صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 12 3
النتائج 21 إلى 28 من 28
الموضوع:

مسير الارواح في عالم البرزخ - الصفحة 3

الزوار من محركات البحث: 111 المشاهدات : 2997 الردود: 27
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #21
    من المشرفين القدامى
    تاريخ التسجيل: August-2011
    الدولة: بلا ما تعرفون
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 12,046 المواضيع: 1,766
    صوتيات: 9 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 2527
    موبايلي: n96i
    آخر نشاط: 8/December/2012
    :: المتوسلون ::
    قطعنا قليلا ً من الطريق وإذا بصرخات وصياح في وسط ذلك الظلام يطرق مسامعي , ولما أنصت قليلا ً تبين أنّه صوت بعض المتوسلين بنا كي نفيض عليهم من نورنا فيقتبسوا منه ويسيروا على ضوئه .
    كان ((حسن)) يسير أمامي فناداني قائلاً : لا تستمع لهم فإنّهم حثالات المنافقين والكافرين جاؤوا إلى هنا إنّهم لا يستحقون ولو قبسا ً ضعيفا ً من النور ومصيرهم السقوط في واحدٍ من هذه الحفر الموحشة, وحيث واجهنا إصراراً منهم توقف ((حسن)) وخاطبهم : إن كنتم بحاجة إلى نور الإيمان فارجعوا إلى الدنيا وأتوا به.
    التفت أحدهم نحوي وقال : يا عبد الله ألم نكن نحن وأنتم من المصلين الصائمين ؟ فلماذا تقولون ارجعوا إلى ذلك العالم وأنت تعلمون أنّه مستحيل.
    استشطت غضبا ً وصككت أسناني على بعضها وقلت لهم : نعم لقد كنتم معنا لكنكم كنتم تعملون للقضاء على ديننا لا نصرته , لقد كنت بالمرصاد تحاولون ضرب الإسلام وها أنتم الآن قد عرفتم أنكم كنتم من المخدوعين.
    :: تخاصم المجرمين ::
    انتهى كلامي معهم ثم دنوت من ((حسن)) وقلت له : هيا بنا لئلا يعاودون الإلحاح .
    قال ((حسن)) : أما ترغب أن تستمع تخاصمهم وتنازعهم؟ تأمل جيدا ً, فأنصتُ لهم فسمعت أصواتهم في قلب الظلام وإذا بهم يخاطب بعضهم بعضا ً : (( لولاكم لكنا مؤمنين وتمتعنا بنور الإيمان)) فردّ عليهم أولئك : أنحن صددناكم عن الإيمان ؟ فإن كنتم تريدون الإيمان لآمنتم .

    مضت لحظات من الصمت ثم صرخ أحدهم غاضبا ً : إنّ فلانا ً هو السبب فقد بدأ بلاؤنا منذ أن استمعنا لم قاله وأطعناه !
    فأجابه : لو أنكم لم تطيعوني طاعة عمياء, فارتفع صوت شخص آخر : لقد أطعناك في الدنيا فهيا أنقذنا مما نحن فيه .

    وهنا ارتفع صوت كبيرهم قائلاً : (( أما ترون أننا جميعا ً مشتركون في العذاب فأنّى لي إنقاذكم )) وما أن انتهى كبيرهم من الكلام حتى بدأ الذي اتبعوه بالدعاء بالويل والثبور عليه قائلين : (( ربنا إننا بريئون فهو كبيرنا ومرشدنا في الدنيا فضاعف عليه العذاب )).
    لم ينته تخاصمهم بعد فجذبني ((حسن)) وقال : هيا بنا نسير فإنّ نزاعهم لا نهاية له وسيطول نزاعهم في جهنم أيضا ً . وبعد خطوات تناهى إلى مسامعي صوت رهيب ٌ فسألت ((حسن)) عن مصدره فقال : هو صوت أحد المجرمين قد سقط في حفرة سحيقة .
    سررت لأن مثل هذا العذاب لا يطالني وهذا ما دفعني إلى مواصلة الطريق بمزيد من الأمان .


    :: سرعة العبور ::

    تقدمنا قليلا ً وإذا ببعض أنوار خافتة و أخرى قوية نسبيا ً تلفت انتباهي . فتصورت أنهم طائفة مثلنا يسيرون على ضوء نورهم , ولم يمضِ سوى قليلٌ من الوقت حتى وصلنا شخصا ً يتخطى رويدا ً رويدا ً على ضوء واحد من الأنوار الخافتة جدا ً فسلمتُ عليه وسألته عن حالته
    فقال : لقد أصابني الإرهاق , فعلى الرغم من أنني أسير في هذا النفق منذ مدة طويلة لكنني لا زلت في بداية الطريق.

    قلت : هذا بسبب قلت إيمانك , أيّد ما قلته له, وفي الوقت الذي كان يمسي ببطء تأوّه بشدة وقال : واحسرتاه واحسرتاه , ولم نبتعد عنه سوى خطوات وإذا بصراخه يعلو, أردت الرجوع لكن ((حسن)) قال بسرعة : لقد تعجّل وحيث أنّ نور إيمانه ضعيف جدا ً فقد هوى في إحدى الحفر , قلت : وما الذي سيحصل في نهاية المطاف؟

    توقف ((حسن)) وقال : لا شيء فإنّ ((حسن)) الخاص به سينقذه, لكنه يصل مقصده متأخر جدا ً. وما أن انتهى ((حسن)) من كلامه سطع أمامنا نور أخذ بأبصارنا ولما اختفى سألت ((حسن)) متعجبا ً: مالذي حصل ؟ فتأوّه ((حسن)) وقال : لإنّه أحد علماء الدين قضى عمره مطيعا ً عابداً مخلصا ً لله , وهاهو الآن طوى هذا الطريق المظلم بسرعة فائقة مستنيرا ً بنور إيمانه , فتحسرت أنا أيضا ً وقلت : طوبى له , فيا له من نور ويا لها من سرعة.

    دخل الهمّ فؤادي ووضعت رأسي بين ركبتي من الندم والخجل
    وقلت : واحسرتاه فهذا النور هو نتيجة أتعابي لسنوات طويلة من عمري .

