كانت الاقوام ولا تزال النفرة بينها قائمة على قدم وساق من أمد بعيد، وكذا التمايز سائراً على وتيرة،
وان شيوع الحضارة، والتعارف العلمي، وسهولة وسائط النقل المؤدي للأختلاط والالفة... كل هذه لم
تؤلف بين الشعوب، ولا دعت الى التقريب بينهم، ولم تزل الفروق باقية، والبغضاء سائدة فلم ترتفع
الشحناء مما ولدته العصبية الباطلة، والنعرات المذمومة بحيث صارت لا ترتكز على ارادة خير الانسانية،
والعمل لصلاحها، أو تعاون على هذه الحياة بتذليل صعاب...
وهذه الفكرة يتخلل صفوفها مجموعات تدعو الى الفة أخرى هي الاخوة المبدئية، والقوة الحزبية، ونرى
أساسها الاشتراك في الآراء للتعاون، والوحدة في السلوك، وحب التآخي... وان اختلفت القوميات
وتناءت الاقطار... وهذه أيضاً في تكاتف شديد، واتصال مكين وان كان الموضوع لا يراد به إلا تطلب
الاصلاح في ناحية معينة وتعديل السلوك فيها خاصة... ولا تزال الامم في خطر من هذا العداء؛ والمبادي
ضعيفة، وتقوية ناحيتها من الامور المشهودة؛ وان الفروق والميزات مما نفر بين الاقوام بعضها من بعض...
والعرب لم يخرجوا من نطاق هذا بل كان فيهم ما يزيد، ووسائل العداء فيما بينهم كثيرة، يدعو اليها
وضعهم وما هم فيه.. من غزو وغارة وقتال مستمر... يتكون بينهم غالباً لادنى حادث أو لأقل سبب...
والذي يتأهب لمثل هذه الامور يختلق، أو يوجد ما يدعو لتنفيذ رغبته والقيام بعمليته...
هذه الحالة نراها في كافة اوضاعهم الجاهلية، ووقائعهم المعروفة في الازمان الغابرة وامثلتها كثيرة جداً...
بل التاريخ طافح من هذا النوع... فكان من نصيب الاسلامية ان غيرت هذه الحالة وجعلت اساسها
احترام الشعوب والقبائل، وجعلتها واسطة التعارف، ووقفتها عند حدودها، ودعت الى الاسلام والتآلف،
وحثت على الوفاء بالعهود، ولم تبرر نقض العهد بوجه، ومنعت من المفاجآت الحربية بلا سبب
صحيح... فسيرت هؤلاء نحو الطريقة المثلى، والاخوة العامة، وازالة البغضاء من البين..