عمر الحياني
أسرارها الجمالية فريدة، وألوانها تسحر الناظرين، وبريق بلوراتها يأسر الألباب، وذبذباتها تشفي السقم، هذا ما تُعرف به الأحجار الكريمة منذ آلاف السنين، وهي إما نفيسة أو نصف نفيسة، وما يضفي عليها قيمتها في الحقيقة هو أسرار تكوينها الكيميائي والفيزيائي.
يعد العلاج بالأحجار الكريمة من الطرق السائدة في الشرق القديم، حيث كان العرب أول من عرف قيمتها العلاجية في القرن العاشر قبل الميلاد في مملكة سبأ، كما ذكر المؤرخ سترابون، واعتبروها فلسفة روحية متكاملة لتحرير الجسم والفكر.
فطلبها الفراعنة للزينة والتبرك والعلاج، واستخدمها قدامى اليمنيين في العلاجات الشعبية. فالعقيق اليماني -على سبيل المثال- ما زال يستخدم لعلاج داء الشقيقة وآلام الرأس والتشنجات العصبية. ونتساءل هنا هل يمكن وضع هذا النوع من العلاج في خانة الطب البديل أسوة بالعلاج بالألوان أو الموسيقى؟
هناك اتجاه عالمي نحو دعم الطب البديل، وإخضاعه للدراسة والبحث العلمي، فمنظمة الصحة العالمية دعت إلى دعم الطب التقليدي ودمجه في النظم الصحية الوطنية لضمان معايير السلامة في تقديمه.
وأسوة بالعلاج بالألوان أو الموسيقى، يمكن وضع هذا النوع من العلاج في خانة الطب البديل، الذي ما زال نحو 80% من سكان الدول الآسيوية والأفريقية يعتمدون عليه، وفق تقرير المنظمة عام 2008.
لكل داء حجر كريم
يرى المهتمون بالطب البديل أن الأحجار الكريمة تختلف في تأثيرها باختلاف أنواعها والأشخاص الذين يستخدمونها. يقول أستاذ العقاقير والمدير السابق لمركز أبحاث النباتات الطبية والعطرية والسامة في جامعة الملك سعود الدكتور جابر القحطاني "إن حجر الفيروز -مثلاً- له مفعول نفسي وتأثير مضاد لخفقان القلب ومقو له ومقاوم لداء الصرع".
ويضيف أنه وفق المعتقدات السائدة، فإن حجر القمر ينفع في مواجهة الاضطرابات الهرمونية الأنثوية وحالات العقم، في حين يوقف حجر الجزع نزف الدم ويسهل الولادة ويعالج اليرقان.
ويستخدم الشرقيون الألماس في علاج حالات مختلفة من الشلل والصرع وتضخم الطحال، في حين يستخدم "التوباز" لعلاج الأزمات الصدرية، وجميع أمراض الحلق والحنجرة، إضافة إلى الأمراض المعدية مثل الحصبة.
أما "الزمرد" فينفع في علاج حالات التوتر، والأمراض الجلدية، وهو مفيد أيضاً في علاج أمراض الدم والكبد والأمراض الجنسية.
ويستخدم حجر النار (نيترات الفضة) لعلاج الاضطرابات الجنسية لدى الرجال. ويرجع اختصاصي الطب البديل الدكتور مصطفى الصوفي ذلك إلى قدرته على إصدار أشعة تعمل على تنشيط الأعضاء التناسلية للرجال.
أما "الزيركون" فقد كان الداء والدواء في آن واحد، فوفقا للقحطاني "تم استخدامه من قبل العرب القدامى كمضاد للحساسية وفقر الدم"، في حين يخالفه الدكتور خالد العيسى من معهد بحوث الطاقة الذرية في المملكة العربية السعودية الرأي في إحدى دراساته،
حيث يعتبر الزيركون من أكثر أنواع الأحجار الكريمة تركيزا للمواد المشعة الطبيعية -مثل اليورانيوم والثوريوم- التي قد تحدث تحولات جينية في خلايا الإنسان وتؤدي إلى الوفاة في حال التعرض لنسب عالية منها.
ويشير هذا التضارب إلى عدم حسم الجدل بين الجيولوجيين والمتخصصين في الطب البديل بشكل علمي. وإذا كانت السمة الجمالية للأحجار الكريمة حملت الكثير من الناس إلى ربطها بمعتقدات وقوى طبيعية خارقة بشكل وصل أحياناً إلى حد الخرافات،
فإن هناك جانبا مهما يراه الكثير من المتخصصين في الطب البديل مكمناً لأسرار تلك الأحجار وخباياها، هو الجانب العلاجي. فهم يؤكدون أنها تتمتع بقدرات شفائية غير عادية، تحت مصنف "الطب البديل".
سر قيمتها العلاجية
يختلف تكوين الأحجار الكريمة من نوع إلى آخر، فالمعدنية منها تكونت في باطن الأرض على أعماق مختلفة، واتحد بعضها مع عناصر أخرى أو تكونت بشكل منفرد، مثل الياقوت والزمرد والألماس الذي يوجد أحياناً على عمق 160 متراً تقريباً وقد تخلفه الحمم البركانية والزلازل الأرضية.