    ناديت نداءً انطلق من أحضائي : يا إلهي , يا عليماً بأحوال الأحياء والموتى انظر إليَّ وزدني نوراً ليسهل عليَّ العبور من هذا المعبر الشاق.

    وبقيت على تلك الحال أبكي وأبكي حتى شعرت بأن النفق ازداد نوراً ولما رفعت رأسي من بين ركبتي شاهدت ((
    حسن)) وقد أصبح أكثر نورانية من ذي قبل فنهضت وتوجّهت نحوه مذهولاًوقلت له : لقد أصبحت أكثر نورانية !

    قال : لقد منَّ الله عليك برحمته وأفاض عليك من بنورٍ مضاعف وهذا بلا شك يعتبر استجابة لدعائك في الدنيا حيث كنت كثيرا ً ما تطلب رحمة الله لسفرك الأخروي , ثمّ واصل كلامه : لا أحد يستطيع العبور من برهوت معتمدا ًعلى عمله الصالح , فلا بد من أن تشمله رحمة الله إلى جانب عمله .
    سُررت كثرا ًوحمدت الله على لطفه ورحمته اللامتناهية , كنت أسير بسرعة وأمان أكثر حيث تجاوزت بعض الناس فيما استطاعت مجموعة أخرى تجاوزنا , مع أني كنت أشعر بالإرهاق لكنني لم أكن أبالي بسبب لهفي لوادي السلام ,
    فقلت لـ((حسن)) : ما أطول هذا الممر ؟
    فأجابني ((حسن)) وهو يحثّ الخطى بسرعة : لو أنّك صمدت أمام غبار الشهوات لكان الطريق قد سهل عليك كثيرا ً , والآن لا بأس فعليك الصبر قليلا ً فما أسرع أن ينتهي هذا الطريق ......

    ::
    طرق فرعية ::

    وأخيراً انتهينا من تلك الظلمة الموحشة ودخلنا صحراء مترامية الأطراف وبعد أن سرنا فيها خطوات توقف (
    حسن ) وقال : انظر ياصديقي ، إن السير في هذا الطريق محفوف من الآن فصاعداً بالمخاطر أكثرمما سبق ، ألقى نظرة سريعة على الطريق واستمر في حديثه : كل من ابتلى في الدنيا بنوع من الانحراف سينحرف هنا أيضاً ، ثم أشار بيده إلى الطريق الذي يقابلنا وقال : هذا هو الطريق المستقيم الذي ينتهي بوادي السلام ولكن لا بد من الانتباه فهنالك الكثير من الطرق الفرعية – فالطرق المتناثرة على اليمين والشمال مضلة وأما الجادة الوسطى فهي المستقيمةفأخذت أردد : اللهم اهدنا الصراط المستقيم . ثم طلب مني أن أسير خلفه وسرنا في الطريق الذي أمامنا ، وكان جميع الذين عبروا الكهوف ساروا في هذا الطريق للوصول إلى وادي السلام وكان الناس يطوون هذا الطريق بما لديهم من حسنات صغيرة أو كبيرة وبسرعات مختلفة .



    احبتي كونوا بالقرب
    فلا زال للقصة تتمة..

  2. #22
    من المشرفين القدامى

  3. #23
    من المشرفين القدامى
    بعد أن سرنا مسافة وصلنا مفترق طريقين ودون أن يتوقف ( حسن ) أشار إلى الطريق الواقع على الشمال وقال ": هذه جادة الحسد والطغيان من دخلها خرج من جادة الشرك التي تنتهي بوادي العذاب " وفي تلك الأثناء شاهدنا شخصاً قد وطأ بقدمه تلك الجادة ورحتُ أفكر بأمره فتألمت لأنه اختار هذا الطريق المنحرف بعد كل تلك المصاعب والطريق الذي قطعه . وكنت أتمنى أن يندم ويؤوب قبل وصوله إلى جادة الشرك . لم يزل ذلك المنظر يشغل بالي حتى واجهت مشهداً أخراً في طريقي حيث شاهدت رجلاً صغير البنية يسير إلى جانب الطريق خائفاً مرتعداً ، فالتفت إلي ( حسن ) وقال : طأ بقدمك رأس هذا وتقدم . توقفت وسألته متعجباً : ولماذا ؟ قال : المتكبرون في الدنيا تصغر أبدانهم هنا كي يركلهم الناس بأقدامهم .

    ولما تذكرت تكبر هؤلاء في الدنيا أخذتني العصبية فركلته بقدمي وألقيت به على الأرض وواصلت طريقي دون اكتراث بعويله وصراخه . وما أن ابتعدنا قليلاً حتى وصلنا مفترق ثلاثة طرق . فتوقف ( حسن ) ليدلني فقال : واصل طريقك المستقيم ولا تلتف يميناً أو شمالاً . لأن طريق اليمين طريق النمامين الذين يؤذون الناس بألسنتهم ، وأضاف : وفيه حيوانات لادغة تلدغ المارين من هناك .
    في غضون ذلك دخله شخص فخرجت بعض الأفاعي من الأرض وأنبتت أنيابها بجسده فتركته مطروحاً على الأرض يصرخ بصوت عالٍ .
    ونظراً لرعب المنظر أدرت بوجهي شمالاً فدهشت لرؤية شخص ضخم البطن لا يستطيع السير وكثيراً ما يسقط على الأرض . ولفقدانه التوازن انحرف نحو طريق الشمال وأخذ يواصل طريقه زحفاً .
    سألت ( حسن ) : أي طريق هذا الذي يسير فيه ؟ قال : هذا طريق آكلي الربا حيث يذوقون أشد العذاب .

