دمشق، سوريا (CNN)-- بينما تتزاحم آثار الحرب على جدران شوارع العاصمة السورية، قرر فنانون تشكيليون سوريون إشاعة حالةٍ من "الفرح اللوني تهدف إلى تهذيب عين المتلقي"، ليقولوا بأن "الفن والجمال أقوى من الدمار"، وذلك في محاولةٍ لإيصال رسالةٍ إلى العالم تكسر الصورة التي تروج عبر وسائل الإعلام للشعب السوري... هذا ما ترصده CNN بالعربية في تقريرٍ من دمشق، عن مشروعين لتجميل شوارع "الشام"، استطاع أحدهما مؤخراً دخول موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية بأضخم جدارية على مستوى العالم نفّذت من بقايا بيئية أُعيدَ تدويرها.
استطاع الفنّان التشكيلي السوري موفّق مخول مع فريق عمل مؤلف من ستة فنّانين ومساعديهم، تنفيذ جدارية ضخمة تتجاوز مساحتها الـ 720 مترا مربعا، تمتد على جداري مدرسة تقع على أحد أهم الطرق السريعة في دمشق، والمعروف بـ "اتوستراد المزّة"، ودخلت هذه الجدارية مؤخراً موسوعة "غينس" للأرقام القياسية بوصفها أضخم جدارية على مستوى العالم، تم تنفيذها من بقايا "مواد بيئية" تم إعادة تدويرها، كـ"أطباق منزلية، وزجاجات عصائر ومشروبات، ومرايا، وسيراميك، وأقفال، وقطع سيّارات وغيرها،" واستغرق تنفيذها حوالي الستة أشهر، ومازال فريق العمل يضع لمساته النهائية عليها.
وفي تصريحٍ خاص لـ CNN بالعربية قال موفق مخوّل، بأن الهدف من هذه الجدارية هو: "إشاعة حالة إنسانية وجمالية، من الفرح اللوني، لتهذيب عين المتلقي وسط المشاهد المزعجة التي تراها أعين السوريين بفعل الحرب، هذا بالإضافة إلى الغاية التربوية، باعتبار أن منفذي المشروع فنّانون يعملون في قطاع التعليم، وتم تنفيذه بدعمٍ من وزارة التربية السوريّة، ويتم عبره تقديم مثال حي للأطفال، حول إمكانية الاستفادة من بقايا بيئية معاد تدويرها، بدلاً من أن تكون عبئاً على الأرض، والإنسان، والكائنات الحية."
وأشار مخوّل إلى أنه لم يكن لدى القائمين على تنفيذ الجدارية تصوّر مسبق لشكلها النهائي، باستثناء الاتجاه نحو فن "تجريدي، زخرفي، بصري حديث،" وحول ردود أفعال الناس إزاء ما قدّموه؟ أجاب الفنّان السوري: "هناك أناس أحبّوا اللوحة كثيراً، وآخرون كانت ردودهم سلبية عليها، وهذا ليس ذنبهم، فنحن نفتقر إلى الحراك البصري التشكيلي في مجتمعنا عموماً، ولازلنا ندور بفلك قراءة اللوحة المعروفة، والواضحة، والمدرسية، ولم نعتد بعد على اللوحة التشكيلية المعاصرة، وربما هذا ذنب الفنّانين، والجهات القائمة على الثقافة في بلدنا، حيث لا يوجد لدينا فن تشكيلي في الشارع، والفنانون باعوا لوحاتهم إلى الأثرياء، لتكون حبيسة الفيلات والقصور، وكانت حكراً عليهم فقط، وهذا سبب معاناتنا فيما يتعلق بالحراك الجمالي، ورسالتنا من خلال هذا العمل والأعمال المقبلة، ستكون موجهة للجيل الجديد لنضع بين يديه ثقافة بصرية مختلفة."
أما عن ردود الأفعال السلبية، وبعضها الاتهامات بالإساءة لثقافة المجتمع المحافظة، بسبب استخدام بقايا زجاجات مشروبات كحولية، في تنفيذ الجدارية؟، علق الفنّان موفق مخّول بوصف منتقدي الجدارية من هذه الزاوية، بـ"المرضى النفسيين،" وأضاف: "منذ ما يزيد على الخمسين عاماً، ونحن نساير المتخلفين، ومسايرتهم برأيي أكبر خطأ، ولا يصح أن يفرضوا رأيهم علينا."