أما البعض الآخر فيتكون في المملكة الحيوانية، حيث يستخرج من قاع البحر، مثل المرجان واللؤلؤ، أو في المملكة النباتية التي تمنحنا الكهرمان الأصفر الجميل مثلاً.
يقول الجيولوجيون إن تعرض الأحجار الكريمة -المعدنية تحديداً- إلي الحرارة والبرودة على مدى آلاف السنين يؤدي إلى تأثرها بالإشعاعات بنسب مختلفة.
ويذكر العيسى في دراسة حول "تشعيع المجوهرات والأحجار الكريمة وآثارها الصحية المحتملة" أن "هناك أحجاراً كريمة لا تحتوي في ذاتها على مواد مشعة طبيعية، لكن وجودها في أماكن طبيعية تحتوي على مستويات إشعاعية طبيعية في ظل حرارة عادية أدى إلى تأثرها بالإشعاعات على مدى ملايين السنين".
ويذكر القحطاني أن الأحجار الكريمة غنية بخباياها العجيبة وبقدرتها الشفائية الدفينة التي لا يزال الإنسان منذ العصور الأولى يعمل جاهدا على اكتشاف أسرارها، وعمرها من عمر الأرض.
ويتابع أن العلاج بالأحجار الكريمة يعتبر علما طبيا مستقلا وقائما بذاته من أنواع الطب البديل، "فهي مفيدة في علاج الأمراض والاضطرابات الجسدية والنفسية والعاطفية في آن واحد".
ويرى العديد من المتخصصين في الطب الحديث أن العلاج بالأحجار الكريمة هو جزء من العلاج الطبيعي، وأن أهل الصنعة أدرى بحقائقها، تاركين التحقيق في فاعليته إلى الأبحاث العلمية، لهذا يرى استشاري الأمراض الباطنية والأعصاب الدكتور عمار اللهبي أن "العلاج بالأحجار الكريمة مجرد علاج لبعض المرضى الذين تتقبل حالتهم النفسية ذلك، أما الطب الحديث فلم يثبت ذلك علميا حتى هذه اللحظة".
آلية عملها
يكمن العلاج بالأحجار الكريمة في مقدار الطاقة التي تشع منها عبر إصدارها موجات قصيرة ذات تردد ذبذبي عال، وتوضع الأحجار بترتيب معين حول الأجزاء التي يعاني فيها الجسم من الألم وفوقها.
ويوضح الصوفي، أن الأسلوب الأساسي المتبع في علم المعالجة بالأحجار الكريمة يعتمد على وضع الأحجار على نقاط أو مراكز الجسم بهدف تنشيطها.
ويتابع أنه رغم بعض المزايا الصحية والقيمة العالية للأحجار الكريمة في معالجة العديد من الأمراض والاضطرابات الجسدية والنفسية، فإن لبعضها انعكاسات خطيرة على الجسم، كما لم يثبت علمياً قدرة بعضها الآخر على شفاء بعض الأمراض، "كقدرة العقيق على الحماية من اللسعات السامة والياقوت من مرض الطاعون".
ويشدد الصوفي على ضرورة توخي الحذر عند استخدام الأحجار الكريمة، معللا ذلك بأن بعضها قوي للغاية، ويبث طاقة وإشعاعات تؤثر سلباً على الإنسان، وذلك عبر جسيمات أو موجات تؤثر على خلايا الجسم، وقد تزيد احتمالات الإصابة بالسرطان وتحدث تحولات جينية. مشيرا إلى أن كثيرين يسيئون استخدام العلاج بالأحجار الكريمة اليوم.
وهو ما ذهب إليه العيسى في دراسته المنشورة عام 2004، حينما حذر من "أن الأحجار الكريمة تعالج اليوم بالمواد المشعة لإضافة ألوان جذابة أو تغيير ألوانها، سواء بغمرها بمحاليل أملاح الراديوم أو المعالجة الحرارية بأشعة جاما أو معالجات الإلكترونات ومفاعلات الأبحاث النووية الخاصة بمراكز الأبحاث". وحذر كذلك من استخدامها كحلي لكونها مصدر إشعاع خطر على الإنسان.
يخلص تقرير منظمة الصحة العالمية إلى أن الطب البديل يتجه مستقبلاً نحو الاندماج مع الطب الحديث بعد أن أدرك المهتمون أنه يحمل خبرات متراكمة منذ بداية الحياة البشرية.
ويقول عالم الفيزياء الشهير ستيفن هاوكنغ "إن مستقبل الطب يكمن في العلاجات التي تعتمد على الضوء واللون"، ويؤكد متخصصون أن العلاج بالأحجار الكريمة هو علاج فيزيائي مثل العلاج بالأوزون والألوان والزيوت العطرية وسواها عند مختلف الشعوب.
وأيا تكن حقيقة قدرة تلك الأحجار على العلاج، ربما من الضروري عدم خلطها بالسحر والشعوذة وادعاء وجود "خرزة المحبة" و"خاتم القبول والتسخير" وسواهما من الادعاءات المنافية للعقل والمنطق.
_____________
*صحفي يمني متخصص في الشؤون العلمية.
المصدر