    :: الغلي ::

    سار بنا الطريق نحو قمة تل ، ومن الأعلى انتبهت إلى الجانب الثاني من التل فشاهدت مجموعة من المأمورين يقفون على الطريق وقد أوقفوا عدة أشخاص ، وإلى جانب المأمورين كانت تتصاعد ألسِنة من النيران ، ولشدة خوفي ورعبي دنوت من ( حسن ) ومنعته من المسير ، فمسح ( حسن ) بيده على رأسي وقال : لا تخف فلا شأن لهم بك فقد وقفوا يتصيدون أشخاصاً معينين . وفي تلك الحال ارتفع صوت عويل وصراخ ولما نظرت عرفت أن شخصاً كان واقفاً والنيران والدخان يتطاير من جبهته ولما أمعنت النظر شاهدت مسكوكة مغلية قد طُبعت على جبهته ، ثم أحمى المأمورون مسكوكة أخرى ووضعوها على ظهره فملأ صراخه وعويله أجواء الصحراء ، نظرت في وجه ( حسن ) متحيراً ، ونظر هو أيضاً في وجهي وقال : هذا جزاؤه فهذه المسكوكات كان قد جمعها في الدنيا ، وكان يرد المحرومين والمستضعفين ولم يؤد حقوقهمقال ( حسن ) ذلك وسار نحو الأسفل ولحقت به مرعوباً خائفاً .

    ولما وصلنا عند هؤلاء المأمورين الغلاظ الشداد تضاعف خوفي ورهبتي لكن ما خفف من روعي وجعلني أهدأ هو أنهم فسحوا لنا الطريق للمرور فعبرنا من بينهم دون الشعور بالخطر .

    :: قطعة من نار ::

    ابتعدنا عنهم خطوات فراودتني فكرة الالتفات إلى الخلف ولما نظرت دهشت لرؤيتي المأمورين وهم يمسكون بشخص من رجليه ويديه ويحاولون إدخال قطعة من نار بالقوة في فيه ، توقفت عن المسير ورجعت إلى الوراء فهالني المنظر ، فكانت صرخاته وعويله أليمة للغاية ، وفي الوقت الذي كان داخله يستعر فقد كان يقطع الطريق زحفاً ، وفجأة شعرت بيد (حسن ) على كتفي فنظرت إليه وسألته : ما الأمر؟
    قال : إن الذين يأكلون أموال الناس بالباطل يتولى أمرهم مثل هؤلاء الملائكة المكلفين بإطعامهم قطع مستعرة من الحديد .
    بعد صمت قليل واصل ( حسن ) كلامه فقال : بطبيعة الحال فإن هؤلاء يوقعون عند معبر حق الناس .
    وبعد استماعي لكلام ( حسن ) اطمأن قلبي قليلاً ولكن نظراً لتألمي من ذلك المنظر توجهت إليه وطلبت منه الابتعاد عن ذلك المكان .
    ثم سرنا وسرنا حتى وصلنا شخصاً رافعاً يديه إلى الأمام وهو يتخطى خطوات قصيرة بحذر ، فقال ( حسن ) وهو يواصل مسيره مشيراً بإصبعه إلى ذلك الشخص : منذ أن خرج هذا المسكين من النفق أصيب بالعمى .
    ثم سار في طريق فرعي يبعد عنا خطوات وقال ( حسن ) : هذا طريق أهل الدنيا وسرعان ما يدخله ، فسألته لماذا ؟
    قال : ذلك واضح لأنه فضّل الدنيا وأهلها على الآخرة وعلى المؤمنين . وهذه الطائفة من الناس ممن يشترون الخسران المبين لأنفسهم ، وذلك هو شراء الدنيا بالآخرة . ولم ينته ( حسن ) من حديثه وإذا بهذا الشخص يطأ بقدمه طريق أهل الدنيا ، وبقيت أسير في طريقي وتارة أعود إلى الخلف لأنظر من ذلك الأعمى البائس .
    كنا نطوي الطريق المستقيم على ما يرام ، وكنا أحياناً نسبق غيرنا فيما يسبقنا آخرون وقد صادفنا في الطريق طرقاً فرعية وأناساً عجيبين ، من بينهم أشخاصاً ذوي لسانين امتدت من أفواههم وتستعر فيها النيران ، فقال لي ( حسن ) إنهم المنافقون .
    كما شاهدنا الذين ارتكبوا أعمالاً تخالف العفة وانغمسوا بالشهوات غير المشروعة وقد لجموا بلجام من نار . لكن الأكثر إزعاجاً هو الطريق الفرعي الذي تسير فيه النساء ، فهو طريق ينتهي إلى صحراء وتتعذب فيها نساء كثيرات ، فمنهن من علقن بشعورهن وذلك لأنهن كن يبدين شعورهن للأجانب ، ومنهن من يأكلن لحومهن ، وهن من كن يتزين أمام الأجانب ، ومنهن من كانت رؤوسهن رأس خنزير وأبدانهن بدن حمار لأنهن مارسن النميمة في الدنيا .
    والذي أثار دهشتي خلال مشاهدتي لجميع تلك المناظر هو عجز ( حسن ) الخاص بهؤلاء بحيث أنه كان يتخلف عن صاحبه أحياناً مسافة مئات الأمتار فيعجز عن هدايته وإعانته

    :: المرصاد ::

