بغداديات ... من طرائف النشّالين في بغداد بالأربعينيات!!
بغداد/ المدى
حكايات النشالين واللصوص المحترفين في بغداد كانت تملأ أعمدة الصحف العراقية بأخبارهم وطرفهم..ولها موقع وأثر في نفوس العامة فيتحدث بها مفوض الشرطة والمحقق ويتفاخر أمام الناس بما حققه من إنجاز في القبض على هؤلاء النشالين والخارجين على القانون.. ومن هذه الحوادث الطريفة ..
قضية نشل محفظة الدكتور موزي
استعدت الحكومة العراقية في بداية الخمسينيات لاستقبال الدكتور (موزي) رئيس الاتحاد السويسري الأسبق لغرض دراسة الوضع الإداري للدولة لغرض تحديث مؤسساتها وإتباع الوسائل الحديثة سواء في الشؤون الداخلية والخارجية بوصفه خبيرا وأستاذا في هذه المجالات... وقد أعدت له الحكومة جناحاً في فندق ( ريجينت بالاس) العائدة لإدارة السكك الحديد آنذاك، والواقع في منطقة السنك في شارع الرشيد، وكان هذا الفندق من فنادق الدرجة الأولى في بغداد .
وفي أثناء تجوال الدكتور موزي في شارع الرشيد تعرض لحادث نشل في المنطقة المحصورة ما بين السنك والشورجة، حيث ( نشلت) محفظته التي تحوي جواز سفره ونقوده وصورة زوجته ...
في منتصف السبعينيات جمعتني ظروف العمل بالسيد عبد الرحمن السامرائي أحد ضباط الشرطة القدامى والمحقق الفذ في قضايا التجسس ومكافحتها، وحدثني عن هذه القضية حيث كان وقتئذ مأمور مركز شرطة العبخانه ومحققاً فيها، وقد كلف بإجراء التحقيق ومتابعة هذه القضية لكونها مسألة تتعلق بسمعة البلد الخارجية ولاسيما أنها تخص شخصية دولية معروفة ...
قال السيد السامرائي :
اتصل بي مدير شرطة بغداد وذكر لي بأن مدير الشرطة العام اتصل به ذاكراً ان ( الباشا ) نوري السعيد رئيس الوزراء آنذاك أمره بأن تكون محفظة الضيف السويسري على طاولته خلال 24 ساعة وإلا يعاقب الجميع !.
من جانبه أمرني مدير شرطة بغداد بالاهتمام بالقضية، وبصفتي مأمور مركز المنطقة وأن الجريمة حدثت في منطقتي، وطلب العمل بسرعة لتنفيذ أمر رئيس الوزراء والاهتمام بالعثور على المحفظة !
تأمل قليلا والكلام لا يزال للسيد السامرائي مفكراً بالوسيلة التي تمكنه بإلقاء القبض على النشال .
استدعيت إلى المركز عددا من قدامى النشالين في المنطقة وشرحت لهم الأمر وهددتهم بأسوأ العواقب إذا لم تأتِ الحقيبة قبل الساعة الثانية عشرة ظهرا من اليوم التالي...
وبعد صمتٍ طلب مني أحدهم (وهو كبير النشالين) أن أجمعه بالضيف السويسري ليفهم منه مكان الحادث والطريقة التي واجهها أثناء عملية النشل وبعض التفاصيل الأخرى...
وفعلاً توجهت به الى الفندق والتقى مع الضيف واخذ النشال يسأل والسويسري يجيب وأخيرا التفت إلي النشال (المتقاعد) وقال لي إن المحفظة عند (يوسف الاشرح) لأن الطريقة التي تم بها النشل هي طريقته الخاصة.
انطلقت للبحث عن يوسف الاشرح وعلمت من أهله انه سافر إلى البصرة في قطار الساعة السادسة والربع مساءً..
وفورا توجهت إلى المحطة الكائنة في علاوي الحلة قبيل موعد تحرك القطار بقليل .. وبعد أن أخذت أوصافه ولباسه ... ألقيت القبض عليه في محطة قطار السماوة، حيث عدت به بالقطار الصاعد إلى بغداد من البصرة وفي الساعة التاسعة صباحا من اليوم التالي كانت المحفظة على طاولة رئيس الوزراء...!!.
والطريف الظريف في هذه القضية، الذي سمعته من بعض المقربين من رئيس الوزراء آنذاك أن الضيف السويسري قال لرئيس الوزراء نوري السعيد :
لماذا استدعيتموني إلى بلدكم لتنظيم شؤونكم الإدارية في الوقت الذي لا يستطيع فيه البوليس السويسري أن يحسم مثل هذه القضية قبل خمسة عشر يوما؟؟؟
إحدى محلات بغداد القديمة
- قضية الجدرية والعباءة الجاسبي..
حدثني الحاج ستار الذي كان يعمل حارساً في المقبرة الملكية في الاعظمية في الأربعينيات ... انه كان له جار في منطقة الفضل وقد خرج صباحا من داره، متوجها إلى عمله وفي الباب نادت "الحجية" زوجته عليه وقالت بأن ليس لديهم دهن في البيت... فقال لها عندما أصل للمحل أرسل لك الصانع لتعطيه (الجدرية) النحاسية الكبيرة ليرسلها إلى بائع الدهن في الشورجة ليجهزه بحقة دهن..
وفعلا وبعد نصف ساعة دق باب الدار شخص وسلم على "الحجية" وقال لها:
أرسلني الحجي على الجدرية لأجلب لكم الدهن ...
فقامت "الحجية" وسلمته الجدرية التي كانت من الصفر الخالص النادر... فانصرف الرجل بها إلى دكان بائع الدهن ... وقال له:
أرسلني الحجي وطلب أن تملي هذه الجدرية بحقتين من الدهن الحر ومن النوع الجيد ...
ونفذ طلبه على الفور وملأ الجدرية ... وبعد مرور ما يزيد على النصف ساعة من تلك الزيارة جاء الصانع الأصلي الى الحجية وطلب منها الجدرية لملئها بالدهن حسب توصية عمه ... فكانت مفاجأة بالنسبة للحجية ... فقالت للصانع ...(ليش أنت ما أخذت الجدرية قبل شوية؟) ...
جاء الصانع وابلغ الحجي فقصد صاحب دكان الدهن الذي قال له إن شخصا جاء بالجدرية نفسها والتي يعرفها أنها تعود لكم، وملأها بـ(حقتين من الدهن الحر من النوع الجيد)...
فدفع الحجي ثمن الدهن وراحت الجدرية!
الطرافة ليست فيما وقع آنفا ... ولكنه بعد حوالي ثلاثة أسابيع دق شخص باب دار الحاج ... وحين أجابته الحجية من خلف الباب كما هي العادة ( منو ... شتريد؟؟؟)..
فقال لها :
خالة حجية .. الحرامي الذي سرق الجدرية والدهن قبضت عليه الشرطة وهو الآن في المركز .. وطلب من الحجي أن يحضر للتعرف عليه .. وأرسلني يريد العباءة (المارينية والجبسي) حتى يذهب بها إلى المركز...
وقامت الحجية بتسليمه العباءة الفاخرة ... ليأخذها كما اخذ الجدرية والدهن!!!!.
كاردينيا