إن هجرة العرب ونزوحهم الى العراق والشام وسورية... والى مصر والبحرين... قديمة العهد، ولعلها
ابتدأت من أيام الحكومة الحمورابية، أو قبلها بأمد لا نستطيع تعيينه حتى تكونت هذه الحكومة كما
ارتأى ذلك مؤرخون كثيرون ولم تنقطع صلتهم بالعراق، أو احتكاكهم به على بعد الزمن، وتعزى
الهجرة بالنظر لمؤرخينا الى سعة ملك اليمن واكتساح ملوكهم الممالك الأخرى، ثم الى سيل العرم في
اليمن، ثم الى تكاثر القحطانيين والعدنانيين مما أدى الى الاختلاط وايجاد حلف عربي قيل له "التنوخ" كما
سميت القبائل المتفقة "القبائل التنوخية" فكانت تجري الهجرة الى الأرياف وأهمها "العراق"...
ولا نعدم بعض النصوص التاريخية عن هذه الهجرات والتدافع بين القبائل والتداخل أو الانقياد والتمثل...
ولا يعرف في الحقيقة وبالضبط تاريخ التروح الى العراق وإنما هو قديم، وإن كافة العرب الموجودين في
العراق يحفظون أصلهم وانه من جزيرة العرب، وان فريقاً منهم يمت الى القحطانية، وآخر الى العدنانية
ومنهم من هو من العرب الأولى كما يراه البعض... فهم بالرغم من الاختلاط حافظوا على تجارهم
واصلهم الأصيل ولكن الملحوظ هو ان السلطة كانت للقحطانية وان كان يقال عن تغلب العدنانية فالازد
لم يضيعوا سلطتهم...
ولما صالح خالد بن الوليد أهل الأنبار رآهم يكتبون بالعربية ويتعلموا فسألهم ما أنتم فقالوا: "قوم من
العرب نزلنا الى قوم من العرب قبلنا فكانت اوائلهم نزلوها أيام بختنصر" 1" حين أباح العرب ثم لم نزل
عنها." ويفسر هذا القول بالمحفوظ لهم... فقال ممن تعلمتم الكتاب؟ قالوا: "تعلمنا الخط من اياد وأنشدوه
شعراً:
قومي أياد لو انهم أمم أولوا أقاموا فتهزل النعم
. " قوم لهم باحة العراق إذا ساروا جميعاً والخط والقلم"اه" 2
ومما يبين محفوظات القوم عن أصلهم ان خالداً حينما جاءه رؤساء أهل الحيرة للمفاوضة في أمر الصلح
قال: ويحكم ما أنتم؟ أعرب فما تنقمون من العرب؟ أو عجم فما تنقمون من الانصاف والعدل؟ فاجابه
عدي اللخمي بل عرب عاربة وأخرى متعربة فقال: لو كنتم كما تقولون لم تحادوننا وتكرهون أمرنا
فقال له عدي: ليدلك على ما نقوله انه ليس لنا لسان إلا بالعربية فقال صدقت..الخ. ثم قال له اختاروا
واحدة من ثلاث ان تدخلوا في ديننا فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، أو الجزية، أو المنابذة والمناجزة فقال
بل نعطيك الجزية فقال خالد: - تباً لكم ويحكم ان الكفر فلاة مضلة فاحمق العرب من سلكها فلقيه
دليلان أحدهما عربي فتركه واستدل الأعجمي...! فصالحوه على مبلغ معين. ولكنهم ثقل عليهم ضياع
الأمرة واعطاء الجزية فقال ابن بقيلة:
ابعد المنذرين ارى سواماً تروح بالخورنق و السدير
وبعد فوارس النعمان ارعى قلوصاً بين مرة والحفير
فصرنا بعد هلك أبي قبيس كجرب المعز في اليوم المطير