    قطعنا مسافة طويلة حتى وصلنا نفقاً ، وقبل أن نصل أعلى ذلك النفق تناهت إلى مسامعنا أصوات من الجانب الآخر للقمة أردت أن أسأل ( حسن ) عنها لكنني فضلت الإطلاع عنها شخصياً عند الوصول إلى القمة .
    لما وصل ( حسن ) إلى أعلى القمة توقف ، وبدوري التحقت به مسرعاً أسحب أنفاسي بقوة ، فذهلت لما رأيت واستحوذ علي الخوف والاضطراب .
    فقد كانت الطريق والأودية المحيطة بتلك القمة مليئة بالملائكة والذين وقعوا في قبضتهم ، فهم سيطروا على كل من كان يحاول المرور من هذا الطريق ، فسألت ( حسن ) : ما الخبر هنا ؟
    كان ( حسن ) ينظر يميناً وشمالاً ، فقال : هذا هو المرصاد ، قلت له مندهشاً : وما المرصاد ؟
    قال : مكان التحقيق حول حقوق الناس ، توقف ( حسن ) هنيئة ثم واصل كلامه : لو كان في عنقك أدنى حق للناس بدء من القتل وانتهاءً بالصفعة أو أي دين آخر ، كل ذلك يصبح سبباً في بؤسك .
    مرة أخرى استطلعت الوادي فكانت مجموعة محملين بالهموم والأحزان وقد افترشوا الأرض ولم يكونوا قادرين على التحرك لثقل السلاسل المطوقة بها أعناقهم ، وآخرون مصفدون بالحديد يتولاهم ملائكة غلاظ عظيمو الجثة ، فيما تاه آخرون في الوادي لا يؤذن لهم بالمرور من الطريق .
    كلما ارتفع صوت المأمورين في الأجواء بالإذن لأحد ما بالعبور وكان قد أوقف لمدة طويلة فإنه يواصل طريقه بكل سرور .
    ثم التفت ( حسن ) إليّ وقال : هيا بنا نذهب .
    قلت مضطرباً : لا يمكننا المضي من هذا المضيق .
    فقال : إن الملائكة يسيطرون على كافة الطرق فلا يمكن التغاضي عن حقوق الناس وإن الله ( تعالى ) لا يغض الطرف عن الظلم ، ربما يتنازل الباري عن حقه ويقبل شفاعة الصالحين ، لكنه لا يعفو عن حقوق الناس أبداً .
    سألت ( حسن ) كيف يتم معرفة الأشخاص هنا ؟
    قال : من كانت بذمتهم حقوق للناس يتم التعرف عليهم ومنعهم من العبور قبل الملائكة ، وقفت متسائلاً : وإلى متى عليهم البقاء هنا ؟
    قال : تختلف مدة بقائهم وتوقفهم ، فالبعض يبقون أشهراً ، وآخرون سنوات ، ثم سألته : وكم يطول التحقيق في حقوق الناس ؟
    قال : عدل الله ( تعالى ) هو الحاكم هنا ، والتحقيق يجري لصالح المظلوم إلا أن يعفو المظلوم عن حقه . وإلا سيؤخذ من حسنات الظالم وتضاعف إلى ميزان المظلوم حتى يرضى ، وإذا لم تكن حسنات الظالم كافية أخذ من سيئات المظلوم وأضيفت إلى سيئات الظالم ، وفي الحقيقة فإن هذا يعتبر قصاصاً من الظالم .
    دخل الرعب والخوف الشديد فؤادي لما سمعته من ( حسن ) . ولما وجدت أنه لا مفر من المرور من بين هؤلاء المأمورين قلت لـ ( حسن ) : لا حيلة لنا ... لنذهب !
    طوينا منعطفات النفق ودخلنا المرصاد وما مضى إلا لحظات حتى وجدت نفسي وجهاً لوجه أمام المأمورين وبإشارة من أحدهم وضعوا سلسلة ضخمة في عنقي ودون أن يمنحوني فرصة لمعرفة السبب أخذوا يسحبونني حتى أخرجوني عن الطريق .
    عبثاً أخذت أحرك رجليّ ويديّ علّني أفلح في الهروب منهم ، غير أن محاولاتي باءت بالفشل أمام سطوتهم ، وطلبت من ( حسن ) أن يستفسر عن سبب فعلتهم هذه لكنه اقترب مني وقال : عليك أن تعرف أن هؤلاء لا يعذبون أحداً دون علة . تأملت قليلاً فعرفت القصة ، فلقد اقترضت مبلغاً من المال من جارنا ولم استطع تسديده له وذلك لسفره ثم مرضه ، فصارحت ( حسن ) بذلك وطلبت منه البحث عن طريق للنجاة . وقد نظر ( حسن ) إليّ وقال : لو استطعت أن تزور ذويك في عالم الرؤيا وتطلب منهم أداء ما بذمتك من دين ففي ذلك أمل في خلاصك وإلا فإنك ستمتحن هكذا .
    وبمساعدة من ( حسن ) استطعت أن أزور ولدي الكبير في عالم الرؤيا وأحدثه عن حالي .
    بقيت أنتظر ما يرد به أهلي وإذا بي أرى شخصاً يحمل فوق ظهره أغلالاً من نار ويهرول بهذا الاتجاه وذاك ويصرخ : الويل لي ، فهذه الأموال التي اقترفتها بالخطايا هي التي أوقعتني هكذا في البلاء ، في حين أنفقها الورثة في سبيل الله (تعالى) فنالوا السعادة وعلى جانب آخر شاهدت حشداً كثيراً قد هجموا على شخص يطالبونه بحقوقهم .
    وعند رؤيتي لهذه المشاهد الرهيبة والحال التي أنا فيها غرقت في تفكير عميق وأخذت أحدث نفسي : لو كنت أعلم أن حقوق الناس من الأهمية وغير قابلة للعفو إلى هذا الحد لبذلت المزيد من التأني في تعاملي مع الناس سواء أثناء المعاملات أو إبداء وجهة النظر أو الإدلاء بالشهادة أو حتى أثناء الحديث معهم ، وهنا أخذت بالصراخ دون وعي : الويل من هذا المعبر إنه حقاً معبر الهلاك والشقاء .
    في تلك الأثناء فتح المأمورون الأغلال عن عنقي وابتعدوا عني . تصورت في الوهلة الأولى أنهم تركوني بسبب صراخي ، ولكن عندما ضمني ( حسن ) إليه مسروراً قال لي : لقد قضي دينك وإنك الآن حر في العبور من المرصاد ، وارتفع صوت المأمور بإطلاق سراحي . واصلنا طريقنا المستقيم للوصول إلى وادي السلام ....

    يتبع مع
    ..صراع مصيري..

