مسجد الكوفة المعظم
خططت الكوفة على غرار تخطيط مدينة البصرة وقد جاء بناءها بعد عامين او ثلاثة من بناء البصرة. بناها سعد بن ابي وقاص عام 19 هـ /138 م في الجانب الغربي من نهر الفرات وعلى بعد بضعة اميال من الجهة الشمالية الشرقية من مدينة الحيرة القديمة , وهي الان على بعد (156) كم جنوب بغداد و (10كم) شرق مدينة النجف.. وهي ثاني مدينة مدينة في الاسلام ولها اسماء عديدة منها: جمجمة العرب, وروح الله, وحاضرة العالم الاسلامي, ودار هجرة المسلمين , وعاصمة امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام).وقد انشئت الكوفة لتكون دار هجرة وعاصمة للمسلمين بدل المدائن, وكان الغرض الرئيس من تمصيرها لتكون حامية عسكرية لا يفصل بينها وبين المدينة المنورة بحر.جاء في تاج العروس (سميت الكوفة بالكوفة لاستدارتها , وقيل بسبب اجتماع الناس فيها , وقيل لكونها رملية حمراء ولاختلاط ترابها بالحصى, و(الكوفان) هو الدغل من القصب والخشب.ان ارض الكوفة سهلة وعالية فوق مستوى فيضان الفرات, وترتفع (22) مترا عن سطح البحر , وقد سكنت الكوفة قبائل اهمها عبس , ضبّة , تميم, وكندة وهمدان وثقيف واسد وطي, وكان اول الوافدين اليها بعد العرب هم الفرس واقام بها بعد تمصيرها السريان من سكنة الاديرة في اطراف الحيرة والنجف . لقد ازدهرت الكوفة حينما انتقلت اليها الخلافة في زمن الامام علي (ع) ومعه عدد كبير من الصحابة الابرار وذلك بعد انتصاره في معركة الجمل سنة 36هـ وعاش فيها 70 صحابيا ممن شهدوا بدر , كما عاش فيها عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وغيرهم من الاصحاب الاجلاء.مسجد الكوفة:-ان اول ما اختط من الكوفة مسجدها الاعظم ودار الامارة وبيت المال يروي البلاذري "ان سعدا لما انتهى الى موضع مسجدها امر رجلا فعلا بسهمه قبل مهب القبلة فاعلم على موقعه , ثم علا بسهم اخر قبل مهب الشمال واعلم على موقعه , ثم علا بسهمه قبل واعلم على موقعه , ثم علا بسهمه قبل مهب الصبا واعلم على موقعه , ثم وضع مسجدها ودار الامارة في المقام العالي وما حوله , ثم اقطعت الاراضي واختطت كل قبيلة موضعها " ... وكان قصر الامارة يتصل بالمسجد من جهة القبلة , ولم يكن لمسجد الكوفة سور في بادئ الامر , بل كان صحنه مكشوفا يحيط به خندق وله سقيفة يستظل بها المصلون , ثم احيط المسجد بسور من اللبن و الطين , ويذكر ياقوت ان الخليفة كان كتب الى سعد يامره بان يخط مسجد الكوفة بحيث يتسع للمقاتلة او ما يكفي لاربعين الف مصلي , وبنيت الجدران بالاجر المستخرج من خرائب الحيرة. وقد رفض الامام علي (ع) النزول في دار الامارة لسعته وكثرة مرافقه قائلا: انها دار الخبال , وهذا يدل على شدة تواضعه وتقشفه وعزوفه عن الدنيا وزخرفها ... وقد اصبح دار الامارة عبارة عن ادغال وخرائب .والجامع في الوقت الحاضر مربع الشكل تبلغ اضلاعه (110مترا) و(109مترا) و(116مترا) و(116) مترا ويبلغ ارتفاع جدران السور حوالي (20 مترا).ويدعم السور (28 برجا) نصف دائري , ويقع مدخل المسجد الرئيسي في طرف جدار المؤخرة الشمالي الشرقي ويتألف من اطار مستطيل يتوسطه عقد مدبب عند الوسط وحوله زخارف اجرية محفورة حفرا مخمليا جميلا وهذه الزخرفة تعود للقرن السادس الهجري . اما صحن المسجد فهو مكشوف توجد فيه مجموعة من المحاريب ويتوسطه موضع (السفينة) التي ربما كانت ارضيتها ارض المسجد الاول وقد حدد هذا المكان شكل مثمن , ينزل اليه بسلم يؤدي الى بناء مكشوف وفيه حجرة صغيرة داخلها محراب , وهناك اسطورة تقول ان مياه الطوفان التي غمرت العالم كله في عهد النبي نوح قد تدفقت من هذا المكان بالذات ...