"ريسيفر" و حـوريـات
الحبيب الأسود| المهيّؤون للبرمجة يوجد قبالتهم أخصائيون أو محطات البث التي توجّه إرسالها إلى “الريسيفر” وهؤلاء عادة ما يكونون أذكياء ومحترفون وقساة وما يهمهم هو المال والنفوذ والسلطة والوجاهة اعتمادا على الدين.
لا شكّ أن عقول الناس عقلان:
أحدهما مسيطر والثاني مسيطر عليه، أحدهما يرسل والثاني يستقبل، أحدهما يأمر والثاني ينفّذ. وهناك من العقول ما هو جاهز للبرمجة السريعة كأي “ريسيفر” يستقبل إشارة البث، كذلك يكون عقل الإخواني، ومثله عقل الجهادي.
شاب كان يعيش حياته العادية بين المنزل والشارع والجامعة، وكان حسب رواية أهله نابغة في مجال الرياضيات، فجأة أصبح يستفيق باكرا ليؤدي صلاة الفجر حاضرا في المسجد القريب، بعد شهر واحد اختفى، بعد يومين من اختفائه وبينما كانت أسرته تبحث عنه في مراكز الأمن والمشافي وعند الأهل والأصدقاء، جاءهم من يعلمهم أنه سافر للجهاد.
جلسات الفجر في الجامع كانت كافية لبرمجته، فالعقل عند الاستيقاظ يكون مهيّأ أكثر للبرمجة، والنوابغ في المسائل العلمية عموما أكثر استعدادا لأن يكونوا متطرفين وإرهابيين، فالعقول التي تلتقط المعلومة بسرعة لا تختلف عن أي جهاز يمكن أن يلتقط توجيها، أو إشارة عملية دون التأكّد من فحواها وخلفياتها ونتائجها، ودون التأملّ فيها أو استعمال أي عنصر من عناصر النقد والتحليل.
وحسب ما تابعته من قصص التجنيد في صفوف الشباب، أستطيع القول إن الشاب الخجول الذي لا يستطيع مغازلة فتاة، والشاب المهزوم عاطفيا، والشاب الذي يخسر حبيبته بسبب الفقر والحاجة، والشاب الذي يحمل عقدة نقص فيشعر أنه غير مرغوب فيه من الجنس الآخر، هم أكثر استعدادا للتطرّف الديني، حيث تساعد فورة الجسد المجبر على كبت غريزته، على تجهيز العقل بوقود الاستعداد للبرمجة، خصوصا بعد أن تحوّلت الشهادة في خطب الدعاة ورسائلهم وكتبهم إلى بوابة للجنّة، التي لا تمثّل لديهم سوى مهرجان دائم للجنس وتحرير الجسد مع فيالق من الحوريات وجواريهن.
وبالنسبة إلى شاب في مقتبل العمر لا يختلف الأمر كثيرا بين خيال يأخذه لعلاقة أرضية وأخرى سماوية إلى أن يأتي أخصائي البرمجة فيميّز بين الحالتين، ويجعل العلاقة مع الحورية في مقام أرفع وأسمى وأكثر قابلية للتحقيق السريع، حتى أن البعض أقام حفلات زفاف لمن اعتبروهم شهداء مباشرة بعد انتقالهم إلى العالم الآخر، اعتقادا منهم أن لحظة “الاستشهاد” هي لحظة الانتقال المباشر إلى حضن الحورية.
والمهيّؤون للبرمجة، يوجد قبالتهم أخصائيو البرمجة أو محطات البث التي توجّه إرسالها إلى “الريسيفر”، وهؤلاء عادة ما يكونون أذكياء، ومحترفون، وقساة، وما يهمهم هو المال والنفوذ والسلطة والوجاهة اعتمادا على الدين الذي تحوّل لديهم إلى أداة عمل وتجارة، وهم يمارسون عن علم أو عن غير علم، قدرات أقرب إلى السحر في تفكيك اللاوعي لدى الآخر، وإعادة برمجته وتركيبه بما يجعل هذا الآخر آلة جاهزة للتفجّر في أي وقت.
سورية الآن - العرب