  4. #24

  5. #25
    من المشرفين القدامى
    tp://www.youtube.com/watch?v=Ml7Pr...layer_embedded

  6. #26
    من المشرفين القدامى
    :: صراع مصيري ::

    تجاوزنا معبر المرصاد المحفوف بالمخاطر ، وتقدمنا حتى بدا من بعيد هيكل أسود مذهل يتوسط الطريق ، ولما تقدمنا أكثر ظهر أنه معروف لدينا ولما اقتربنا أكثر عرفته جيداً ، إنه الذنب لكنه أصغر من ذي قبل وأكثر نحولاً ويرتدي زياً غريباً .
    سرت خطوات إلى جانب ( حسن ) ، لقد كان وجهه – الذنب – مكفهراً ورائحته كريهة متنكباً سيفاً حاداً وينظر إليّ بعيون ناقمة .
    توقف ( حسن ) وكنت أقف خلفه وأخذ الخوف يخيم على قلبي شيئاً فشيئاً .
    نظر إليّ ( حسن ) برأفة ووضع يده على كتفي وقال : استعد للصراع مع الذنب !
    استحوذت عليّ الدهشة وقلت : صراعٌ مع من ؟
    نظرت إلى الذنب وأعدت سؤالي : مع الذنب ؟
    قال : نعم ، مع الذنب .
    دخلني الرعب والاضطراب وعرق جبيني ، ولما عرف ( حسن ) بالخوف الذي انتابني قال : في هذه الرحلة وفي هذا المكان لا خوف على أولياء الله .
    استلهمت الصلابة من حديث ( حسن ) فنظرت إليه وكان في يده سيف بتار فقلت له : من غير الممكن خوض صراع بيد خالية أمام عدو شهر السيف بوجهي .
    قال : لا عليك فإن نفس ذلك الملك الذي أعانك مرات ومرات سيأتي ليجهزك .
    قلت له : وما هو دورك في هذا الصراع ؟
    تأمل قليلاً وقال : سأحدّثك عن عدوك وإعدادك وتشجيعك ، ثم صافحني وقال : بعد أن يئس الذنب من إضلالك والإيقاع بك في الطرق الفرعية والمرصاد هاهو يقف أمامك الآن للمرة الأخيرة وبكل قواه متصوراً أنه ربما يقضي عليك وقد جاءك هذه المرة بثوب الدنيا شاهراً سيف الشهوات ، فعليك الحذر من أسنان سيفه فكل واحد منها يمثل واحدة من الشهوات . وهي حادة وجارحة وإذا ما تمكنت واحدة منها من بدنك فإننا سنواجه صعوبة في بلوغ مقصدنا .
    الذنب واقف وسط الطريق ويراقب تصرفاتنا ، و ( حسن ) ألقى ببصره مرة ثانية نحو الأعلى ، وأنا أيضاً توجهت ببصري نحو تلك الجهة لمحت من بعيد ذلك الملك المغيث بدا محلقاً ، وبطرفة عين حلّق فوق رؤوسنا ثم سلم وأعطى ( حسن ) سيفاً وثوباً قتالياً ودرعاً وخنجراً ثم غادر .
    لما رأى الذنب ذلك تحرك من مكانه قليلاً وبدا الخوف على وجهه القبيح ، والتفت إلى ( حسن ) مسروراً وقلت له : إن عدتي تفوق عدة الذنب ، ثم سألته : هذه الآلات ثمرة أيّ من أعمالي ؟
    كان ( حسن ) يهز السيف في يديه فقال لي : هذه ثمرات الأعمال التي قمت بها في الدنيا ، فالسيف ثمرة دعائك ومناجاتك ، ثم قال وهو يلبسني الثوب : وهذا علامة التقوى في الدنيا ، وقوته ترتبط بقوة تقواك .
    ولما ارتديت لامة الحرب وأخذت السيف بيدي وفي الأخرى أمسكت بالدرع ، قال : وهذه ثمار صيامك ، ثم قبلني ( حسن ) وشحنني بالقوة والصلابة ببسمته المليحة ثم قال لي : لا تخف أبداً ، فإنك ستقضي عليه بضربة واحدة ، هززت رأسي مؤيداً كلامه وتوجهت نحو الذنب الذي شهر سيفه وأخذ يرتجز قائلاً : إنني أبرز إليك نيابة عن الدنيا والشيطان ولن أدعك تجتاز هذا الطريق وسوف أهجم عليك بسيفي هذا من بين يديك ومن يمينك وشمالك ومن أمامك وخلفك ، وسأنزل ضرباتي الماحقة على رأسك ، ثم التفت إلى يمينه وقال : إن كنت تريد مني أن أتركك فاخرج من هذا الطريق واحملني على ظهرك ثم أشار بإصبعه وقال : كما يفعل ذاك الشخص ، فلما نظرت رأيت شخصاً حاملاً ذنبه على ظهره ويمشي بخطوات بطيئة جدا . هنا أدركت أنها إحدى خدع الذنب يريد بها تحطيمي في هذا الوادي ويمنعني من بلوغ مقصدي ، فصحت به : هيهات : سوف أقارعك ولن أخضع لك ذليلاً.
    وفي تلك اللحظة شعرت بسيف الذنب وهو يهوي على رأسي فرفعت الدرع فوق رأسي فكانت ضربته قوية بحيث أن واحدة من أسنانه نفذت فأصابت رأسي ، وهويت بسيفي على خاصرة الذنب فولّى هاربا صارخا مولولا ، ثم باشرت بعلاج جرحي وإذا بـ ( حسن ) يصرخ بي : احذره فقد جاءك من الخلف ، فرجعت فجأة إلى الخلف وفاجأته بضربة ثانية على خاصرته الأخرى فتقهقر .
    استمر الصراع بهذه الحالة وأنزلت بالذنب عدة ضربات أخرى ، فيما كان يهاجمني يمينا وشمالا وهو يلهث ، ففاجأني بضربة فرقت درعي وأصابت بدني ، ولكن مازلت أنا بطل الميدان بفضل ما يقدمه ( حسن ) من تشجيع لي .
    وبين الحينة والأخرى أسمع صوت ( حسن ) وهو يقول : ثمن الجنة القضاء على الذنب ، ومن هذا الكلام ازدادت معنوياتي ، كان الوقت يمضي والذنب يصاب بالإرهاق ويزداد تعبه حتى سقط على الأرض وسط الطريق فقد أرهقته شدة الجراح لكنه لم يزل يحاول إعاقة عبوري .
    تقدمت عازما على إنزال الضربات الأخيرة على رأسه فلحق بي ( حسن ) وسلمني الخنجر الذي بيده اليمنى وقال : بهذا الخنجر فقط بإمكانك الخلاص من شرور الذنب إلى الأبد ، وفي تلك اللحظة فهمت أنني دخلت ميدان الحرب بلا خنجر ، فأخذت الخنجر وأنا أمعن النظر به وقلت : عجبا لك من آلة نافعة ! هل بإمكانك أن تفصح ... فقطع كلامي وقال : لعلك تريد أن تعرفني نتيجة أي من أعمالك ؟
    قلت : نعم ، فقال :
    إنني نتيجة الصلوات التي كنت ترسلها على النبي وآله في الدنيا
    ، فهي قوية بحيث إنها تستطيع القضاء على الذنب .
    دنوت من جثة الذنب شبه الهامدة وغمست الخنجر في بدن الذنب وابتعدت عنه مباشرة ، فكان بدنه يكبر ويزداد حجمه وكنت أشعر بالسرور لأنينه ، وبعد قليل انهار جسد الذنب محدثا صوتا مهيبا وتناثرت أشلاؤه هنا وهناك في الوادي . فارتفع صوت ( حسن ) مسرورا فجاءني مسرعا وضمني إليه وهنأني بكل حرارة وقال : وأنا بدوري لم أخفِ فرحتي واحتضنته ولما انتهى عناقنا قال لي : لقد شفيت كافة جروحي تماما بالقضاء على الذنب ، ومن الآن فصاعدا سأبذل لك العون بكل نشاط وحيوية .
    لقد كنت ناسيا جروح ( حسن ) وما أن سمعت كلامه هذا طرت فرحا وهنأته على ذلك وضممته إليّ . وأخيرا فتح الطريق أمامنا فواصلنا طريقنا يحدونا الأمل والسرور .