وفيما يتعلق بفكرة مراسلة موسوعة "غينيس" لإدارج الجدارية ضمن سجلاتها، قال مخوّل أن القائمين على المشروع فكّروا بذلك كنوعٍ من "التحدي الثقافي"، وأضاف: "راسلنا (غينيس) عن طريق الإنترنت، وأبدو إعجابهم بالفكرة، وشجعونا، في سبيل فتح أول سجل على مستوى العالم في هذا النوع من اللوحات، وهذا مثّل بالنسبة لنا تحدياً للحرب، أردنا من خلاله القول للعالم بأن الشعب السوري؛ شعب جميل، وحضاري، وليس محباً للسلاح والقتل، كما تبدو الصورة التي تروج عنه مؤخراً، نحن نتعرض لظلم إعلامي كبير على المستوى العالمي، وهذا مجحفٌ بحق مجتمعنا عموماً، هذه الرسالة التي أردنا إيصالها للعالم."
ولفت مخوّل إلى أن الجداريّة التي نتحدث عنها، لم تكن الأولى التي يقومون بتنفيذها، حيث سبق لهم تنفيذ جدارية أخرى بحي "التجارة" في دمشق، وصفها بـ"الجميلة"، لكنّها لم تأخذ حقّها في تسليط الضوء عليها إعلامياً، باعتبارها تقع في منطقة ساخنة من العاصمة السوريّة، وتم تنفيذها أواخر العام 2012، وأخفقوا وقتها في مراسلة موسوعة "غينيس"، وكشف الفنّان السوري أنهم بصدد إنشاء متحف لـ"جدارية المزّة" بعد دخولها في الموسوعة العالمية، وسيتضمن المتحف صوراً لمراحل تنفيذها، وتحدّث عن مشاريع مستقبلية لفريق العمل ضمن السياق ذاته، قد يستعينون فيها يوماً بـ"مخلفات الحرب".
وكما أشرنا سابقاً لم تكن الجدارية التي دخلت موسوعة "غينيس" مؤخراً؛ المشروع الوحيد الذي يهدف إلى تجميل جدران دمشق، رغم ظروف الحرب الضاغطة، حيث قامت جمعية "شمس" مطلع العام الجاري 2014، بتنفيذ جداريةٍ تنتمي إلى طرازٍ فني مختلف، رسمها خمسة وأربعون فنّاناً تشكيلياً من المتطوعين في الجمعية، وموّلت تنفيذ المشروع "محافظة دمشق" تحت اسم "طريق ملوّن".
رئيس مجلس إدارة الجمعية بشّار شعبان قال لـ CNN بالعربية إن دخول "موسوعة غينيس" ليس ببالهم، وما أرادوه فقط هو: "مقاومة التأثيرات السلبية للحرب بنشر الفن والجمال"، إلى جانب كون ما رسموه على جدران مدرسة "دار السلام" بحي "الشعلان" الدمشقي؛ يصّب في إطار تحقيق أهداف جمعيتهم التي تم تأسيسها في العام 2006، وهي: "نشر الفن ودعم المواهب بمجالي الفن التشكيلي والموسيقا".
وأوضح شعبان بأنّهم اعتمدوا في تنفيذ "جدارية الشعلان" على "أسلوب الغرافيك ديزان، والرسومات البسيطة، والألوان القوية الجّذابة، بهدف خلق حالة من الاختلاف الإيجابي التي يمكن أن تترك تأثيرها المباشر على المارّة في الشارع، عبر رؤية ما هو جديد، ومبهر، وجميل."
وكشف بشّار شعبان بأن فكرة بدأت منذ العام 2010، حيث تم تصوير كل شوارع دمشق، وتم اختيار الأماكن الأفضل للتنفيذ، الذي لم يبدأ إلّا مطلع العام الجاري 2014، بسبب ظروف الحرب، ومع نجاح التجربة الأولى تسعى جمعية "شمس" لتنفيذ جداريةٍ أضخم في مكان آخر من العاصمة السوريّة قريباً.
ربمّا يختلف الفنّانان موفق مخول، وبشّار شعبان في اتجاهاتهما الفنيّة، لكن بدا واضحاً في حديثهما لـ CNN بالعربية؛ إصرارهما على مقاومة قبح الحرب، وتأثيراتها السلبية بالجمال، وأكدّا أن فريقيهما لم يعيرا اهتماماً لمخاطر العمل في الشارع، كالتفجيرات، والقذائف العشوائية التي تمطر العاصمة السوريّة، وكان كافياً بالنسبة لهم أن يبدؤوا العمل وحسب