صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 28
الموضوع:

مسير الارواح في عالم البرزخ

الزوار من محركات البحث: 111 المشاهدات : 3015 الردود: 27
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    من المشرفين القدامى
    تاريخ التسجيل: August-2011
    الدولة: بلا ما تعرفون
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 12,046 المواضيع: 1,766
    صوتيات: 9 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 2527
    موبايلي: n96i
    آخر نشاط: 8/December/2012

    مسير الارواح في عالم البرزخ

    قرات الموضوع في منتدى اخر


    واحببت ان انقله لكم


    فلنتابع احبتي ولنتخيل معاً مسير ارواحنا في عالم البرزخ


    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




    الموضوع منقول من أحد الكتب كتاب " مسير الأرواح في عالم البرزخ للكاتب " أصغر بهنمي "



    أدخل عليـه بعض التعديلات


    قال الإمام علي { عليه الســلام }
    :: الناسُ نِيام .. فإذا ماتوا انتبهوا ::



    الاحتضار



    منذُ أيام عمّ الألمُ جسدي وأخذ يؤذيني .. وبدأت علامات الموت تدنو مني وحلّت بي حالة الاحتضار .


    أداروا برجليَّ نحو القبلة .. وأحاط بي زوجتي وأبنائي وأقربائي وبعضُ أصدقائي .. ومنهم مَنْ ترقرقت دموع عينيه .. فأغمضتُ عينيّ بهدوء وغرقتُ في بحر أفكاري .. وأخذتُ أفكر مع نفسي .. بمّ قضيتُ عمري .. ؟ .. ومنْ أين لملَمتُ أموالي .. ؟ – رغم قلّتها – وأين أنفقْتُها .. ؟ !!!


    لقدْ كان التفكير بذلك يؤلمني كثيراً .. ومن شدّة القلق فتحتُ عيوني .


    الموت (( خروج الروح من الجسد ))


    في تلك الأثناء انتبهتُ إلى وجود شبحٍ طويل القامة يرتدي ثياباً بيضاء قد نشب يديه على أطراف أصابع قدميَّ وأخذ يتجه نحو الأعلى من جسدي .. ولمْ أكن أشعر بالألم عندما كان عند قدميَّ لكن الألم أخذ يزداد كلّما إرتفع نحو الأعلى وكأنّ الألم باجمهِ أخذ يتحرك إلى الأعلى من جسدي حتى وصلت يديه إلى حلقومي .. حينها أصبح جسدي بلا شعور .. بيد أنّ رأسي أصبح ثقيلاً بحيث كنتُ أشعر بأنهُ سينفجر من شدة الضغط .. أو أنّ عينيَّ ستخرجان من حدقتيهما .


    تقدّم عمّي الشيخ العجوز نحوي وقدْ امتلأت عيناهُ بالدموع وقال لي : يا ولدي اقرأ الشهادتين .. أنا أقرأها وأنت رددها معي : أشهد أنّ لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله وأنّ علياً وليّ الله ...


    لقدْ كنتُ أراه وأسمع صوته .. فتحركتْ شفتاي ببطء .. وما إن أردتُ التلّفظ بالشهادتين حتى أحاطت بي أشباح سوداء قبيحة وألحّوا عليَّ أن لا أنطق بالشهادتين .. لقدْ كنت سمعتُ بأنّ الشياطين تحاول سلبَ إيمان المرء عندَ موته .. لكنني لمْ أكن أتصوّر أبداً أنهم يفلحون في صدّي .ومرّة أخرى أدنى عمي وجههُ مني وتلّفظ بالشهادتين .. ولمّا أردتُ تحريك لساني تحرّك الشياطين مرّة أخرى ولكن عن طريق التهديد في هذهِ المرّة .


    لقد كانت لحظات عجيبة .. فمن ناحية كان الذي يرتدي ثياباً بيضاء يمارس أعمالاً مدهشة .. ومن جهة ثانية .. كنتُ أواجه إصرار عمي على النطق بالشهادتين .. وثالثة محاولات الأشباح الخبيثة في سلب إيماني في آخر لحظات حياتي .


    ثَقُل لساني وكأن شفتي قد خبطت مع بعضها .. لقد اعتراني العجز .. وكنتُ أريد الخلاص من هذا الوضع المؤلم ولكن كيف ..؟ !! وعنْ أي طريق ..؟ !! وبرواسطة منْ ..؟ !! في غضون ذلك التجاذب ظهرت من بعيد أنوارٌ ساطعة فقام الرجل ذو الثياب البيضاء إجلالاً لها فيما ولّت تلك الوجوه القبيحة هاربة .. ورغم عدم معرفتي في تلك اللحظات لتلك الأنوار الطاهرة الفريدة لكنني عرفت فيما بعد أنهم الأئمة الأطهار { عليهم السلام } قدْ حضروني في اللحظات الحساسة وببركة وجودهم اشرق وجهي وانفتح لساني فتحركت شفتيَّ ونطقتُ بالشهادتين هنا امتدت يدُ ذلك الرجل ذي الثياب البيضاء لتمسح على وجهي .. وشعرتُ بالإطمئنان بعد أن كنتُ أعاني شدة الألم والإضطراب .


    لقد أصبحتُ وكأنني ألقيتُ الآلام والعذاب بأجمعهِ على كاهل أهل الدُنيا لأنني شعرتُ بالإستقرار وكأنني لمْ أرَ حرية وإستقراراً كالذي عشتهْ في ذلك اليوم فقدْ انفتحَ لساني وارحَ عقلي .


    كنتُ أرى الجميع وأسمع أحاديثَهُم .. هُنا وقعت عينان على ذلك الرجل ذي الثياب البيضاء فسألتُهْ : منْ أنت ..؟ !! وماذا تُريدُ مني ..؟ !! فإنني أعرفُ كلّ الذين حولي إلاّ أنت .. ؟ .!


    فقال : كانَ عليكَ أن تعرفني .. أنا ملكُ الموت .


    فأضطْربتُ لسماع إسمه وأهتزَّ كياني .. فوقفتُ أمامهِ أتخّضع وقلت : السلامُ عليكَ يا ملكَ ربي فلطالما سمعتُ بإسمك ومع ذلك لمْ أستطع معرفتك حين الموت .. هل تريد الإذنَ مني كيْ تقبِضَ روحي .. ؟ !!


    فأجاب ملك الموت مبتسماً : إنني لا أحتاج إلى إذنِ من أيِّ أحد لأنتزعَ روحه من جسده .. وإذا ما تأملّت جيداً سترى أنّكَ قدْ ودّعتَ الحياةَ الفانية .. أنظر إلى جسدك قدْ بقيَ بين أهل الأرض !