    :: بشرى الشفاعة ::

    كنت أضج أحيانا من الجراحات التي برأسي وبدني ، ولقد كنت غافلا عنها بسبب اندفاعي لمقارعة الذنب وللفرحة التي أعقبتها ، وكنت أخشى أن تعيقني عن مواصلة الطريق .
    لم نقطع من الطريق إلا قليلا فجلست على الأرض وطلبت من ( حسن ) شيئا من الاستراحة ، فرجع إليّ وقال : الوقت قليل فلا بدّ من المسير بأيّ نحو كان .
    قلت : أما تراني لا أقدر ؟
    وكعادته في مواساته لي ، تقدم نحوي وقال : ليت تقواك أكثر من هذا بقليل لاستطاع درعك دفع الضربة التي نزلت عليه كسائر الضربات . ألقيت بنظرة على الدرع ، والألم قد سلب مني الراحة ثم قلت : العجب لهذا الدرع الذي لم يستطع المقاومة أمام تلك الضربة رغم ضخامته . فأجابني ( حسن ) مباشرة ، إنك لم تصم سنة كاملة بعد بلوغك ، أما بقية الأيام فإنك ربما أذهبت أثرها بأعمال غير مرضية .
    استولت عليّ الحسرة والندامة والخجل ، فأخذ ( حسن ) بيدي وأنهضني من الأرض وقال : لو استطعت الوصول إلى وادي الشفاعة فهنالك أمل في مواصلتك الطريق مشافى وبسهولة : كان اسم الشفاعة معروفا لديّ كثيرا ومبعث تفاؤل لي في الدنيا ، لذا فقد أسرعت بالسؤال : أين هذا الوادي ؟ فأشار ( حسن ) إلى الأمام وقال : إلى الأمام قليلا ، ثم واصل قائلا : إن الشفاعة تتعلق بالقيامة الكبرى لكنك تستطيع الآن أن تفهم إن كنت من أهلها أم لا ، فإن بشروك بها فإنك ستستلهم روحية جديدة وتطوي بقية الطريق بكل يسر .
    كنت أحيط بيدي على رقبة ( حسن ) ونواصل طريقنا بصعوبة بالغة . وحين مسيرنا قلت لـ ( حسن ) : لو كنت أستطيع العودة إلى الدنيا لأخبرت أهلها : إن خير الزاد التقوى . فهز ( حسن ) رأسه وقال : وهو كذلك بالطبع ، ثم سكت ولم أعد أقدر على مواصلة طريقي إذ عمّ الألم جميع كياني فطلبت من ( حسن ) العون فحملني على كتفيه وسار . وأنا في تلك الحال قلت له : أتستطيع حملي على ظهرك حتى نصل وادي السلام ؟
    قال : لا إذن بالدخول لوادي السلام لمن ضربه ذنبه وجرح بدنه ، فأدركت أن لا مناص لي سوى أن تدركني الشفاعة وحسب .
    أخذنا خطوة فخطوة نحو وادي الشفاعة يحدونا الأمل ، وأحيانا يقشعر بدني ويهتز كياني لئلا تدركني الشفاعة ، ولم يكن لديّ سوى ( حسن ) الذي يؤنسني في تلك الحالة .
    أخذ المناخ يتحسن شيئا فشيئا فقد انخفضت درجة الحرارة ولم يبق من الدخان المتراكم في السماء سوى طبقة خفيفة وكنت أتجرع كل أنواع الألم والعذاب بغية الوصول إلى وادي الشفاعة .
    وأخيرا وصلنا مرتفعا يمر طريقنا من خلاله ، فتوقف ( حسن ) وقال : على الطرف الآخر من هذا المرتفع يقع وادي الشفاعة الزاخر بالبركة والخيرات ، وعندما وصلنا إلى أعلى هبّ نسيم عذب فألقى ، ( حسن ) بي على الأرض وقال : لنجلس هنا بانتظار بشارة الشفاعة ، فإذا ما نلت شفاعة أحد أو بالأحرى شفاعة المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) فإن جميع جراحك ستلتئم .
    سررت كثيرا لعلمي بأنني كنت من أتباع مذهب أئمته أفضل الشفعاء بالنسبة لي .
    خطر إلى ذهني سؤال أقلقني فتوجهت إلى ( حسن ) فسألته : وإذا لم تنفع ؟ وكأن ( حسن ) لم يكن يتوقع مني هذا السؤال فأطرق برأسه ، فأعدت عليه السؤال مرعوبا أكثر من ذي قبل : وإن لم ينفعني علاج الشفاعة ؟ فأجابني ( حسن ) وهو مطرق الرأس : حينذاك ستصبح شقيا تعيسا .
    اعترتني حالة الرهبة والاضطراب وأخذت أبكي دون وعي مني ، وكعادته في مواساتي ورأفته بي اقترب ( حسن ) مني وقال : لا تبك فإننا حيث قطعنا كل هذا الطريق فإننا سنقطع ما تبقى ببركة هؤلاء بفضل منزلتهم عند الله ، فلطفهم أكبر من أن يتركونا على هذه الحالة و....