وتوجد في المسجد عدة مقامات منها: مقام النبي ابراهيم (عليه السلام) ومقام الخضر (ع) ومقام بيت الطشت , ومقام النبي الاعظم محمد (ص) ومقام النبي آدم (ع) ومقام الامام الصادق (ع) ومقام جبرائيل (ع) ومقام زين العابدين (ع) .وفي صحن المسجد اواوين عديدة على امتداد اضلاعه كل ايوان يشتمل على غرفة تستضيف الزائرين – وفي الروايات ان النبي محمد (ص) عندما اسري به ليلة الاسراء نزل في موضع مسجد الكوفة وصلى به.محراب امير المؤمنين عليه السلام وموضع استشهاده:-لقد انشئ حديثا بناء فخم كبير يضم موضع مصلى ومحراب امير المؤمنين علي (ع) وهو موضع استشهاده سنة (40) هجرية , وروعي في بناءه وتزيينه احدث الاساليب العصرية والفنون المعمارية وكسيت جدرانه والمحراب بانفس انواع المرمر المستخرج من قيعان البحار وكذلك من الالمنيوم المذهب وبني المنبر من الرخام الايطالي المعرق الفاخر وذلك تخليدا لذكرى سيد البلغاء والمتكلمين الامام علي (ع) والذي صدح فوق ذلك المنبر باروع الخطب البلاغية التي اصبحت مدرسة في علم البلاغة والبيان وهذا البناء بمجموعه يقع داخل المسجد الاعظم على امتداد الجدار القبلي.مرقدا مسلم وهاني:-ويلتصق بالمسجد من الشمال بناء يضم مرقدي (مسلم بن عقيل بن ابي طالب) سفير الامام الحسين عليه السلام لاهل العراق , و(هاني بن عروة) الصحابي الجليل الذي قتل بسبب ولاءه ونصرته للامام الحسين (ع) وكذلك مرقد (المختار بن ابي عبيدة الثقفي) الاخذ بثأر الحسين (ع) وتقوم على ضريح مسلم قبة شاهقة مطلية بالذهب الخالص , بينما يكسو القاشاني الملون القبة القائمة على ضريح هاني بن عروة , ويتصل هذا البناء بصحن المسجد الجامع .لقد شهد مسجد الكوفة مدرسة عظيمة تخرج منها الوف العلماء في الفقه والحديث واللغة والنحو الصرف والكيمياء والفلك والفلسفة وترعرع فيها الخط العربي المعروف بـ(الخط الكوفي) نسبة الى هذه المدينة والذي كتب به القرآن الكريم بالقرون الثلاثة الاولى من الهجرة .وفي الكوفة ظهرت الخطوط العريضة للنحو العربي على يد ابو الاسود الدؤلي واشتهرت مدرسته النحوية المتميزة في نهجها واسلوبها عن مدرسة البصرة النحوية . ومن كوفة الجند كان المنتبي الشاعر العربي المشهور.المساجد والمراقد والمقامات القريبة من مسجد الكوفة:-تقوم بالقرب من الكوفة عدة مساجد ومقامات ومراقد , منها مرقد (ميثم التمار) احد اصحاب الامام علي (ع) الابرار وكان تمارا.. والى جهة الجنوب يقوم بيت الامام علي (ع) الذي اتخذه مسكنا في اثناء خلافته وفي يوم استشهاده غسله ولداه الحسن والحسين (ع) من بئر لا تزال فيه , وغرفة هي الغرفة نفسها التي عاش فيها الامام رغم مرور مئات السنين وبظهر الكوفة يقع (مسجد السهلة) وهو من المساجد المهمة التي يؤمها العرب والمسلمون لما فيها من قداسة جوانب روحانية عالية.. يقول الامام الصادق (ع) ما من مكروب يأتي مسجد السهلة فيصلي ركعتين بين العشائين فيدعو الله عز وجل , إلا فرج الله كربته, وهناك رويات متظافرة تدل على ان بعض الانبياء قد مروا به وصلوا في موقعه ومحرابه . وفي وسطه توجد مقامات للنبي ابراهيم والنبي ادريس عليهما السلام , وكذلك للامام الصادق (ع) والامام زين العابدين (ع) , وكذلك مقام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) , ومنها ان هذا المسجد كان قديما بيتا للنبي ابراهيم الخليل عليه السلام بعد خروج العمالقة وكان بيتا للنبي اديس عليه السلام الذي كان يصلي ويخيط به. وللمسجد سور عال يبلغ ارتفاعه (20 مترا ) وفيه ابراج نصف دائرية وفي وسطه قبة كبيرة مكسوة بالقاشاني الملون . ويقال ان الدعوات تستجاب من الزائرين في هذا المسجد باذن الله تبارك وتعالى.