    فنظرتُ إلى الأسفل فأستحوذتْ عليَّ الدهشة والحيرة .. إذْ إنّ جسدي مطروح على الأرض بلا حراك بينَ أقربائي ومعارفي .. فيما كانت زوجتي وأبنائي وكثيرٌ من الأقارب يحومون حولي وهمْ يبكون وترتفع صرخاتهم إلى عنان السماء وأخذَ آخرون بالشكوى والتساؤل : لقدْ تعّجلَ عليهِ الموت .. لماذا .. ؟ !!!


    أخذتُ أفكر مع نفسي : لِمَ ينوح هؤلاء .. ؟ !! ومِنْ أجل مَنْ .. ؟ !! أردتُ دعوتهمْ لإلتزام الهدوء .. وهل يكون ذلك .. ؟ !! ....


    صرختُ فيهم : أيّها الأعزاء إلتزموا الهدوء .. أما تريدون راحتي وإستقراري .. ؟ !! فلماذا هذا التفّجع والحزن .. ؟ !!


    بعدَ الألم المضني أصبحتُ الآن في كامل الراحة والسعادة


    إنني أخاطبكمْ أما تسمعون .. !! لِمَ هذا البكاء ..؟ !! مِمَّ عويلكمْ وبكاؤكمْ ..؟ !! نوّروا الدار بالدعاء وذكر الحق تعالى .

    استمرّ عويل واستغاثة الحاضرين .. يعلو ويعلو .. هُنا سمعتُ صوت ملك الموت يقول : ما الذي دهى هؤلاء !! مِمَّ صراخهمْ وعويلهمْ !! ولِمَ هذهِ الشكوى والتفجّع !! لِمَ هذا البكاء واللطم على الرؤوس !! أُقسمُ بالله أنني لمْ أرتكبْ ظُلماً بحقه .. فلقدْ نفد رزقه في هذهِ الدنيا .. ولوْ كنتمْ مكاني لقبضتُمْ روحي بأمر من الله .. أعلموا أنّ دوركمْ سيأتي يوماً ما .. وسأترددُّ على هذهِ الدار حتى لا أدع أحداً فيها .. إنّ عبادتي وطاعتي لله هي أن أقطع كلّ يوم وليلة أيدي الكثيرين عن هذهِ الدنيا .

    الناسُ متسمرون بعملهمْ لا يسمعون هذهِ الإنذارات .. تمنّيتُ لوْ كنتُ سمعتُ هذهِ الإنذارات ولوْ مرّة واحدة في الحياة الدنيا كيْ تكون عبرةً لي .. لكن وااااحسرتاااه ثمّ وااااحسرتاااه !!

    لفوني بقطعة قماش وبعدَ ساعة حملوني إلى المغتسل .. إنهُ مكان معروف لديّ لطالما جئتُ هُنا لغسل أمواتنا .. وهُنا لفتَ انتباهي المُغّسل حيث كان يقّلبني كيف شاء ودون عناء – ونظراً لعنايتي بجسمي فقدْ صرختُ بالمغسِّل : تمّهل قليلاً !! إرفقْ بي !! فقبل لحظات خرجتْ الروح من هذهِ العروق فأضعفتها وأعجزتها ... لكنّهُ واصل عمله دون أدنى عناية بمطالبي المتكررة .

    إنتهى الغُسل .. ثُمّ لفوني بذلك الكفن الذي كنتُ قدْ اشتريتهُ بنفسي .. لقدْ كنتُ أفكر آنذاك بأنّ شراء الكفن إنما هو عملٌ روتيني .. ولكن ما أسرع أن لُفَّ جيدس بالبياض .. حقاً إنّ الدنيا دار جَواز .

    وعندَ سماعي لنداء الصلاة ... الصلاة ... الصلاة .. دخلني نوعٌ من الطمأنينة .

    التشييع

    "".. أنا راحلٌ .. وثقوا أنكمْ ستلحقون بي .. ولا تتصوروا أنّ الموت خُلق لغيركمْ .. عجباً لكمْ تشاهدون الموت ولا زِلتُمْ غافلين ..!!! ""لما انتهت الصلاة حملوا جنازتي على أيديهم .. ومرة أخرى بعثت صرخات الشهادتين الطمأنينة في نفسي .. ولعلاقتي بجسدي أمسكتُ بأعلى الجنازة وأخذتُ أسيرُ معها .

    لقدْ كنتُ أعرف المشيعين جيداً .. مجموعة بقاعدة التابوت .. وأخرى تمشي خلفه .. كنتُ أسمع أصواتهم وأحاديثهم .. حتى انّ باطن الكثير قدْ انكشفَ لي .. من هُنا قدْ اعتراني السرور لحضور البعض .. فيما كان حضور آخرين يؤذيني حيثُ كانت الرائحة الكريهة المنبعثة منهم تعّذبني .. كنتُ أرى بعضهُمْ على هيئة قردة في حين كنتُ أحسبهم في الدنيا من الصالحين .. من جانب آخر نظرتُ إلى أحد معارفي فداعبت روحي رائحة العطر المنبعثة منه .. وقدْ كنتُ في الدنيا لا أكنُّ لهُ الإحترام وذلك للبساطة الطاغية على ظاهره .. وربّما أسقطته في عيني غيبة الآخرين له .. و و ..

    كان التابوت يسير مرفوعاً على أكتاف أصدقائي وكنتُ أرافقهم والقلق من المستقبل يهيمنُ عليَّ .

    باب الولاية

    كنت أشعر بأنني أسير بخفة أكثر من السابق ، وكأنني أريد التحليق وأصل وادي السلام خلال لحظة واحدة ، نظرت إلى الأعلى فلم أجد أثرا للنار ، لكن طبقات خفيفة من الدخان كانت تلوح في الأفق لكنها كانت في طريقها إلى الزوال بإطلالة نور أبيض بهيج ، وكانت تطل علينا بين الحين والآخر أشجار خضراء زاهية ، كنا نطوي طريقنا بسرعة فائقة وقليلا ما كنا ننتبه إلى ما يدور حولنا .

    كنا نواصل مسيرنا وإذا بنا نلمح عن بعد بابا يحتشد عندها قوم وقفوا ينتظرون ويحرسها ملائكة شداد أقوياء . وقفت عند الباب دون اختيار وأخذت أراقب الحراس والحشود الواقفة ، وبين الحين والآخر يسلم بعض الناس أوراقا خضراء للحراس فيعبرون من الباب ، فأدرت عيني نحو ( حسن ) الذي كان واقفا خلفي ويراقب تصرفاتي ، فسألته : ما الذي يحدث هنا ؟ أجابني : هذا خط السعادة فهو آخر نقطة من برهوت . ثم واصل كلامه بنبرة خاصة : هنا باب الولاية فمن عبرها نال السعادة الأبدية . قلت : وماذا تعني باب الولاية ؟
    قال : لا يدخل وادي السلام إلا من تعلق قلبه في الدنيا بمحبة علي ( عليه السلام ) وآل النبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) . فيمنح مثل هؤلاء بطاقة الولاية ليعبروا من هذا الباب بيسر ويقتربوا من أبواب وادي السلام .