    هنا قُطع كلام ( حسن ) بسلام من أحد المعارف ، فالتفتنا نحو مصدر الصوت ، إنه ذلك الملك المغيث قد جاءني هذه المرة بمرهم الشفاعة لإنقاذي فقال هذا الملك وهو يسلم المرهم لـ ( حسن ) : هذه هدية وهي عبارة عن بشارة بالشفاعة من آل الرسول (صلى الله عليهم وآله وسلم) ثم ابتعد عنا محلقا بجناحيه ، فلم تعد الدنيا تلمني من الفرح وودّعت ذلك الملك بعيون مغرورقة بالدموع .
    ولما وضع ( حسن ) الدواء على جروحي شعرت وكأن آلامي وضعفي التي كانت تخيم على كياني قد زالت ووقفت على قدمي مباشرة وفي هذه المرة ترقرقت عيناي بدموع الشوق وصرخت بصوت عال : السلام عليكم محمد وآله الطاهرين الذين يبذلون الشفاعة لمن يحبهم ، وإن الله لن يرفض شفاعتهم يوم القيامة أبدا .
    لقد كان صراخي جليا قويا بحيث وصل أسماع مجموعة من أهل وادي الشفاعة فجاءوني يهرعون وقالوا لي : ما الخبر ؟ سمعنا صوت فرح لا يطلقه إلا الحائزون على الشفاعة . فأجبتهم والسرور يملؤني : نعم ، لقد نلت البشارة بشفاعة آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وضمدوا جروحي التي أصابني بها الذنب .
    فقال لي أحدهم مهموما : وما عسانا فاعلون ؟ فهل هنالك من يشفع لنا ؟
    قلت له : ولم تريدون الشفاعة ؟
    قال : لا يؤذن لنا بالعبور .
    فسألته متعجبا : ولماذا ؟
    قال وهو يبكي : لقد أخبرنا الملائكة بأننا أفلحنا بالوصول إلى هنا ، لكننا من الآن فصاعدا بحاجة إلى بشارة الشفاعة ... هنا نادى عليّ ( حسن ) وطلب مني أن لا أضيع الوقت هدرا .
    ونحن نسير سألت ( حسن ) : ما هو مصيرهم ؟ فرد علي : لا تفكر بهم ، فلكل واحد نصيب من الانتظار لنيل الشفاعة ، فطائفة مثلك تطلب الشفاعة ، وآخرون كهؤلاء يطلبون الإذن بالعبور ، ومثل هؤلاء كانوا قد نسوا الله في الدنيا وأنكروا الشفاعة . وكانوا يتقاعسون عن إقامة الصلاة ، لكنهم حيث تعقدت أمورهم أخذوا يفكرون بالشفاعة .
    لا زلنا نسير في وادي الشفاعة ، فألقيت بنظرة نحو أولئك المحتاجين وقلت لـ (حسن) : ليت الناس جميعا كانوا صالحين في الدنيا بحيث يستغنون عن شفاعة أي إنسان .
    نظر ( حسن ) إليّ وقال كلا ، ليس كذلك فالجميع بحاجة إلى شفاعة محمد وآله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فالبعض يحتاجون الشفاعة لدخول الجنة ، وآخرون يمدون أيديهم لنيلها لغرض بلوغ درجات أعلى فيها ، فدهشتني الحيرة لهذا الكلام فلم أتكلم بعدها أبدا .
    وبعد سكوت قصير واصل ( حسن ) حديثه حول أهل وادي الشفاعة فقال : البعض منهم لم يكونوا يقبلون أعذار إخوانهم المؤمنين ، وآخرون لم يكونوا يطعمون المساكين ، وطائفة أخرى كانوا يخوضون باللعب واللهو فكيف يشفّع بهم إن لم يذوقوا العذاب لعل رحمة الله تدركهم فيما بعد .
    وأخيرا ودعنا وادي الشفاعة وواصلنا طريقنا بمزيد من النشاط والحيوية .

    "
    رزقنا الله وإياكم شفاعتهم يوم القيامه
    "


  7. #27
    من المشرفين القدامى

  8. #28
    من المشرفين القدامى
    :: كوثر البرزخ ::

    ثم وصلنا نهراً جميلاً وعجيباً لم أرَ مثله طيلة حياتي, بل لم أكن أتصور حتى في عالم الخيال, ففي جانب منه ماء زلال وفي الجانب الآخر يجري لبنُ سائغُ أكثر بياضاً من الصقيع, والأعجب من ذلك هو جريان شراب بينهما يشبه في حمرته الياقوت قلَّ نظيره بالجمال ونظرت إلى بداية النهر ونهايته فلم أجد له بداية أو نهاية. ووقعت عيناي على أشجار ورياض على جانبي النهر كانت مناظرها من الدهشة بحيث أنني لم أرَ مثلها ولم تخطر على بالي حتى في عالم الرؤيا .

