وصل الفنان العراقي بهجت الجبوري وعائلته مهاجرًا الى أميركا، تاركاً حسرة في قلب كل مثقف وفنان عراقي، بسبب نزيف المواهب والعقول الذي لا يتوقف، مجرفاً البلد من كل قيمها ورموزها الفنية والثقافية فأي مبدع عراقي مخير بين الإهمال أو الرحيل.
بغداد/ عبدالجبار العتابي: عراقي آخر يولي وجهه نحو أميركا ، مهاجرًا او لاجئاً ، سيان، وهذا شيء مؤسف، حيث عبر الفنان الكبير بهجت الجبوري المسافات الشاسعة ليترك وطنه العربي كله ويحط الرحال في بلاد العم سام ، مرّ الخبر مروراً عابرا ً، لم ينظر يتوقف عنده أحد، على الرغم من انه شخصية مفعمة بالنجومية والابداع ، يشار اليها بالكفاءة والتميز ، وكأن الذاكرة الجمعية نسته او تناسته ، هاجر.. ليكون بعيداً عن بلده وناسه وربما عن فنه الذي يعشقه ، وكان العراقيون يتمنون لو ان العراق كان وجهته الاخيرة التي يجد فيها ملاذه وراحة جسده، وراحة باله، ويقدم لناسه الاعمال التي تخدم المجتمع ، لكنه لم يجد الطريق سالكة الى بلاده ، وها نحن لم نجد الا ان نرفع ايدينا للتلويح له مودعين، وكأننا نشعر ان فراقه سيمتد طويلاً وان الرجل الذي يبلغ من العمر 67 عاماً،ربما سيكون لسان حاله الأغنية الشهيرة يا طيور الطائرة، كي تسلم له على اهله هناك، وليس في خلده ان يقطع مرة اخرى المسافات مثلما لم يستطع الكثيرون من قبله وكانت احضان الغربة والوحشة تضمهم اليها بقوة وأضاعت اقدامهم طريقها الى الوطن .
هاجر .. ليخسره الوطن ، انسانا وفنانا ، لان بهجت الجبوري لم يكن ممثلاً عادياً بل كان هناك اتفاق على ادائه بانه ملك التلقائية، وكان يوصف بأنه خليفة سليم البصري في العفوية والطبيعية، وقد امتلك اداء باذخا جعله يقف في الصف الأول ومسيرة فنية لا تضاهى تمتد على نحو خمسين عامًا ، وها هو .. يستقر بعيدًا عن العيون ، وبالتأكيد ان هجرته قسرية ، فقد كان يشعر بالالم ان هناك من انتقده على الشخصية التي جسدها في مسلسل (فرقة ناجي عطا الله) مع عادل امام ، واعتبره البعض اساء على الرغم من توضيحات الجبوري من انه ممثل وليست هنالك اية اساءة .
كان الجبوري (من مواليد 1947) قد غادر العراق عام 2006 ، لأسباب صحية ، وبسبب الاحداث الصعبة التي جرت في العام ذاته ، كانت مصر ملاذه ، سكن في مدينة القاهرة ، وبالتحديد في منطقة 6 اكتوبر ، في شقة استأجرها يعيش فيها مع زوجته وأبنته الدكتورة ندى (طبيبة أسنان)، يعيش غربة منذ سنوات ، لأن اشواقه الى العراق لا يكتمها وهو القائل :
ليس هنالك أعز من العراق أنه بلدي الذي ولدت فيه وعشت بين أحضانه منذ ولادتي في قضاء الشطرة ولم أترك شبرًا الا ومرت قدماي عليه في أنحاء بلادي مواطناً وزائرًا وممثلاً أبنا للأرض ،أنها أيام تمنيت أن تعود وأرى قدميّ تطأ أرض بلادي من جديد أنه الشوق والحنين لكل العراق من الشمال الى الجنوب .
يعاني الجبوري من مرض السكري وأوجاع في القلب تنتابه بين حين واخر، لكنه يقوي نفسه ، يصبر ويصابر ، ويمارس المهنة التي يحبها وهي الفن ، فاشترك في عدد من الاعمال منها فلم (الريس عمر حرب) للمخرج خالد يوسف، الذي فاز عنه بجائزة أفضل ممثل ثانوي في المهرجان القومى للسينما المصرية فى دورته الخامسة عشر، وتم أختياره لفيلم (دكان شحاته) وعندما ذهب للتوقيع على العقد تبين له أن المغنية (هيفاء وهبي) تشترك في نفس الفيلم فقرر الانسحاب في اللحظات الأخيرة لأسباب انه لا يريد أن يخوض غمار مثل هذه الأعمال التي قال انها تعتمد على أمور بالفنانة لا تليق به ، واشترك مع عادل امام في مسلسل (فرقة ناجي عطا الله) انتاج 2012 .
وقد رأى الجبوري ان هناك من تجنى على الشخصية التي جسدها في المسلسل بدون وجه حق، كان التأويل الذي وصله من الاخرين وعبر وسائل الاعلام مؤلما بالنسبة له ، فقال بأسف (كان دوري الذي أديته في مسلسل ( فرقة ناجي عطا الله ) قد جلب لي بعض الأشكالات من الأخوة أبناء بلدي) ، ومن ثم راح يوضح : (أنا عراقي ،أبن الناصرية وأبن الموصل وأبن بغداد وكل محافظات البلاد) واضاف : ( أنا مثلت شخصية عراقي بحت ، أحب العراق ولم أكن طائفيا لأني أعشق العراق عشقا لا مثيل له، أدائي جاء ضمن تركيبة العمل فقط لأيصال فكرة عن كلام الناس وما يقولونه وما يتداول في بيوتهم وهذه حقيقة لامناص منها مطلقا ولكن ليس كل ما يقوله الفنان هو حقيقة دواخله وهذا خطأ فادح يرتكب بحق الفنان المؤدي قبل ان يكون خطأ قاتل بحقي وكثيراً ما يؤدي الفنانون دوراً تمثيلياً يكون ( كافرا) في فيلم لقصة أسلامية ويحكم عليه النص بالقول ضد المسلمين هل يكون هذا الممثل كافرا حقا أو يمثل دور مجنون هل هو حق مجنون وأختمها الفنان مؤدي ويبدع في الاداء ولكن ماذا تقول شعوب العالم عن فنانيها أذن ..لا ولا أقبل مثل هذه الرؤيا الخاطئة .
وختم : اذا انا كنت طائفيا، فنعم انا طائفي بحب (العراق فقط ) فهو ديني ومذهبي وقوتي ورجائي لان البلد ليس له تعويض لكل أنسان في العالم ومعذرة لكل من فهم الموضوع بالمقلوب وبالخطأ.
هاجر بهجت الجبوري تاركًا آثاره في تاريخ الفن العراقي ،هجرة مؤسفة هي بالطبع، وله اسبابه ربما التي توجع قلبه اذا ما ذكرها ، لكن دون شك من المؤلم أن فناناً مثله يهاجر دون رجعة
كاردينيا