    سررت كثيرا لسماعي اسم وادي السلام ، لكنني سرعان ما أخذت أفكر ببطاقة الولاية فتوجهت مرعوبا مضطربا إلى ( حسن ) وقلت له : لقد كنت في الدنيا محبا ومواليا لأهل البيت (عليهم السلام) لكنني لا أمتلك بطاقة الولاية ، فأشار بيده إلى يمين الباب وقال : اذهب إلى تلك الخيمة الخضراء ، فتوجهت إليها على عجل ، فوجدت فيها رجلا يرتدي ثيابا بيضاء حسن الوجه وقد جلس في زاوية منها ويتحدث مع أحد البرزخين ، وكأن ذلك الشخص كان محروما من بطاقة العبور وهو الآن يتوسل للحصول عليها .

    قال الرجل ذو الثياب البيضاء لذلك البرزخي : كما قلت لك عليك العودة إلى وادي الشفاعة عسى أن يدركك الفرج وإلا فإن مشكلتك أنت والواقفين في الخارج لا تحل هنا .

    غادر البرزخي الخيمة مهموما ، فدخلت وألقيت السلام ثم جلست أمام ذلك الرجل العظيم ، فرد علي السلام ، وقبل أن أبوح بطلبتي تصفح دفترا كان أمامه ، وكانت رجلاي ويداي ترتجفان ، ولكن لم يطل بي المقام حتى امتدت يده نحوي وهي تحمل بطاقة خضراء ، ولما سلمني إياها تبسم بوجهي وقال : لقد بلغت السعادة فهنيئا لك .
    وهكذا مررنا من باب الولاية وخلّفنا وراءنا المأمورين ومن لا ولاية لهم .

    أنتظروني مع التتمه
    لأبواب وادي السلام


  2. #2

  3. #3
    من المشرفين القدامى
    ...::: القبر :::...

    وصل المشيعون إلى المقبرة .. وعند مشاهدتي لها استحوّذ على فؤادي الغم .. مرّوا على العديد من القبور حتى بانت حفرةٌ من بعيد فهيْمنَ عليَّ الاضطراب والرعب .

    بقيتُ مسافة حتى قبري فوضعوا جنازتي على الأرض .. استرحتُ قليلاً .. وبعدَ قليل رفعوا التابوت ثانية وساروا بهِ قليلاً .. ثُمّ وضعوهُ على الأرض ثُمّ رفعوه ساروا بهِ وحطّوا به على مقربة من القبر .. ألقيتُ بنظرة إلى داخل القبر فأنتابني الرعب مرذة أخرى .

    رفعَتْ مجموعة منهم جنازتي من التابوت وما إن أدخلوا رأسي في القبر تصوّرتُ من شدة الخوف والرهبة كأنني هويْتُ من السماء إلى الأرض .. وحينما كانوا يُدخلون الجسد إلى اللحد ألقيتُ من خارج القبر بنظرة إلى جسدي وأخرى وجهتُها إلى الناس .. فأقتربَ أحدهم من جسدي منادياً بإسمي .. فدنوتُ منه وأستمعتُ لكلامه فقدْ كان مشغولاً بالتلقين .

    كنتُ أسمع كل ما يقول وأرددٌ معه .. ما أروعه فقدْ كان يتلّفظ بروية وطراوة .. وما إن مضتْ لحظات حتى بدأوا بوضع الصخور فوق اللحد فشعرتُ بالأذى والأسى لأنهّم سجناو جسدي تحتَ التراب .

    تأملتُ مع نفسي من الأفضل أن أنسحبَ ولا أدخل القبر مع الجسد .. ولكن لشدّة تعلقي بالجسد جئتُ إلى جانب الجنازة .. وفي طرفة عين بدأت الأيدي تهيل التراب على الجسد .

    ...::: حلَّ أوان الغربة :::...

    انتابني السرور لكثرة الذين جاؤوا لمواراة جثماني الثرى .. وشعرتُ بالمتعة لحضورهم وتلاوتهم للقرآن والصلوات على النبي وآله . ثمّ أخذ الحارون بالإنصراف شيئاً فشيئاً ولمْ يبقَ منهم إلا نفرٌ يُقّدرون بعدد الأصابع .. ولكنْ لمْ يمضِ من الوقت إلا القليل حتى تركوني وحيداً – وهذا ما لَمْ أُصدّقه – ربّما لا تتصورون ما جرى عليَّ في تلكَ اللحظات .. فلمْ أكُ أتوقع منهمْ هذا الجفاء .. أولادي .. بناتي .. زوجتي وكذلك أصدقائي المقرّبين الذين لمْ أبخل عليْهم بالموّدة .. لكنّهم سرعان ما أنصرفوا وتركوني وحيداً !! وددتُ لوْ أصرخ فيهم :

    " أينَ تذهبون !! ابقوا معي .. لا تتركوني وحيداً " ..

    في تلكَ الأثناء سمعتُ منادياً ينادي في الناس : توالدوا للموت .. واجمعوا للفناء .. وابنوا للخراب .. ولكن للأسف فقدْ كانوا في وادٍ آخر محرومين من الإستماع لهذا النداء .. ولما عرفتُ أنّ الناس قد خرجوا من المقبرة ناديْتُهم : إذهبوا .. ولكنْ إعلموا بأنكم ستنزلون التراب يوماً صدّقتُم أمْ لم تصدقوا .. شئتُمْ أمْ أبيْتُم .. إعلموا فوالله لا يُؤخر الأجل .

    بعدَ كلّ ذلك الصراخ والعويل رجعتُ إلى نفسي فوجدتُ أنّ كلّ ما بقيَ لي هو قبرٌ مظلم موحش مهول يثير الغموم .. فأستحوذتْ عليَّ الرهبة .. أخذتُ أفكر مع نفسي : وكأنهم قد قذفوا في فؤادي كلّ ما في افئدة الأرض من غموم وكلّ ما في الدنيا من قلق .. وأنهُ غَمء ورُعب لو نزل على بدن الإنسان لأهلكه .. ونتيجة لذلك الضغط النفسي بكيتُ وسالت دموعي ساعات وساعات .

    أخذتُ أتذكر أعمالي فأدركتُ قلّة بضاعتي .. فتمنّيتُ لوْ عدتُ مع الذين كانوا قد اجتمعوا على قبري .. كيْ أقضي عمري بالعبادة وإحياء الليل والأعمال الصالحة وأنفق ما كنتُ جمعته خلال السنوات الأخيرة من عمري على الفقراء .. ليتني ... ليتني .!!