    تعلّقت عيناي بالنهر فسألت عن منبعه, فأجابني "حسن": أنه نهر الكوثر الذي ورد الحديث عن منابعه في القرآن الكريم وهو يجري على امتداد وادي السلام, كل في كلم منطقة يتميز بطعم خاص, فقلت: ولماذا؟ قال: كلما تسامت منزلة المؤمن ازداد مستقره روعة وبذلك يزداد نهر الكوثر جمالاً. ثم حلَّق ببصره إلى آخر النهر فقال: عندما يمر النهر من وادي الشهداء فانه يصبح جميلاً ولطيفاً بحيث تقصر الأبصار عن النظر إليه, سألته متعجباً: إذا كان الأمر كذلك فكيف يكون عبوره عند الأئمة عليهما السلام ؟ أدار "حسن" ببصره نحوي وقال: ماذا تقول؟ انهم في غنىً عن هذا النهر, فكل ما في هذا النهر من لذةٍ وحلاوة ورقّةٍ إنما هو ببركة الأئمة والأنبياء عليهم السلام , سكت هنيئة ثم واصل كلامه, هناك تقع منابع النهر ونحن الآن نقف على بقعة صغيرة منه. بعد قليل قال "حسن": أتريد أن تشرب منه؟ وحيث إن ذلك لم يخطر ببالي بسبب انشغالي بجمال المنظر. قلت بكل سرور: بالطبع بالطبع, ولم أكن بالمرة منتبهاً إلى إمكانية الشراب من هذه النهر.

    فابتسم " حسن" وقال: إذن هيا بنا إلى مستقرك فهناك الكوثر أكثر عذوبة.

    أخذنا نسير على ضفة النهر بحيوية ونشاط بالغين, وقد شدّني جمال الكوثر عن المناظر المحيطة به, وكلما تقدمنا أكثر ازداد جمالاً وروعة. وفي كل آنٍ تزداد عندي اللهفة لارتشاف جرعة من النهر حتى بلغنا منطقة توقفتٌ عن الحركة فجأة وتوجهت نحو " حسن" وقلت له: لن أتقدم خطوة واحدةَ إن لم أشرب من هذا النهر! فردَّ عليَّ قائلاً: إن الآن في دار السلام الخاص بك وبإمكانك الارتشاف ما شئت هنيئاً مريئاً, فأخذت أفكر في كيفية تناولي منه فأشار "حسن" إلى أعلى شجرةٍ وقال: أطلب من تلك الحورية التي تجلس على الغصن لترويك, نظرت إلى الأعلى فشاهدت حورية غاية في الجمال وقد أمسكت بكأسٍ رائعٍ في يدها, وقد أجَلْتٌ بنظري إلى الأشجار وجدتٌ فوق كل شجرةٍ حوريةً تحاول خطف فؤادي بدلالها وغزلها, وبإشارة خاطفة ملأت إحداهنّ ذلك إلا إن الظريف بماء الكوثر وقّدمته لي وهي تبدي دلالاً واحتراماً وأدباً, وما إن ارتشفتٌ جرعة منه حتى أصابني السٌكر فلم أعد اشعر بوجود أدنى ألمٍ ووجعٍ في بدني من رحلتي تلك.

    :: زيارة للعائلة ::

    هنا تذكرتُ أسرتي فقلت لـ "حسن": أريد بأي نحو كان المرور على الدنيا لأوقظ أهلها من غفلتهم ليعلموا أن الموت يعني الخلاص, خلاص من الآلام والعذاب التي يعج به ذلك العالم, فإذا عرفوا بالصفاء الذي يسود هذا العالم لم يعد الموت مٌرّاً بالنسبة لهم.
    ردَّ "حسن" علّ قائلاً: لا إذن لك في إخبارهم عمّا يدور هنا, لكنك تستطيع زيارتهم. فقلت مسروراً: وكيف؟
    قال: لكل واحدٍ من أهل البرزخ الأذن في زيارة أهله على هيئة طائرٍ جميل ومدة هذه الزيارة تتناسب مع استحقاقهم, فبعضهم يزورون أهلهم كل يوم جمعة, وآخرون كل شهر, وطائفة يحصلون على إذن الزيارة كل عام مرة واحدة. ربتَ "حسن" على كتفي وقال: تأهب, لأنك تستطيع الآن زيارة أهلك. كان ظلام الليل قد ألقى بأجنحته على الدنيا, جلستٌ على جدارٍ وأخذت أراقب حركاتهم عبر زجاج النافذة, فكانت زوجتي منهمكة بالأعمال المنزلية. أما أولادي فكان كلٌّ منهم منهمك بشأنه, ثم مررتٌ على دار ولدي الكبير وابنتي الكبيرة ومن هناك توجهت إلى بيوت أخوتي وأخواتي, وقد سررتٌ كثيراً لعدم ارتكابهم الذنوب. ولنفاذ صبري على المكوث في الدنيا أكثر من ذلك فقد عاودت الرجوع إلى مستقري في وادي السلام.

    :: هدايا الأحياء ::

    مضت مدة طويلة وأنا أداوم على حياتي الزاخرة بالسعادة والصفاء في وادي السلام, وكنت بين الحين والآخر أتنعم بهدايا أهلي والمؤمنين من أصدقائي, تلك الهدايا- وهي دعاؤهم واستغفارهم لي- التي كانت تسعدني وأشعر كأنني غريقاً استطاع النجاة. فيما كانت الخيرات المتأتية عن الباقيات الصالحات التي قمت بها تصلني تباعاً فتدخل السرور إلى نفسي, كما كنت استأنس بمن يزور قبري وأسعد لحضوره. بل إن قراءة الفاتحة كانت أهم عندي من الدنيا وما فيها من حيث الراحة, لكنني كنت أعلم أن الأحياء لا يدركون هذه الحقيقة.

    :: الظهور ::

    ما زالت الحياة المادية قائمة, وما زلنا نحن نعيش في بحبوحة الرحمة الإلهية, وفيما عدا باب الأئمة والأنبياء فإن سائر أبواب دار السلام كانت تستقبل قوافل السعداء في عالم البرزخ, لكن الأخبار الواردة عبر الطرق والسبل في برهوت تحكي عن تورط مجاميع كبيرة من الناس, ومن ناحية أخرى كانت أعداد أهل وادي العذاب في تزايد مستمر في كل آنٍ, وكل ذلك يحمل دلالة على امتلاء الدنيا بالظلم والجور, بحيث أضفت على باب الشهادة من ناحية وعلى وادي العذاب من ناحية أخرى طابعاً جديداً, فيما جعلت الكثيرين يعيشون العذاب في وادي برهوت.

    :: أحبتي أنتظروني مع الجزء الأخير من هذه المسيرة ::

صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 12 3
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال