بينا أبو يوسفَ القاضي يسيرُ بظَهْر الكوفة - وذلك بعدَ أن كتبَ كتابَ الحِيَل - إذ عرضَ له ممرورٌ عندنا أطيب الخلْق، فقال له: يا أبا يوسف، قد أحسنتَ في كتاب الحيل، وقد بقيتْ عليكَ مسائلُ في الفِطن، فإنْ أذِنت لي سألتك عنها، قال: قد أذنتُ لكَ فَسَلْ، قال: أخبرْني عن الحِرِ كافرٌ هو أو مؤمن? فقال أبو يوسف: دينُ الحرِ دينُ المرأة ودينُ صاحبةِ الحِر: إن كانت كافرةً فهو كافر، وإن كانت مؤمنةً فهو مؤمن، قال: ما صنعت شيئاً، قال: فقل أنت إذَنْ؛ إذْ لم ترض بقولي، فقال: الحِرُ كافر، قال: وكيف علمت ذلك? قال لأنَّ المرأةَ إذا ركعَتْ أو سجَدَتْ استدبر الحِرُ القِبلة واستقبلت هي القبلة، ولو كان دينُه دينَ المرأة لصنع كما تصنع، هذه واحدةٌ يا أبا يوسف، قال: صدقت.
قال: فتأذن لي في أخرى? قال: نعم، قال: أخبرني عنك إذا أتيتَ صحراءَ فهجمْتَ على بَول وخِراء كيف تعرف أبولُ امرأةٍ هو أم بول رجل? قال: واللّه ما أدري قال أجل واللّه ما تدري قال: أفتعرف أنت ذاك? قال: نعم، إذا رأيت البول قد سال على الخِراء وبين يديه فهو بولُ امرأة، وخِراء امرأة، وإذا رأيت البولَ بعيداً من الخِراء فهو بول رجل وخِراء رجل، قال: صدقت.
قال: وحكى لي جوابَ مسائلَ فنسيت منها مسألة، فعاودته فإذا هو لا يحفظها.