    ...::: جاء رومان :::...

    وأنا غارقٌ في بحر أفكاري ارتفع صوت من يسار القبر : إنّك تتمنى العودة عبثاً .. فقدْ أُغلقت صفيحة حياتك !! فرعبتُ لذلك الصوت في تلك الظلمة وكأنّ أحداً قد دخل القبر .. فسألته بصوتٍ مهزوز :
    من أنت !!
    فأجاب :
    أنا رومان من ملائكة الله .
    قلتُ : لعلّك عرفتَ ما يدورُ بذهني !!
    قال : نعم .

    قلت : اقسمُ لو تركتني اعود إلى ذلك العالم لنْ أعصي الله أبداً وأعمل على كسب رضاه .. اليوم حيث انصرف عني كلّ من أعرفهم بلْ وحتى أفراد أسرتي وتركوني .. أدركتُ غدر الدنيا .. فأطمئن إذا رجعت إلى الدنيا لنْ أغفل لحظة واحدة عن طاعة خالقي وعبادته !!

    قال : إنّها كلمة أنتَ قائلها .. لكن إعلم أنّ الواقع غير ما تتمناه فلا بدّ أن تمكث في البرزخ من الآن وحتى قيام الساعة .
    بعد ذلك باشر بإحصاء أعمالي الصالحة والطالحة تلك الأعمال التي ارتكبتها طيلة حياتي وسجّلها الكرام الكاتبين .
    عجبا ً لها من صحيفة تضم حتى أصغر أعمالي صالحها وقبيحها , وفي تلك اللحظات شاهدت أعمالي أمام عيني .
    كنت أفكر بثقل أعمالي وخفتها فبادر ((رومان)) إلى تعليق صحيفة أعمالي في رقبتي بحيث شعرت وكأن جبال الدنيا كلها علِّقت في عنقي.
    ولما أردت أن سأله عن السبب في ذلك , قال : كلُّ إنسان يطوّق بأعماله.
    قلت : وإلى متى يجب أن أتحمل ثقل هذا الطوق؟
    قال: لا تقلق , بعد ذهابي سيأتي منكر ونكير للمساءلة ثم تزول هذه المشكلة عنك.
    قال رومان ذلك وانصرف
    .


    :: مساءلة القبر ::

    لم يمض الكثير من الوقت على انصراف رومان تناهت إلى أسماعي أصوات غريبة عجيبة . وأخذت الأصوات تقترب أكثر فأكثر ويزداد فيَّ الرعب والرهبة , حتى وقف أمام عيني شبحان ضخمان مذهلان وبلغ اضطرابي ذروته لمّا شاهدت في يد كلٍّ منهما عموداً ضخماً من حديد يعجز من في الدنيا عن تحريكه, ثم فهمت أنهما نكير ومنكر
    .
    فتقدم أحدهما مني
    فصاح صيحة لو سمعها أهل الدنيا لماتوا
    .
    وتصورت أن أمري قد انتهى .
    وبعد لحظات تكلّما وباشرا بالسؤال
    :
    مَنْ ربك؟ مَنْ نبيك؟مَن إمامك ؟ فتلكأ لساني لشدة الخوف والرعب , وتوقف عقلي , بالرغم من أن فهمي وعقلي ازداد عمّا هو في الدنيا مئات المرات لكنه قصر هنا ... كنت أعلم بنزول أعمدتهم على رأسي إنْ لم أجبهم , ما عساني فاعلٌ؟
    أطرقت برأسي وأخذت بالبكاء وتهيأت لنزول الضربة .
    في تلك اللحظات حيث كنت أتصور أن كل شيء قد انتهى , تعلق فؤادي برحمة الله سبحانه و شفاعة المعصومين {
    عليهم السلام
    } ,
    فأخذت أردد : يا أفضل خلق الله وعباده , لقد كنت طيلة عمري أطلب منكم أن تدركوني عندما أحلُّ في قبري , وليس من كرمكم التخلي عني في هذا الحال ! هنا ارتفعت أصوات أولئك بالسؤال . ولم يمض إلاّ قليلاً من الوقت حتى استنار قبري , وأصبح نكير ومنكر أكثر شفقة فسُرَّ قلبي واطمئن روحي وانفتح لساني , فأجبتهم بشجاعة وصوت عالِ الله ربي ومحمد نبيي , وعلي وأولاده أئمتي , والقرآن كتابي , والكعبة قبلتي ... الخ
    , ولقد وددت لو أعادوا السؤال كي أجيبهم بكل قوة .
    وفي الوقت الذي بدا نكير ومنكر رضيا فتحا من تحت قدميَّ بابا ً إلى جهنم
    وقالا : لولا أنك قد أحسنت الجواب لكان مستقرك هناك
    . ثم أغلقوا تلك الباب وفتحوا من أعلى رأسي بابا أطلَّت على الجنة فبشروني بالسعادة . ومع هبوب نسيم الجنة امتلأ قبري بالنور واتسع لحدي واسترحت قليلاً .
    وهنا انتابتني حالة من السرور العارم والسعادة لخلاصي من ضيق القبر وظلمته
    .

    ::
    الحضور عند الغربة
    ::

    لم يستمر سروري لظفري في أول اختبار وسرعان مازال , وبزواله أدخل فيَّ حالة من الشعور بالضيق والغربة فأخذت أفكر مع نفسي
    : لقد كان لي في الدنيا الكثير من الأصدقاء والمعارف والأقارب , وكانت لي بهم علاقات طيبة وحميمة , بين أن يدي أصبحت صفرا ًمنهم .
    يا الهي ! كيف أتحمل الغربة في هذه اللحظات العصيبة القاسية ؟ ! وهل سيستمر همُّ الغربة مسيطرا ً عليَّ في هذا العالم ؟


    أطرقت برأسي وأخذت أبكي دون اختيار مني , وما هي إلا لحظات حتى تناهى إلى مشامّيِ عطرٌ طيب للغاية , وأخذ يزداد ويزداد .
    وفي الوقت الذي كان كتابي يثقل كاهلي رفعت رأسي بصعوبة فشاهدت رجلا يقف أمامي فأدهشني وجوده , لقد كان شابا ًحسن الوجه طيب الأخلاق , فمسحَ الدموع من عينيَّ بيده وابتسم لي .
    فبادرت بالسلام تعبيرا ًعن تأدبي أمامه
    وجلست على ركبتيَّ أنظر مدهوشا ًإلى عينيه وأردد : تبارك الله أحسن الخالقين. ثم سألته بصوت واضح : مَنْ أنت حتى جئت تسلّيني وتصحبني في هذه اللحظات المليئة بالغربة والاضطراب ؟
    فأجاب مبتسما ً : لست غريبا ً , وهذه الديار تعرفني حيث أكون ورفيقا ً ومؤنسا ً في هذه الطريق الخطير .
    قلت : انه الفلاح , ولكن منْ أنت؟لا شك أنك غريب على أهل ذلك العالم , فلم أرَ مثلك جمالا ً مدى حياتي
    .
    فقال ولم تزل تلك الابتسامة مطبوعة على شفتيه: الحق معك أن لا تعرفني ! فلقد كنت في ذلك العالم قليلا ًما تهتم بي
    . فأنا ثمرة أعمالك الصالحة وها أنت تراني بهذه الهيئة .
    اسمي ((
    حَسَنٌ )) وأنا الذي آخذ بيدك في هذا الطريق الخطر .





