبرت السور الذي كان مبنيا للدفاع، ودخلت إلى أراضي هندية علها تنقذ حياتها . مضت لوقت لا بأس به على غير هدى في الطريق وكان عليها الاحتماء من عاصفة ، فدخلت للاختباء في كهف لاقتها في وهاد النهر ،
لكن فزعها كان كبيرا عند الدخول إلى المغارة ووجدت نفسها أمام أنثى فهد كبيرة وقوية كانت ترتاح هناك في المغارة ، ولرؤيتها فقط فان المرأة سيئة الحظ سقطت مغميا عليها.
عادت إلى وعيها بعد وقت وعندما نظرت إلى مكان الفهدة رأتها ملقاة تلعق بحرص كبير شبلين كانت تحميهما بين ساقيها .
نظرت الفهدة إلى المرأة وفي عينيها شيء يشبه وهج الحنان والعطف على الأشبال المولودين حديثاً ،وكل الذي أحست به المرأة هو أنها قامت واقتربت من الأم وأشبالها ، وأخذت تمرر يدها ، وتداعب الأم والأشبال ، وبعدها عاشت في ألفة صحبة الحيوانات الثلاثة .
لقد صارت المرأة الطيبة ترعى الأشبال عندما تخرج الأم الفهدة لتعود بلحم صيد للجميع .
لكن في يوم من الأيام خرجت المرأة لتسكت عطشها من ماء النهر ، فأفزعها بعض هنود الكيرنديس/Querandies الذين كانوا قد خرجوا إلى الصيد هناك ، فأخذوها معهم إلى قبيلتهم .
في هذا الوقت حدث الفعل غير العادي لهذه القصة إذ خرجت مجموعة من الجنود الإسبان ، يبحثون عن الأكل من القبائل المجاورة ، فوجدوا المرأة أسيرة عند الهنود فأنقذوها في اللحظة المناسبة ، وأخذوها إلى مسؤول حصن "بوينس أيرس" والذي لم يرها جيداً ، فأمر أن تلقى إلى الوحوش ليقطوعها ويأكلوها.
أخذها الجنود إلى الخارج ، وتركوها مربوطة جيدا إلى شجرة على بعد فرسخ من القرية ، و في تلك الليلة أتى رهط من الوحوش إلى المرأة الغنيمة ومن بينهم الفهدة التي كانت المرأة قد عاشت معها .
وعندما رأت الفهدة المرأة اقتربت إلى جانبها ، ولم تسمح لأي وحش بالاقتراب منها ،وبقيت تدافع عنها طيلة تلك الليلة واليوم التالي بليلته حتى اليوم الثالث .
ذهب الجنود إلى هناك بأمر من القبطان ليتأكدوا من ميتة المرأة ، وبدهشة كبيرة رأوها لا تزال على قيد الحياة والفهدة عند قدميها مع الشبلين .
ابتعدت الحيوانة الوفية قليلا عندما رأت الجنود ، وأفسحت لهم الطريق كأنها أشارت إليهم أن يصلوا إلى المرأة ، ويفكوا وثاقها حيث فعل الجنود ذلك ، وهم معجبون بذكاء وإنسانية تلك الوحشة..
وبعد أن فك الجنود وثاق المرأة أخذوها معهم ليعفوا عنها ، بعد تلك المعجزة التي رأوها وبقيت الفهدة تصدر إشارات وحركات، وتزأر بحزن كأنه تعبير عن الإحساس بالوحدة !! بينما كانت المرأة تبتعد وتلتفت إلى الوراء وفي عينيها دموع الشكر والامتنان للفهدة الطيبة.