    كونوا بالقرب
    مع حضور الذنب..

  4. #4
    من المشرفين القدامى
    تاريخ التسجيل: August-2011
    الدولة: Iraq
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 1,997 المواضيع: 204
    صوتيات: 1 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 438
    مزاجي: متفائل
    المهنة: مهندس في وزارة العلوم والتكنولوجيا
    موبايلي: Galaxy S III - Nokia N95
    آخر نشاط: 13/May/2019
    الاتصال: إرسال رسالة عبر MSN إلى Mr. Iraq إرسال رسالة عبر Yahoo إلى Mr. Iraq
    مقالات المدونة: 1
    مشكورة موضوع مهم شكرا للتذكير

  5. #5
    من المشرفين القدامى
    اهلا وسهلا بكم اخي

    شاكرة حضوركم...^^

  6. #6
    من المشرفين القدامى
    ::حضور الذنب ::

    ثم أمرني أن أسلّمه كتابي الذي بيدي اليمنى . فناولته إياه وقلت
    : لك جزيل شكري وتقديري لأنك أنقذتني من غربتي وسترافقني وتواسيني في رحلتي هذه .

    قال : سوف لن أدعك وحيدا ً ما استطعت , إلا
    ..
    تغير لون وجهي
    فسألته مرعوبا ً : وماذا؟

    قال : إلا أن يتغلب عليَّ ذلك القادم فتبقى أنت وهو
    !
    سألته : ومن هو ذاك ؟
    قال : أنَّ كل ما أعرفه هو أنك سلمتني صحيفة أعمالك اليمنى أما صحيفة أعمالك التي في الشمال فهي ما زالت معلقة في عنقك ولا تدع شيئا ً إلا أحصته . وهنا لك شخص آخر اسمه (( الذنب )) سيستلمها منك , فإذا ما تغلب عليَّ ستكون رفيقه حينذاك
    , و إلا فإنني سأرافقك على مدى هذا الطريق المحفوف بالمخاطر .

    قلت : سأعطيه الصحيفة مباشرة حتى يذهب , قال ((حسن
    )): إنه نتيجة أعمالك القبيحة وخطاياك ويحب البقاء عندك.

    كنا مسترسلين في الحديث وإذا بي أشعر برائحة كريهة للغاية تزعجني . قد ملأت تلك الرائحة الأجواء وقطعت علينا حديثنا ,وبرز في قبري شبحٌ قبيح وكريه .
    ومن شدة هلعي التجأت
    بـ((حسن)) وتعلق به بقوة , وهنا أمسكالذنببعنقي بيديه القذرتين الوسختين و أخذ يزمجر مقهقها ً: إنني سعيدٌ يا صاحبي
    ... وواصل قهقهته بصوت عالٍ , فاستحوذ عليَّ الرعب والخوف وعقُد لساني عن الكلام واشتدت ضربات قلبي حتى فقدت الوعي.

    ولما أفقت وجدت رأسي في أحضان ((حسن)) ولكنني بمجرد رؤيتي لوجه حسن الملطخ بالدماء هيمن على فؤادي الحزن حيث تصورت أن ذلك الشبح القذر – الذنب – قد انتصر عليه وقهره , ولكن ((حسن)) كان يعلم بما يدور في قلبي , نظر إليَّ وقال بهدوء : لا تحزن
    , فبعد صراعٍ وجدل شديد أعطيته كتابه وأبعدته عنك حتى حين .

    ثم نهضت متكئا ً على كتف ((
    حسن)) والدموع تترقق في أحداقي , وقلت : إنني أود تبقى إلى جاني إلى الأبد
    , لقد أزعجني ذلك الشبح الكريه , والغربة بالنسبة لي أفضل بكثير من المكوث إلى جانبه , فإذا ما جاورني الذنب سأعيش الاضطراب.

    قال ((حسن
    )) : له الحق في أن يجاورك فهذا ما أردته أنت.

    قلت له متعجبا ً: إنني لم أدعه أبداً
    .
    قال
    : على أية حال , أعمالك الطالحة وذنوبك هي التي جعلته يكون هكذا ولا بد أن تراه مرة أخرى إلى جانبك .

    فاعتراني الخجل لما قاله ((
    حسن)) واضطربت بشدة , ثم سألته مرتعدا ً : متى وأين؟
    .
    قال
    : ربما في الطريق الذي سنسلكه.

    قلت : أي طريق , أي مسير؟
    قال
    : في ضوء ما بشرك به نكير ومنكر فان مستقرك في بقعة تقع في وادي السلام . و عليك الاستعداد للرحيل إلى هناك.

    قلت : وأين يقع وادي السلام ؟

    قال : هو مكان يتمنى كل مؤمن أن يبلغه , ولابد لك من العبور من وادي برهوت
    كي تتطهر في الطريق من كل درنٍ وخبث , وذلك من خلال المشتقات والصعاب التي ستتجرعها وحيث تذوب خطاياك , فتبلغ مقصدك بسلام.

    قلت : وما هو برهوت ؟
    قال
    : انه مكان يستقر فيه الكافرون والظالمون وفيه يذوقون عذاب البرزخ .


    كونوا بالقرب مع وادي برهوت

  7. #7
    من المشرفين القدامى
    :: وادي برهوت::

    خرجنا من القبر وكان ((حسن)) يتقدمني وأنا لأتبعه على بعد مسافة قليلة , ولم يدع لي الخوف والرهبة لحظة أعيش فيها بأمان , وكلما تقدمنا يزداد المكان انفتاحا ً وتصبح المناظر أكثر دهشة.
    ثم طلبت من((حسن)) أن لا يبتعد عني وأن يكون معي جانبا ً لجنب وقدما ً لقدم وأن ينقل خطواته بهدوء
    فتوقف ((حسن)) وقال : لقد أودعوك عندي كي أؤنسك وأعينك حتى تصل وادي السلام بسلام , لهذا فاني أسير أمامك قليلا ًلتعرف الطريق جيدا ً. وتوقف هنيئة ثم واصل كلامه قائلاً :
    بطبيعة الحال اذا ما استطاع الذنب من خديعتك أو أجبرك على مرافقته فاننا سنصل متأخرين لا محالة.
    منذ ذلك الحين ازداد اضطرابي وأخذ يتصاعد عندي احتمال ظهور الذنب من جديد .
    لقد قطعنا الطريق رغم ما اعترضنا خلاله من مشاكل حتى وصلنا جبلا ًاستطعنا بصعوبة بالغة الصعود إلى قمته , وعلى مرأىً منا يبد وادي مترامي الأطراف وأجواؤه قد مُلئت دخانا ً ونيرانا ً.
    نظر إليَّ ((حسن)) وقال : هذا هو لوادي برهوت وأنت ترى الآن مشهداً منه فقط .
    فامسكت بـ((حسن)) وقلت : إنني أخاف هذا الوادي. لنسلك طريقا ً أكثر أماناً منه .
    توقف ((حسن)) وقال :
    هذا هو طريق عبورك , ولكن سوف لن أتركك ما استطعت وسأقاوم بإعانتك عند مواضع الخطر قلَّلت كلمات ((حسن)) من اضطرابي وخوفي نوعا ًما , ولكن لا زلت أشعر بالقلق في داخلي .
    خيَّم الصمت علينا للحظات : توجهت بعدها لـ((حسن))وقلت له : ألا يوجد طريق أكثر أمانا ًمن هذا الطريق ؟
    أدار بوجهه نحوي وقال : من الأفضل أن تعلم أن الناس جميعا ًسواء المؤمن أو الكافر لا بدَّ لهم من العبور يوم القيامة على جسرٍ يسمى((الصراط)) يُشرف على النار , فمن استطاع العبور بسلام دخل الجنة و إلا فإن أدنى زلّةٍ ستؤدي إلى قعر جهنم , وفي عالم البرزخ صورة من الجنة والنار فقط ولا يمكن مقارنته بيوم القيامة العظيم , ووادي برهوت يشابه الصراط في يوم القيامة ولابد من العبورعليه حتى بلوغ وادي السلام بسلام بكل جدارة , ولكن الويل للمثقَلين ومَنْ أحاط بهم العذاب أو التيه على أقل تقدير.
    فكرت قليلا ًوقلت : لا حيلة أمامي ... علينا المسير على بركة الله. توجهنا نحو تلك الصحراء الشاسعة , وكلما أمعنا في المسير تأخذ حرارة الجو بالتزايد ولما وصلنا سطح الأرض ضاق نفسي فطلبت من ((حسن)) التوقف للاستراحة لكنه رفض وواصل الطريق وقال لي : أمامنا طريق طويل وخطير فلا تضيع الوقت , فكلما أسرعنا في مسيرنا استطعنا الخلاص أسرع .
    قلت : أنا لا أستطيع فقد أنهكتني شدة الحرارة , وفي تلك الحال حيث العرق يتصبب من رأسي ووجهي ,سقطت على الأرض فسقاني ((حسن)) جرعة من الماء الذي كان معه , وفي الوقت الذي كان لم يزل يئن من جروحه رفعني ووضعني على ظهره وواصل الطريق .
    هنا أصابني الخجل والسرور في آنٍ واحدٍ لأنه لم يتركني لوحدي رغم ما به من جروح وأخذ يواسيني كصديق حميم .

    ونحن نسير في طريقنا لفت انتباهي صوت رهيب , فنظرت نحو الجانب الأيسر من الصحراء , فذعرت لما شاهدت مما دفعني إلى أن القي بنفسي من أعلى كتف ((حسن)) ودون اختيار مني احتميت به .
    كان هناك شخصان عظيمي الجثة أسودين تتطاير من فمهما وأنفيهما النيران والدخان وشعرهما يخط الأرض يحمل كلٌّ منهما عمودا ضخما ًمن حديد.
    اضطربت وقلت لـ((حسن)) مَنْ هؤلاء ؟! ربما يتوجهان نحونا !
    تبسَّم ((حسن)) وقال : لا نخَفْ , فهؤلاء نكير ومنكر متوجهان نحو كافرٍ جاء لتوه من الدنيا ليسألاه كما سألاك , قلت : هؤلاء أكثر قبحا ً . قال : انهما مشغولان مع كافر الآن.
    مضى قليل من الوقت فسمعت صوت سقوط شيء ما هزَّ الأرض تحت أقدامي , ولما سألتُ ((حسن)) عن السبب أجاب : أنها ضربة نزلت على ذلك الكافر .
    من الآن فصاعداً ستسمع الكثير من هذه الأصوات التي تهز الأرض.


    ::وادي سحيق ::

    اتخذ ((حسن)) طريقه من أعلى القمم وأحياناً بين أودية صغيرة وطويلة حتى وجدتُ نفسي على شفا وادٍ سحيق وعظيم .
    سألت ((حسن)) : هل علينا العبور من هذا الوادي ؟
    قال : نعم . وإن عبوره يستغرق وقتا ً طويلاً فعليك الاسراع .
    نظرتُ إلى قعر الوادي مرعوبا ً , لقد كان عميقا ً بحيث لا يُرى قعره , عدت إلى ((حسن)) وقلت له : وهل حقا ً لا يوجد طريق آخر أكثر أمنا ً من هذا الوادي ؟!
    مسحَ ((حسن)) على رأسي بيده وقال : طرق العبور في هذا الوادي كثيرة , ولكن لكلٍّ معبره الذي لابد أن يجتازه.
    قلت منزعجا ً: وهل هذا استحقاقي أن أعبر من مكانٍ بحيث تعذبني النيران والدخان من الأعلى , ومن الأسفل القمم والأودية السحيقة ؟ فتبسم ((حسن)) وقال : أعلم يا صديقي أن هذا العذاب ما هو إلا مردود أعمالك القبيحة في الدنيا وإذا لم تتحمل ذلك في هذا الطريق لن تصل إلى وادي السلام أبدا ً, فقد سُجِّل عليك أدنى قبيح عملته في الدنيا وهذا جزاؤه .
    ونظراً لما تعتريني من لهفة لوصول وادي السلام فقد أذعنت لمواصلة الطريق بهدوء وأخذت بالمسير خلف ((حسن)) داخل ذلك الوادي .
    انهمكنا بالمسير داخل الوادي ولم يلح بالأفق ما يدل على انتهائه , وكنت أفكر في أن عمق الوادي دليل على عظمة ذنوبي ... هنا انتبهت إلى نفسي حين سماعي لصوت انهيار الأحجار من أعلى الوادي .
    فالتحقت بـ((حسن)) فورا ً كي يعينني إذا واجهتني مشكلة . كنت مضطربا ً مرعوبا ً تكاد عيوني تخرج من أحداقي , فشاهدت رجلا ًيسقط مع أحجار صغيرة وكبيرة إلى قعر الوادي .
    فأشار إليَّ((حسن)) وقال : لا تنظر إلى الأسفل بل أنظر إلى أعلى الوادي فشاهدت شبحا ً ضخما ً أسودا ً يضحك بصوت عال ٍ وقف على أعلى الوادي .
    قال ((حسن)) : هذا الشبح هو ذنوب ذلك الرجل الذي سقط , ولقوتها فقد تغلبت على حسناته فالقتها في قعر الوادي . هنا وضع ((حسن)) يده على كتفي وقال : هذه عاقبة إتِّباع الهوى .
    لمّا سمعت هذا الكلام استحوذ عليّ الخوف من ذنوبي وإمكانية غلبتها عليَّ في أية لحظة .
    بعد قطعنا لطريق طويل وصلنا أخيرا ً إلى نهاية الوادي , شاهدت ذلك الرجل ملقىً على الأرض وكان رفيقه – أي حسن – ضعيفا ً وواهنا ً بحيث أنه كلما حاول حمله على كتفه لم يستطع.
    طلبتُ من ((حسن)) أن يساعده فاعتذر قائلا ً :
    إنني مكلف بمرافقتك ,{ ولا تزر وازرةٌ وزرَ اُخرى } .
    قلت : لكننا كنا في الدنيا يعين بعضنا البعض !
    قال حسن : في هذا العالم كلٌّ يتحمل وزر أعماله , ولستُ أشفع له إذا استحق الشفاعة , وعليك الدعاء أن يكون من محبيِّ أهل البيت – عليهم السلام – عسى أن تناله شفاعتهم .
    حركتُ رأسي متحسرا ً ودعوت أن يكون كذلك .
    ربما استغرق قطعنا للطريق ساعات طوال من ساعات الدنيا حتى وصلنا طريقا ً ينتهي إلى الأعلى . هنا التفت ((حسن)) نحوي وقال : استعد للصعود إلى أعلى هذا الوادي الخطير.
    ألقيت ببصري نحو الأعلى وكلما نظرت لم أستطع تخمين ما تبقى حتى نهاية الطريق . فأصابني الإحباط لأنني مضطر لقطع هذا الطريق الطويل , ولكن لا حيلة سوى ذلك من أجل الوصول إلى وادي السلام .
    بعد تحمل المشقات والكثير من الصعاب وصلنا أخيرا ً إلى قمّة الوادي. تمنيت أن لا تعترضنا مثل هذه المعوقات . وبعد قليل من الاستراحة واصلنا طريقنا باتجاه وادي السلام .

    بعد قليل من المسير شاهدت طائرا ً ضخما ً يحلِّق على مقربة كم الأرض , فقال ((حسن)) : أتريد أن تشاهد منظرا ً مثيرا ً ؟
    قلت : طبعا ً
    قال : حسنا ً فانظر إلى ما يقوم به هذا الطائر .
    حطَّ الطائر قريبا ً من صخرة وألقى بقسمٍ من بدن رجلٍ خارج منقاره ثم طار وعاد بعد قليل ليلقي بقسم ٍ آخر من الجسد وهكذا كررها أربع مرات حتى ظهر هيكل رجل مزعج وقبيح للغاية.
    حاولت أن أسأل ((حسن)) لكنه أشار عليَّ بالسكوت و أُتابع الحدث .
    ثم ابتلع الطائر قسما ً من جسد ذلك الرجل وطار وكرر ذلك أربعا ً حتى لم يبق أثرٌ للرجل .
    التفتُ إلى ((حسن)) وقلت له : حسنا ً الآن قل لي ما معنى هذا العمل , مَن كان ذلك الرجل ؟
    قال : انه أشقى الأشقياء عبد الرحمن ابن ملجم المرادي وسيبقى في هذا العذاب إلى يوم القيامة .
    سألته : ومن أين جاء به هذا الطائر وأين ذهب به ؟
    أجاب : مستقره في وادي عذاب .
    سألته مدهوشا ً : وأين هو وادي عذاب ؟
    قال : إنه جانب من وادي برهوت يتعذب فيه الكافرون والمنافقون وإني أتمنى أن لا يكون مرورنا منه . وبدوري تمنيت ذلك وأنا أشعر بالخوف يهيمن على وجودي .



  8. #8

  9. #9
    من المشرفين القدامى
    ::هدية من الدنيا ::

    بعد أن قطعنا طريق طويل جدا ً وصلنا إلى وادٍ خطيرٍ ورهيب للغاية . فأصابتني رعدةً خوفا ً من أن يطلّ الذنب مرة أخرى من مكمنه و يداهمني . توقفت وأخذت أفكر بالمصاعب الكثيرة التي كنت أُلاقيها في طريقي , عاد إليّ ((حسن)) وقال : لِمَ توقفت ؟ هيا نتحرك .
    قلت : إنني أخاف . قال : لا مفرلك , لابد من السير .
    تحركت نحو الأسفل مضطربا ً , وما أن سرتُ خطوات من شفير الوادي نحو الأسفل حتى أطلَّ من الجانب الآخر للوادي مخلوق نوراني له جناح وفي طرفة عين جاء عند ((حسن)) وبعد أن استفسر عن أحوالي سلّمه رسالة ثم ودَّعنا وعاد مسرعا ً . وبعد أن قرأ ((حسن)) الرسالة وضعها في صحيفة أعمالي والتفت إليَّ وقال : أبشرك , فسألته مندهشا ً : ما الأمر ؟ قال : بعث أهل بيتك وأصدقاؤك بهدية إليك وجاء بها هذا الملك إليك وسيُقلل من همك وغمك بمقدارها .
    قلت : وكيف ؟ قال ((حسن)) وهو يشير إلى ذلك الوادي الرهيب : سوف لن نعبر من هذا الوادي نتيجة لهذه الهدية التي هي عبارة عن تلاوة للقرآن وإقامة مجلس تذكر فيه مصيبة الحسين بن علي – عليهما السلام – والدموع التي أهيلت من أجله .
    سُررت لهذا الخبر ودعوت لهم جميعا ً بالمغفرة . ثم عدنا أدراجنا من ذلك الطريق الذي قطعناه وسلكنا طريقا ً أكثر يسراً

    ::أودية الارتداد ::

    بعد قليل وصلنا معبرا ً ضيقا ً على جانبيه أودية رهيبة , وكأنَّ ((حسن)) كان ينتظر سؤالاً مني فالتفت إليَّ قائلاً : هذه الأودية الموحشة هي أودية الارتداد ويستغرق الوصول إلى قعرها سنوات متمادية من سنّي الدنيا . وفي قعرها أفران من النار هي صورة لنا جهنم , و أولئك القابعون فيها سيبقون فيها إلى يوم القيامة .
    سيطرت عليَّ الرهبة بحيث بركتُ في مكاني دون وعي مني . فرفعني ((حسن)) من مكاني وقال : ركِّ نظرك عليَّ ولا تنظر إلى قعر الوادي أبدا ُ . وهكذا تجرأت على السير في هذا الطريق الموحش .
    في غضون ذلك عمَّت الوادي صرخةٌ رهيبة فالتفت إلى الخلف فشاهدت رجلا ً يسقط إلى قعر الوادي , وفي وسط صرخاته وعويله الذي هزَّ فؤادي , سمعتُ صوت ذنوبه .
    كان ((حسن)) يشاهد المنظر مثلي فقال : إنه تعيس , فقد قطع الطريق إلى هنا بسلام , لكنه سيمكث في قعر الوادي حتى قيام الساعة . فسألته متعجبا ً : ولماذا ؟
    قال إنه ارتد بعد سنين من إيمانه . ثم أخذت أدقق كثيرا ً في طريقي وكنت أضع قدمي في موطىء قدم ((حسن)) خشية السقوط .
    ورغم زلات قدمي أحيانا ً لكننا قطعنا ذلك الطريق الشاق الصعب بسلام , ووضعنا أقدامنا في طريق ضيِّق كثير المنعطفات تحيط به تلال عالية ومنخفضة , وكان العبور منه محفوفا ً بالقلق والاضطراب


    ::خدعة ::

    كان ((حسن)) يواصل طريقه وأنا أتبعه بكل لهفة ولكن بقلب ٍ مضطرب . وصلنا مفترق طريقين فتوجه ((حسن)) نحو اليمين , غير أن يدا ً سوداء ضخمة كمّت فمي وعينيّ ونتيجة للرائحة الكريهة التي كانت تنبعث منها عرفت أن ذلك هو الذنب .
    حاولت إزاحة تلك اليد السوداء المغطاة بالشعر وحينما أفلحت واجهني شبح ذلك الذنب القبيح .
    أصابني الذعر فحاولت الفرار واللحاق بـ((حسن)) غير أن الذنب سحب يديّ بقوة وقال: هل نسيت عهدك ؟
    فأجبته مذعوراً : أيُّ عهدٍ هذا ؟
    قال : لقد كنتَ في الدنيا تصحبني , وعاهدتني أن نكون معا ً في هذا العالم أيضا ً , قلتُ : إنني لا أعرفك أبدا ً , قال : إنك تعرفني جيدا ً لكنك لم ترَ صورتي ,. الآن وقد تفتحت رؤيتك أخذت تشاهدني . قلت : حسنا ً , ماذا تريد مني الآن ؟ قال : إنني ألاحقكم منذ بداية الرحلة وحتى الآن , وقد حاولت اللحاق بك في وادي الارتداد فلم أفلح .
    قلت : وماذا كنت تريد مني هناك ؟
    قال : أردتُ المرور بك من ذلك الوادي .
    فصرخت منزعجا ً : يعني أنك كنت تريد تكبيلي حتى قيام الساعة !
    قال : كلا ّ لقد كنت أريد إيصالك إلى مرامك بأسرع وقت , ولكن لا بأس , فإنني أعرف طريقا ً سهلا ً لا يعرف به أي شخص آخر .
    قلت : وحتى ((حسن)) ؟
    قال : كنُ على ثقة لو كان على علمٍ به لما أخذ بيدك عبر هذا الطريق الصعب , وهنا تذكرت ((حسن)) حيث تقدّمني متصورا ً أنني أسير خلفه .
    ضاق صدري وطلبت من ((الذنب)) أن يتركني , لكنه في هذه المرة هددني واحمرت عيناه فأصبحتا كبؤرتي دم وقال : إما أن تأتي معي أو أعيدك إلى حيث جئت .
    لما سمعت هذا الكلام ارتعد بدني واضطررت لمرافقته شريطة أن أتقدمه وهو يدلّني من خلفي لأن مجرد رؤيته كانت تمثل عذابا ً بالنسبة لي .
    وهكذا تقدمت في الطريق المتجه يسارا ً وبعد فترة من المسير وصلنا كهفا ً كبيرا ً , ودون أن التفت إليه سألت الذنب: ما العمل ؟
    قال : إنك ترى أنه لا طريق آخر أمامنا ولابد لنا من المرور من داخل الكهف .
    دخلت ُ الكهف لكن ظلمته التي تفوق التصور أرعبتني فسمعت صوت الذنب وهو يصرخ : لماذا توقفت ؟ الطريق ممهد ويخلو من الأخطار . واصل طريقك براحة بال .
    تقدمت خطوات ثم توقفت ونظرتُ إلى ما حولي فلم يعد باب الكهف يُرى .
    كان الظلام يخيّم على كل شيء , فخيم رعب ٌ عجيب على كياني , فناديت الذنب لكنني لم أسمع جوابا ً , ثم ناديت مرعوبا ً لكنني لم أسمع سوى صدى صوتي . لم تنفك عني الرهبة والاضطراب , فأدرت برأسي لأرى ما يحيط بي لعلّي أعثر على منفذ للهروب , لكنني لا أعرف أين بداية الكهف ولا نهايته .
    جلست متحيرا ً نادما ً غمر قلبي الحزن والألم وبكيت لفراق صديقي الحميم الوفي ((حسن)) ....
    وإذا بي في تلك الأثناء أسمع صوت شخص يمر قد نبهني , ففتحت مسامعي عسى أن أعرف جهة الصوت , فانشرح فؤادي لعطر ((حسن)) الأخّاذ , فترقرقت في عيوني دموع الشوق .
    فتحت ذراعي وضممته إليَّ مسرورا ً ورويت له ما جرى لئلا ينزعج مني . فقال ((حسن)) :
    لما شعرت بعدم وجودك على أثري رجعتُ من نفس الطريق وعرفت بالأمر من خلال الرائحة الكريهة التي كانت تنبعث من الطريق المتجه نحو اليسار فسرت في نفس الاتجاه لكنني لم أعثر عليك رغم بحثي عنك , حتى وصلت قرب الغار فشاهدت الذنب ولما رآني ولّى هاربا ً . حينها عرفت أنّه قد خدعك , وعندما دخلت الكهف سمعت عن بعدٍ صوت بكاء ونحيب فسررت وأسرعت نحوك.


  10. #10
    من المشرفين القدامى
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الدولة: Iraq-wasit
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 44,809 المواضيع: 6,198
    صوتيات: 290 سوالف عراقية: 3
    التقييم: 81454
    مزاجي: بشوش يعني مبتسم
    المهنة: موظف
    أكلتي المفضلة: المشاوي
    موبايلي: +galaxy note10
    آخر نشاط: منذ ساعة واحدة
    مقالات المدونة: 2
    شكرا للموضوع والتنبيه
    اللهم لا تخرجنا من الدنيا حتى ترضى عنا يا كريم

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال